مفتي السعودية لـ «الشرق الأوسط»: أعجب لمن يدافع عن «القاعدة» وهي سبب «الفوضى»

الشيخ عبد العزيز آل الشيخ علَق على السجال الدائر بين السنة والشيعة قائلا: خير للجميع الاحتكام لكتاب الله وسنة نبيه

TT

شدد الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، مفتي السعودية، على خطر تنظيم القاعدة، وزعيمه أسامة بن لادن، مؤكدا أن التنظيم لم يجلب للعالم الإسلامي «إلا الفوضى والدمار».

وأكد آل الشيخ في حديث مع «الشرق الأوسط»، عدم صدقية ما يدعو إليه بن لادن. وقال «يجب على المسلم، ألا يغتر بكل دعاية. كل دعوى تدعى وتقام، يجب أن يكون موقف المسلم منها التبصر فيها والنظر في نتائجها والنظر في مآلات أحوالها»، واصفا التنظيم بأنه «دموي مفسد قائم على القتل وإفساد الأمة وتدمير الممتلكات».

ولم يبد مفتي عام السعودية، رضاه الكامل عن الخطوات المتخذة لصد خطر التنظيم الإرهابي من الناحية الفكرية. وقال «إن هناك قصورا» في هذا الجانب، معتبرا أن الإرهاب الفكري «خطير، ومقدمة للإرهاب العملي»، مشددا على ضرورة أن تأخذ الحرب على الأفكار الضالة أشدها.

ورأى الشيخ آل الشيخ، أن ما تتعرض له السعودية من حملة إعلامية شرسة، ما هي إلا «بلاء من الله». ولم يبد استغرابا من أن تتعرض المملكة لمثل هذه الهجمات ممن وصفهم بـ«الأعداء».

ورد على من يصفون العلماء السعوديين بـ«الوهابيين»، بتأكيده أن مستخدمي هذا التصنيف يطلقونه بدعوى أن الوهابية «فرقة خارجة عن الاتجاه الشرعي»، وهو ما عده من المغالطات التي يتبناها أتباع «مبدأ كفري قديم».

الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الذي خص «الشرق الأوسط»، في مقر جامع الإمام تركي بن عبد الله (وسط الرياض)، علَق على السجال الدائر بين السنة والشيعة منذ أيام، بوجوب الاحتكام إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

حديث مفتي السعودية، لم يخل من التأكيد على ضرورة تقنين الفتوى في هذا الوقت، حيث قال إنه يشهد تسابق بعض القنوات الفضائية على بعض الدعاة الذين قد يكونون ممن يشار لهم بكذا وكذا، واستغلالهم ليفتوا في أمور شرعية لا علم لهم بها ولا إدراك لهم فيها ولا فقه عندهم بها، وهو ما قال بإنه يؤدي لإطلاق فتاوى خاطئة مجانبة للصواب. وفي ما يلي نص الحوار:

* بداية، ما هو موقفكم إزاء الحملة التي تشن في بعض وسائل الإعلام على المملكة العربية السعودية وقياداتها، وما إذا كنتم تعتقدون بأنها مدفوعة بدوافع سياسية أو غيرها؟

- بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد، يقول الله جل وعلا «لتبلون في أموالكم وأنفسكم، ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا»، فبين تعالى للأمة أنهم لا بد أن يسمعوا من أعدائهم أذى قوليا، ويجدون منهم أذى فعليا، فإن عجزوا عن الفعلي فبالقول، وإن استطاعوا الجمع جمعوا بين أذى فعلي وقولي، فالمسلمون لا بد أن يواجهوا من أعدائهم كل الادعاءات الباطلة والسيئة، فعلى المسلمين ألا يعبأوا بهذا الباطل، وعليهم أيضا أن يكشفوا هذا الباطل بالحجج الواضحة. هم لا يكترثون بمعنى أنهم يرونه شيئا غريبا، فهو ليس بشيء غريب، لكن عليهم أن يقابلوا هذا الباطل، بحجج شرعية وأدلة دامغة، تبين فساد هذا التصور وخطأه، بأن يستغلوا الإعلام الداخلي والخارجي، في الدفاع عن كيان هذه الأمة، ودمغ هذا الباطل بالحق الواضح، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حيا عن بينة.

* هل تقصدون يا شيخ، أن هذا في سياق ما تبتلى به البلاد والأمة؟

- نعم، فالأمة تبتلى، والبلاد تبتلى، والقيادة تبتلى، فالبلاء قد يأتي بجميع شؤون الحياة، ولكن لا نستبعده ولا نستغربه، لأنه يأتي من عدو، ولكن إنما علينا أن نواجه هذا الباطل والحملات الشرسة بحقائق واضحة وحجج دامغة، لكي نقطع خط الرجعة على أولئك ونوضح لهم موقفنا.

* أيضا، نريد أن نسأل عن موقفكم، مما يواجه العلماء السعوديون من إساءات شتى، بدءا من وصفهم بـ«الوهابيين»، وليس انتهاء بنعتهم بـ«التكفيريين»، إضافة إلى ما يذكر عن بعضهم من أنهم «علماء سلطة»، وغيرها من التوصيفات؟

ـ علماء هذا البلاد، ولله الحمد، مع القيادة شيء واحد، وتعاون وثيق، وارتباط قوي، وبعضهم يشد أزر بعض، فالعلماء هم بأمس الحاجة لوقوف القيادة معهم، والقيادة أيضا ترى لهم فضلهم ومكانتهم، فالتعاون بين العلماء والقيادة، راسخة جذوره، ثابث وقديم، وليس أمرا حادثا، فعلماء هذا البلد مع قيادتهم هم على خط واحد وعلى طريق مستقيم، وليست هناك فوارق بين هؤلاء ولا هؤلاء، بل العلماء يؤدون ما عليهم، والقيادة تنفذ ما أمر به علماؤها وما وجهوا به، وكل منهم مكمل للآخر.

وأما وصفهم بـ«الوهابية»، فهم وصفوهم بالوهابية بدعوى أنها فرقة خارجة عن الاتجاه الشرعي، وهذا كله من المغالطات، فدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، لم يدع خلالها لنفسه ولا لمذهبه، وإنما دعا إلى الله وكتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. فالواصفون بالوهابية يرون أن الدعوة خلاف الحق، وهذا كله من المغالطات، بل الدعوة حق وهدى قام بها الشيخ رحمه الله، وأيده وشد أزره الإمام محمد بن سعود رحمهما الله، فوصفوا هذه الدعوة بالوهابية لما رأوها تحكم الشريعة وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر تقيم العدل وتدعو إلى الخير، فتلك الأوصاف أوصاف سيئة وهي قديمة وليست حديثة، فمنذ أن أشرقت هذه الدعوة الإصلاحية وأعداؤها يصفون أتباعها بهذه الدعوى، كما أن قريش يصفون النبي بالصابئ، ويصفون أتباعه بالصابئة. وهو يدل على أن وصف أهل الخير والصلاح بالألقاب الشنيعة مبدأ كفري قديم.

* في موضوع آخر، كيف تنظرون إلى الجهود القائمة الآن لمحارية الإرهاب الفكري الذي جاء مع تنظيم القاعدة، وهل تعتقدون أن هناك تقصيرا في هذا الجانب؟

ـ في الحقيقة الإرهاب الفكري خطير، فالإرهاب العملي هو نتيجة للفكري، فلا بد لنا أن نحارب الإرهاب الفكري، بمعنى أن نبين فساد هذا الفكر السيئ وأضراره، ونبين أصوله، ومن أين استمد هذا الباطل وهذا الفساد، لأنه إذا عالجنا الفكر الخاطئ معالجة علمية، استطعنا أن نعالج الإرهاب الفعلي، الذي هو ناتج عن الإرهاب الفكري، والذي يقدح أتباعه بالأمة ويكفرونها ويستبيحون دماءها وأموالها، ويأتون بشبهة باطلة وكاذبة يلصقونها بالأمة، ومن ثم يبنون على هذا الفكر السيئ بالدعوة إلى الشر والتدمير والفساد.

ولا شك أننا نقول إن هناك شيئا من القصور في محاربة الأفكار، لأن الواجب علينا جميعا، الإعلام والجامعات وأئمة المساجد وخطبائها، كل هؤلاء مسؤول أن يحارب هذا الفكر السيئ ممن علم أنه يحمله، فيناقشه ويبين فساده، حتى الآباء والأمهات، فعلى الجميع محاربة هذا الفكر، وتبصير الناس ودعوتهم إلى الخير، وتحذيرهم منه، فنرجو إن شاء الله أن تكون الحرب على الإرهاب الفكري، قائمة على أشدها ومبنية على أسس ثابتة ومناهج طيبة حتى نستطيع أن نغلق أبواب الشر بتوفيق من الله.

* إذا ما تحدثنا عن أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، ما يزال هناك من مواطني الدول الإسلامية، وقد يكون حتى داخل السعودية، من يعتبرونه رمزا لهم، هل لنا بتعليق على هذه المسألة؟

ـ يجب على المسلم، ألا يغتر بكل دعاية، وكل دعوى تدعى وتقام، يكون موقف المسلم منها التبصر فيها والنظر في نتائجها والنظر في مآلات أحوالها، فما كل من أدعى خيرا، أو تلبس بخير نقبله فورا. لا، لا بد أن نناقش وننظر هذا الفكر الذي يحمله هذا الإنسان أو غيره، ما هو هذا الفكر ومن أين استمده، وما هي الجهات التي تمده، ونتصور حقيقة هذا الأمر تصورا جيدا، لأنه لا بد إذا أردنا أن نحكم على شيء، أن نتصوره التصور الجيد، حتى نستطيع أن نبين معايبه وأخطاءه وفساده. فالقاعدة وما القاعدة، كل هذه الأشياء جيء بها لحرب الإسلام، وتشتيت شمل الأمة، وإحداث الفوضى بين صفوفها، وتهيئة الفرصة للأعداء لطمعهم في بلاد الإسلام، فهذه الأشياء والمصطلحات العصرية، إذا نظر إليها المسلم نظرة فاحصة، وجدها دموية مفسدة قائمة على القتل وإفساد الأمة وتدمير الممتلكات، وإحداث الفوضى في العالم الإسلامي، فكيف أحد يرضى بهذا الفكر، أو يقف معه، أو يعتذر عنه، أو يبرر موقفه، فلا بد للأمة أن تكون يقظة، وألا تسكت عن الباطل، فلا بد للأمة أن تكشف حقيقة الباطل، وحقيقة المنتسبين إليه، وتبين أفعالهم القبيحة، فالأفعال السيئة تنبئك عن معتقد سيئ وفكر غير سليم.

* في موضوع الفتوى، لوحظ أخيرا أن قنوات الفتوى تشعبت، كيف ترى ضرورة تقنين الفتوى، وضرورة حصرها بالقنوات الرسمية؟

ـ الفتوى الفردية، كانت موجودة منذ القدم، من أيام الصحابة، إلا أن الزمن الأول كان اختلاف الناس بالفتوى اختلافا يسيرا، اختلافا في مفهوم حديث أو عموم أو غير ذلك، ولم تكن لديهم تلك النزعات الخطيرة. فكان هناك اختلاف محدود. أما في هذا العصر للأسف الشديد، هناك بعض الفتوى نحت نحوا سيئا، وأصبحت بعض القنوات، تستغل بعض من لا علم عنده ولا فقه عنده، قد يكونون من رموز ممن يشار لهم بكذا وكذا، يستغلون أولئك ليفتوا في أمور شرعية لا علم لهم بها، ولا إدراك لهم فيها، ولا فقه عندهم بها، فتكون الفتاوى فتاوى خاطئة مجانبة للصواب، لأنها لا تعتمد على الكتاب والسنة، وإلا إذا أفتى مفت بدليل من الكتاب والسنة، وقد يخالفني في رأيي ولكنه يعتمد في خلافه لي على فهم قد أكون أنا خالفته في الفهم هذا أمر سهل. أما أن يأتي مفت ليفتي بما يخالف الأصول والثوابت والقواعد العامة، بدعوى التيسير والتسهيل، وبدعوى وبدعوى، ومن ثم يأتينا بالطامات والفتاوى الشاذة المخالفة للحق، فهذه مصيبة.

* بالانتقال إلى موضوع الساعة، وهو السجال الحاصل بين علماء السنة والشيعة، والحديث عن وجود مد شيعي داخل البلدان التي تقطنها غالبية سنية، أين يقف مفتي السعودية من هذا السجال؟

ـ من رأيي، أن علماء المسلمين يجب أن يكون جهدهم متجها إلى إصلاح الأخطاء، وإلى بيان الأخطاء في كل جانب، لأننا إذا سعينا إلى إيقاد نار الخلاف والعداوة، هذا الأمر قد لا يخرج بنتيجة، ولكن النتيجة التي يجب أن نخرج بها هي التعمق في بحث الخلافات والاختلافات، حتى نبين ما يوافق الحق فهو مقبول، وما يخالف الحق فهو مردود، لا ننطلق من منطلق كذا وكذا، ننطلق من منطلق أن من يخالفنا لا بد أن نبين له منهجنا وطريقنا، والخلاف بيننا وبينه على ضوء الكتاب والسنة، ولو جعلنا الكتاب والسنة مصدرين أساسين لمرجع أي خلاف يحدث بيننا وبين الآخرين لاستفدنا خيرا كثيرا، ولذلك قال الله «فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا». فالمخالف ممن ينتسب إلى الإسلام فلا بد أن نقول حقيقة الإسلام تفرض علينا أن نجعل كل خلاف مرجعه الكتاب والسنة، فإذا جعلنا مرجعنا الأساسي الكتاب والسنة وما فهمه صحابته الكرام والتابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فإذا جعلنا كل هذا هو المرجع لحل أي خلاف فإني أرجو أن ينتهي الأمر إلى خير.

* تضطلع هيئة كبار العلماء بدور مهم، هل لكم أن تطلعونا على دور الهيئة في المرحلة الحالية؟

ـ هيئة كبار العلماء، هيئة علمية استشارية، تحوي من خيار العلماء وفضلاء المسلمين، يبحثون المسائل العلمية التي تأتيهم من ولي الأمر، وما يطرح في الساحة، وتعالج القضايا علاجا علميا، وهي هيئة علمية، تعالج قضايا الأمة على ضوء الكتاب والسنة، وقراراتها خير وواضح منهجها، وولاة الأمر وفقهم الله يشدون أزرها ويدعمونها ويرجعون إليها، وبينها وبين القيادة التعاون العظيم والارتباط القوي، أسأل الله أن يجمع القلوب على طاعته.

* هناك جدل متجدد في موضوع رؤية الهلال وإثباته بالحسابات الفلكية، هل ترون أن هذا الجدل مبرر، في ضوء ما درسته هيئة كبار العلماء قبيل شهر رمضان المبارك لهذا العام؟

ـ في القرن الأول الذي عاش فيه الصحابة وكبار التابعين، كان المسلمون على طريق واحد، يصوم كل إقليم إذا رأى الهلال، فيصوم المسلم في الشام والحجاز والعراق، وقد يكون هناك خلاف بينهم يوم أو يومان، ولم يسبب ذلك أي نزاع أو أي انقسام، وذلك على الرغم من أن علم الحساب كان موجودا، إلا أنهم لم يعتبروه، فأمر الحساب ليس خفيا، فكان الحساب موجودا حتى في الجاهلية، لكن المسلمين يعملون بقول النبي «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته».

* مفتي المملكة يهنئ المسلمين بحلول عيد الفطر المبارك

* سألت «الشرق الأوسط» المفتي الشيخ آل الشيخ ما إذا كان من نصيحة يوجهها للمسلمين في شتى بقاع العالم في نهاية اللقاء ونحن على أبواب عيد الفطر المبارك، فأجاب: أولا، أشكر لصحيفة «الشرق الأوسط» هذا اللقاء، وأرجو لها أن تكون كما علم عنها صحيفة قوية سياسية علمية، ولها دورها الفعال، وهي من الصحف السيارة التي سبقت الأحداث، مع العلم بأنه لم يمض على تأسيسها اكثر من 30 سنة، ولكنها خطت خطوات نرجو لها أن تكون منبر توجيه وخير، ونرجو من جميع صحفنا أن تكون اتجاهاتها بما يخدم العقيدة، ثم تخدم أمن هذا البلد واقتصاده وترابطه، لأن أمانة البلد ومسؤولية البلد، أمانة في أعناق الجميع، ولاسيما في وسائل الإعلام، لا بد أن تكون مسخرة في حماية العقيدة وهذا البلد والمجتمع المسلم والدفاع عنه بكل المستطاع، وأرجو أن يكون هذا العيد عيد سعادة ويمن وبركة، وأن يوفقنا فيه إلى الأعمال الصالحة، وأن نتذكر نعم الله علينا وفضله علينا، وإتمام الصيام والقيام، واجتماع الكلمة، وتوحيد الصف وهذا الخير العظيم، نرجو أن يعيده الله علينا بخير وعافية، وأن نكون دائما على عز ومن عز إلى عز أكثر من ذلك إن شاء الله، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.