سورية: اعتداء دمشق نفذه انتحاري «تكفيري» بسيارة دخلت من بلد مجاور

السلطات تفحص الحمض النووي لمنفذ العملية لمعرفة هويته > مصادر تلمح لتورط «جند الشام» أو «غرباء الشام»

سوريون يتسوقون في سوق الحميدية الشعبي بمناسبة قدوم عيد الفطر المبارك (أ. ف. ب)
TT

أعلنت سورية أن التحقيقات الأولية اظهرت أن الاعتداء الذي أوقع 17 قتيلا يوم السبت الماضي في دمشق، «عملية انتحارية نفذها ارهابي على علاقة بتنظيم تكفيري»، وأن السيارة المفخخة التي استخدمت دخلت من بلد عربي مجاور، موضحة أن التحقيقات مع الموقوفين في هذه القضية كشفت أن «الارهابي منفذ العملية على علاقة بتنظيم تكفيري.. جرى توقيف بعض افراده سابقا» بدون المزيد من التفاصيل. وتملك سورية حدودا مشتركة مع ثلاث دول عربية هي العراق والاردن ولبنان علاوة على حدود مشتركة مع تركيا واسرائيل. اما التنظيمات الاصولية الناشطة فيها فمن بينها تنظيما «جند الشام» و«غرباء الشام». وفيما قال خبير سوري بالجماعات الإسلامية لـ«الشرق الأوسط» إن التنظيم المقصود في البيان يرجح ان يكون «جند الشام» كونه التنظيم الوحيد الذي يرد ذكره في بيانات السلطات السورية حول المواجهات التي تمت مع الجماعات «التكفيرية» خلال السنوات الأربع الأخيرة، موضحا ان السلطات السورية اعلنت مثلا في يونيو (حزيران) 2005 عن مخطط ارهابي لهذا التنظيم في دمشق ومحيطها، إلا ان مصادر أصولية اخرى تحدثت لـ«الشرق الأوسط» لم تستبعد تورط تنظيم «غرباء الشام»، وهو تنظيم اصولي آخر قتل زعيمه الدكتور محمود قول اغاسي الملقب بـ«ابو القعقاع» في حلب بإطلاق النار عليه من قبل مجهولين في سيارة «بيك آب» في 29 سبتمبر (أيلول) 2007. وقد عرف «أبو القعقاع» بتسهيل ارسال «جهاديين» الى العراق. واطلق اتباع اغاسي على انفسهم «غرباء الشام» واقاموا موقعا على الانترنت تحت هذا الاسم. وقالت وكالة الأنباء السورية أمس إن التحقيقات الأولية التي أجرتها الجهات الأمنية المختصة كشفت أن «السيارة المستخدمة هي من نوع (جي إم سي ـ سوبربان) خمرية اللون ورقم لوحتها 83115 وعلى جانبيها خط ذهبي ورقم محركها هو (3 جي كي جي كي 26 يو 3 إكس 2185882) ودخلت القطر بتاريخ 26 ـ 9 ـ 2008 عن طريق مركز حدودي لدولة عربية مجاورة». ولم يذكر البيان معلومات عن هوية السيارة ولا الدولة التي أتت منها، لكن تم تداول معلومات غير مؤكدة بأن السيارة جاءت عبر الحدود العراقية، غير ان المستشار الاعلامي لقوات التحالف في العراق ومحمد العسكري المتحدث باسم وزراء الدفاع العراقية والقوات الاميركية في العراق رفضوا التعليق على الموضوع، موضحين في اتصالات مع «الشرق الأوسط» انه لا تعليق حول هذا الموضوع. ويأتي ذكر بعض الاوساط لاسم العراق مفاجئا الى حد ما، اذ ان مصادر سورية كانت قد لمحت أول من امس الى احتمال دخول اسلحة ومتفجرات الاراضي السورية عبر الحدود اللبنانية، استنادا الى عمليات تكثيف الانتشار الامني على الحدود الشمالية مع لبنان، وإلى ربط الصحف السورية الرسمية بين عملية التفجير والاجراءات الأمنية المشددة على الحدود. وأوضح البيان السوري ان التحقيقات بينت «أن إرهابيا كان يقود السيارة وقام بتفجير نفسه والسيارة ويجري حاليا التأكد من هويته من خلال فحص الحمض النووي لبقايا جثته». وأنه خلال التحقيق مع عدد من الموقوفين في قضية السيارة المفخخة (جي إم سي) كشفت عن «علاقة الإرهابي الذي قام بالعملية بجماعة تتبع لتنظيم تكفيري جرى توقيف بعض أفرادها سابقا ولا تزال التحقيقات مستمرة معهم والبحث جاريا عن متوارين». ولم يذكر البيان عدد الموقوفين أو معلومات تشير إلى جنسياتهم. وكانت السلطات السورية قد بدأت الشهر الماضي بحملة توقيفات لعدد من المهربين في المناطق الحدودية مع شمال لبنان. الى ذلك رجّح خبير سوري بالجماعات الإسلامية لـ«الشرق الأوسط» أن يكون التنظيم المقصود في البيان هو «جند الشام» كونه التنظيم الوحيد الذي يرد ذكره في بيانات السلطات السورية حول المواجهات التي تمت مع الجماعات «التكفيرية» خلال السنوات الأربع الأخيرة. وأوضح المصدر الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» شريطة عدم الكشف عن هويته أنه منذ يونيو (حزيران) عام 2005 نقل تقرير لوكالة الأنباء السورية عن مصدر رسمي سوري قوله آنذاك «إن ثلاثة أشخاص قتلوا، هم رجل أمن وإرهابيان، أثناء عملية مداهمة مجموعة متشددة تطلق على نفسها اسم تنظيم جند الشام للجهاد والتوحيد، في دمشق، ووضع خطة للقيام بتفجيرات واعتداءات على مصالح مختلفة داخل دمشق وريفها». وحينها أيضا كتبت جريدة «الثورة» السورية في تعليقها على هذه الحادثة أن «جند الشام للدعوة والجهاد»: «تنظيم إرهابي دموي يمارس أخطر أنواع الإجرام»، وأن أخطر ما فيه «قناعته بالجريمة الإرهابية الخطيرة كأسلوب له لتحقيق برنامج تخريبي لا تقف حدوده عند سورية التي قسموها إلى مناطق خمس يسمون كلا منها إمارة إسلامية لها أميرها وهيكلها التنظيمي الكامل». وقالت الصحيفة ساعتها «إن للتنظيم برنامجا يطول لبنان والأردن والعراق ومصر ودول أخرى». كما ورد ذكر لهذا التنظيم في اغسطس (آب) عام 2005 عندما أعلن رسميا عن قتل أربعة من أفراد دورية للشرطة السورية في اشتباك مع عناصر في «تنظيم جند الشام للجهاد والتوحيد» في منطقة مضايا (40 كلم شمال غربي دمشق) بالقرب من وزارة الدفاع السورية. وكذلك في سبتمبر (أيلول) عام 2005 لدى قتل قوات الأمن السورية خمسة من عناصر الجماعة في محافظة حماه. ولدى الإعلان عن تفكيك شبكة للجماعة في مدينة حلب. ولفت الخبير إلى أنه عند إحباط الهجوم على السفارة الأميركية في دمشق سبتمبر 2006 تمت الاشارة ايضا إلى ضلوع «جند الشام» في الهجوم. وأشار الخبير السوري الى أنه في المواجهات التي سبقتها في يونيو 2006 والتي جرت في محيط مبنى التلفزيون السوري وإحباط هجوم أسفر عن مقتل أربعة، فقد عثر على أشرطة مدمجة لخطب دينية لجماعة باسم «غرباء الشام». يذكر ان زعيم «غرباء الشام» هو «ابو القعقاع» وكان يرسل سوريين الى العراق، بحسب ما أكدت عدة مصادر اصولية. وأوضح الخبير بالجماعات الإسلامية أن لا توجد حتى الآن معلومات مؤكدة عن «جند الشام»، من حيث جنسيات أعضائها وأعدادهم وأهدافها، ولكنها جماعة كما يتضح من البيانات التي تصدرها لها امتدادات في لبنان وسورية والعراق، متوقفا عند ملاحظة «أن جماعة تفخخ بـ200 كيلوغرام من المتفجرات في سيارة تعبر الحدود لا بد أنها جماعة تتلقى دعما خارجيا، خاصة أن سورية منذ الثمانيات عملت على استئصال الجماعات الإسلامية من الداخل، إلا أن الظروف الإقليمية المتوترة منذ عام 2004، أعادت تصدير هذه الجماعات إليها، والتي تخوض معها السلطات السورية معركة دائمة لا يعلن إلا عن بعض وقائعها وليس كلها، فهناك حملات اعتقال تتم بين آونة وأخرى لا يعلن عنها». ومن الملاحظات البارزة التي توقف عندها الخبير هي سرعة التعاطي الإعلامي الرسمي مع الحدث، إذ تم كشف نتائج التحقيق الأولية خلال يومين، وهو أمر لم يحدث خلال التعاطي مع عملية اغتيال القيادي العسكري في حزب الله عماد مغنية، واغتيال العميد محمد سليمان، ما فسره الخبير بأن «السلطات السورية لديها مؤشرات عن تحرك الجماعات الإسلامية». وفي هذا السياق ذكر الخبير بالتحذير الذي أطلقه الرئيس السوري بشار الأسد خلال اجتماع القمة الرباعية الشهر الماضي بين قطر وفرنسا وتركيا وسورية من الجماعات التكفيرية في طرابلس وخطرها على الأمن والاستقرار. وأدت العملية الى مقتل 17 شخصا وجرح أكثر من 14 آخرين، بينهم أطفال ونساء، فيما أشارت مصادر مطلعة الى أن عدد الجرحى هو ضعف العدد المذكور، إذ أن كثيرا من السكان في محيط موقع التفجير أصيبوا في منازلهم جراء تحطم زجاج النوافذ. وكان بين القتلى عميد الركن المتقاعد جورج غربي من مواليد ريف محافظة حمص، وكان متوقفا بسيارته عند إشارة المرور مقابل المركز الأمني في منطقة «سيدي مقداد»، عند وقوع الانفجار فأودى بحياته وحياة ابنه الوحيد الذي كان معه في السيارة واثنين من رفاقه. وفي السياق ذاته ذكر الموقع الإخباري السوري «كلنا شركاء» في نشرته أمس أنه «خلافاً لما أوردته المصادر الإعلامية الرسمية يبدو أن السيارة المفخخة كانت موجودة بجوار فرع أمني (فرع الدوريات، وبجواره فرع فلسطين)، أي على جهة الإياب من طريق مطار دمشق الدولي، وليس على الجهة المقابلة كما قالت جهات إعلامية رسمية. وقد بدا واضحاً أن سور المركز الأمني قد تهدم بحدود 8 أمتار طولا وتم على الفور إشادة سور بديل ومحصن بالإسمنت».

وجاء الهجوم في دمشق بعد عمليات كشفت عن فجوات وتوترات امنية في سورية. ففي اغسطس (آب) اغتيل اللواء محمد سليمان المستشار الامني للرئيس السوري بشار الأسد ومسؤول عمليات تسليح الجيش السوري، بحسب ما قالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» في منزله في مدينة «طرطوس» الساحلية برصاص قناص من البحر. وظلت سورية متكتمة على الخبر لأيام، حتى أكدته رسميا بعد الاغتيال بنحو اسبوع، إلا انها لم تذكر اي خلفيات متعلقة بالعملية ولا دوافعها ولا من ورائها. وفيما لم تعلن دمشق منذ ذلك الحين وحتى الان اي نتائج متعلقة بالتحقيقات، قال مدير وكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي ان تحقيقات الوكالة حول مفاعل «دير الزور» السوري الذي قصفته اسرائيل بعد معلومات استخباراتية مفادها ان دمشق تطور برنامجا نوويا سريا، قد تعطلت. وأوضح البرادعي الاسبوع الماضي في تصريحات نقلتها وكالتا رويترز واسوشيتدبرس على هامش اجتماعات مجلس أمناء وكالة الطاقة الذرية أن سبب تعطل تحقيقات الوكالة هو اغتيال المسؤول السوري الذي كان يرافق مفتشي وكالة الطاقة في سورية. وفيما لم يذكر البرادعي اسم محمد سليمان، إلا ان مصدرا من الوكالة قال ان البرادعي كان يشير الى سليمان. وكانت مصادر اسرائيلية قد أشارت الى ان سليمان سافر عددا من المرات الى كوريا الشمالية في اطار مساعي سورية لبناء مفاعل نووي. وقبل ذلك وفي 12 فبراير (شباط) قتل عماد مغنية المسؤول الكبير في حزب الله اللبناني في انفجار سيارته في دمشق. ولم تعلن اي جهة مسؤوليتها عن الحادث، إلا ان سورية لمّحت الى تورط اسرائيل في اغتيال مغنية. ولم تعلن حتى الان عن اي نتائج متعلقة بالتحقيقات. وفي يوليو (تموز) قمعت السلطات اضطرابات في سجن صيدنايا العسكري احد اكبر سجون سورية، وقالت دمشق حينها ان «عددا من المساجين المحكومين بجرائم التطرف والارهاب اقدموا على اثارة الفوضى والاخلال بالنظام العام في السجن (40 كلم شمال دمشق) واعتدوا على زملائهم»، في حين قالت منظمة غير حكومية ان عملية قمع الشغب في سجن صيدنايا اوقعت 25 قتيلا.