تفجير طرابلس: الإسلاميون يعتبرونه مقدمة لضرب وجودهم وأهالي المدينة يتخوفون من الأسوأ

40 طفلا نجوا وأصوات استغاثات الضحايا كانت مريعة

TT

كانت ماريا صاحبة محل المفروشات القريب من مكان الانفجار الذي روّع طرابلس صباح أمس، ماتزال تبكي عند الظهيرة وهي تتذكر كيف اهتز المبنى بساكنيه ودوى صوت هائل عند الساعة السابعة و35 دقيقة، ثم بدأ صوت أنين الجرحى يعلو من الباص المستهدف والسيارات المتضررة القريبة منه، فيما النيران تشتعل بأجسادهم والناس يهرعون لتخليصهم. وتحدث السكان عن حالة هلع شديدة أصابتهم بسبب خروج اولادهم في هذا الوقت المبكر للذهاب إلى المدارس. ووقع الانفجار على مدخل رئيسي لطرابلس في مكان حساس، المباني فيه قليلة وكذلك المارة، لكنه تقاطع لا بد منه للسيارات الكثيرة الذاهبة إلى بيروت والعائدة منها، كما انها نقطة عبور أساسية لباصات المدارس الخاصة والجامعات التي تم نقلها خارج طرابلس أثناء الحرب الأهلية حماية للأولاد من الاضطرابات التي كانت تسود المدينة. وعاش أهالي التلاميذ ساعات مرعبة قبل الاطمئنان على أولادهم الذين شهد بعضهم الانفجار بأم العين بسبب مصادفة مروره في المكان. ويحكي «سدير» وهو تلميذ في العاشرة كان في باص المدرسة حين وقع الانفجار امامه، انه كان يجلس في المقدمة ويتابع بعينيه باصاً صغيراً أبيض يسير أمامهم وما ان انحرف الباص يميناً حتى دوى الانفجار وصعد دخان أبيض. ويكمل التلميذ في مدرسة الليسيه الفرنسية: «بدأنا نصرخ. ارتبك سائق باصنا ولم يعد يعرف ما يفعل بنا. كنا حوالي الأربعين، البعض لم يفهم ما حصل لأنهم كانوا يسمعون الموسيقى على الـ إم.بي.3 حاول السائق ان يلتف بنا من طريق فرعية كانت على يميننا، لكننا كنا في كل مرة نجد الطرق مغلقة، ولم نتمكن من الوصول إلى المدرسة إلا بعد محاولات طويلة من طرق التفافية كثيرة». وجدير بالذكر أن حاجزاً ثابتاً للجيش يتواجد قريباً من المكان، مما يفسر الطوق الأمني الذي ضرب بسرعة حول الانفجار. وعاشت طرابلس وجوماً كبيراً قبل العيد بيوم واحد، بعد أن كانت أجواء انفراجات كبيرة قد سادتها إثر المصالحة التي تمت بين الطائفتين العلوية والسنية بوجود غالبية الفئات الممثلة للمدينة وبحضور رئيس الوزراء فؤاد السنيورة والنائب سعد الحريري. ويرى الأهالي في الانفجار الذي دوى أمس مؤشراً مرعباً جداً، خاصة انه يأتي بعد انفجار مماثل استهدف الجيش أيضاً والمدينة في 15 أغسطس الماضي، وهو شبيه جداً بالذي نفذ بالأمس. ويتحدث سكان طرابلس عن مخاوف كبيرة من تكرار هذه الانفجارات، التي لا تراعي عيداً أو اكتظاظاً للمدنيين أو حتى تلاميذ صغارا. وكان لافتا مسارعة التيارات الإسلامية لإعلان إدانتها للانفجار وأصدر الشيخ السلفي المعروف داعي الإسلام الشهال بياناً بعد وقوع الانفجار مباشرة، يدين فيه التفجير ويعتبره «عملاً مشبوهاً لإيجاد شرخ بين الطائفة السنية والمؤسسة العسكرية»، ويحذر من خطورة التسرع في إطلاق التهم الجاهزة والتجني والافتراء واستغلال حادثة التفجير المؤسفة لتشويه صورة الحركات الإسلامية والتيار السلفي، وهذا أمر باطل، معتبراً أن «الحركات الإسلامية وعلى رأسها التيار السلفي ليس من أدبياتها ولا من سلوكها ولا من قناعاتها هذه الأعمال المستنكرة». وطالب البيان «بمصالحة كاملة شاملة تحصن الساحة الداخلية». ويأتي هذا البيان نتيجة إحساس الحركات الإسلامية في طرابلس ان هذا الانفجار يستهدفها بشكل أساسي، و«انه واحدة من الذرائع التي باتت تستخدم للانقضاض على هذه الحركات بعد ان قوي عودها وباتت مسلحة وتخيف الكثيرين» بحسب مصدر إسلامي رفض الكشف عن اسمه. ولا يستغرب المصدر «ان يكون انفجار دمشق الذي وقع منذ يومين هو فعل إسلاميين متطرفين فهؤلاء موجودن ايضاً، فالخريطة باتت ضبابية إلى حد بعيد والمصالح تتشابك وتتغير بوتيرة سريعة. فمن فجّر في السعودية وأوروبا ومصر والأردن لا يردعه شيء ان يفجر في سورية».

ويتحدث الإسلاميون في طرابلس عن ان الخوف منهم ليس سببه السلاح فقط الذي انتشر بينهم كما هو موجود في أيدي الآخرين، ولكن من العصبية السنية ايضاً التي اشتدت بقوة في السنة الأخيرة. وتجربة فتح الإسلام أقنعت الآخرين ان الشرذمة بين هذه المجموعات سرعان ما تتلاشى حين تكون هناك حالة قتالية او هدف يتوحدون حوله، وهو ما يبرر حملة الاستنفار التي تحاك ضد الجماعات الإسلامية، والانفجارات التي تريد توريطهم. لكن ابن طرابلس والنائب عن تيار المستقبل مصطفى علوش لا يوافق بعض الإسلاميين رؤيتهم الاتهامية لتياره وأحزاب أخرى لبنانية بات ينظر اليها بعين الشك وانها تريد التخلص منهم أو على الأقل غض الطرف عمن يريد ضربهم. ولا يتهم علوش الإسلاميين بالانفجار بل يعتبرهم ضحيته ويقول «ان سورية ان لم تكن وراء الانفجار، فهي على الأقل مستفيدة منه. هناك محاولة منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لإلقاء الاتهام بالتفجيرات المتواصلة على الحركات السلفية، وجعلها كأنها معادلة للإرهاب، مع ان كل التيارات الإسلامية الرسمية في لبنان اعلنت التزامها بالدولة، اما المجموعات الإرهابية التي نجدها اينما كان فهذه مسألة لا علاقة لها بالسلفية الرسمية». ويستطرد علوش: «الإصرار على وضع الشمال اللبناني في خانة الأصولية الجهادية مسألة تثير الشك. منذ قليل فقط تحدث الرئيس السوري بشار الأسد عن ان سورية ستدافع عن مصالحها حين يقتضي الأمر. وهناك تلميحات إلى أن انفجار دمشق قام به تكفيري دخل من دولة عربية مجاورة. ونرى في كل هذا حلقة متصلة للعودة إلى لبنان والهيمنة عليه».

لكن هذا الكلام لتيار المستقبل لا يطمئن الإسلاميين بالضرورة، ويصر الشيخ السلفي عبد الغفار الزعبي، منسق «جمعية وقف التراث» التي كانت طرفاً في الاتفاقية التي وقعت وعلقت بين السلفيين وحزب الله، على ان طرابلس تدخل نفقاً صعباً وان ما يدبر للإسلاميين فيها سيكون اقوى من فئات عديدة تعتبر السلفيين اليوم ضحية. ويقول الزعبي: «أخشى ما أخشاه ان يتم تسريع وتيرة الحوادث الأمنية والتفجيرات في طرابلس وربما في سورية أيضاً للتسريع في مخطط ضرب الأصولية الإسلامية في طرابلس، فنحن نعرف ان ثمة تقاطع مصالح يقضي بذلك. فالمسيحيون في لبنان وكذلك الأميركيون والأوروبيون معهم والسوريون كذلك كلهم لا يريحهم الوضع القائم في شمال لبنان». ويضيف الزعبي: «طرابلس تشكل ثقلاً حركياً إسلامياً، يهدد بأن يصبح منفذاً لدخول القاعدة إلى لبنان، هذا لن يرضي اي طرف بما في ذلك حزب الله أو حتى إسرائيل والدول المتوسطية كلها القريبة منا. كان بوش يتكلم عن إرهابيين صار اليوم في تصريحاته يتكلم عن إسلاميين».

نامت طرابلس أول من أمس على ليلة عيد هانئة حيث اكتظت الأسواق حتى وقت متأخر جداً بالمحتفلين والمتبضعين، واستفاقت على تفجير وكلام من مختلف الأطراف السياسية يختلف حول أشياء كثيرة، لكن ثمة إجماعاً على ان ما يحدث من تفجير هو أول الغيث وان المعركة باتت مفتوحة.