العقال في العراق .. يعتبر صانع الرجال ورمز الانتماء القبلي

تصاميم سعودية في شمال وغرب البلاد وكويتية أو إماراتية في جنوبه ووسطه

صاحب مشغل في النجف يضع اللمسات الأخيرة على عقال
TT

في العراق، من الممكن ألا تعرف رجلاً ما لم تكن تعلم العقال الذي يرتديه. وفي بلد متنوع طائفيا يظل العقال العلامة الموضحة للانتماء القبلي غير الملحوظ الذي يتقاسمه العراقيون فيما بينهم: وتنتشر تلك السمة الثقافية المميزة من بغداد شمالاً إلى الموصل وجنوب البصرة. ويشير لون العقال وسُمكه والمادة المصنوع منها والعُقد الموجودة فيه وعدد طبقاته ـ سواء كانت حلقة واحدة أو أربع حلقات على سبيل المثال ـ إلى المنطقة التي ينتمي إليها الفرد وطبقته الاجتماعية. واللون الشائع في العقال هو الأسود، وغالبًا ما يكون منسوجًا من شعر الإبل، إلا أن له أشكالا أخرى، حيث يوجد البني والأبيض منه، كما تتنوع درجات نعومته أو خشونته على أساس المادة المصنوع منها، ودرجة الإحكام أو الشد أثناء نسجه. وهناك تصميمات من العقال التي يرتديها شيوخ القبائل، والتي لا يجرؤ الرجل العادي على ارتدائها، كما أنه لا يمكن أيضًا الحصول عليها نظرًا لبلوغ سعرها إلى حد 10 آلاف دولار.

فعلى سبيل المثال، نادراً ما ترى شخصاً يرتدي عقالا أبيض أو عقالا آخر ذا شكل مميز إلا إذا كان شيخًا. وكان الملك فيصل أول من ارتدى عقالاً متعدد الطبقات، فقد ارتدى عقالاً من أربع طبقات مشدودة إلى بعضها البعض ومنسوجة بإحكام، والذي يبدو في شكله النهائي كتاج ملكي على شكل عقال. وبالنسبة لمن يرتدون العقال ويعتبرونه جزءًا أساسيًا من ردائهم اليومي ـ بداية من الفلاحين حتى الملوك ـ فإن تاريخ العقال يعتبر آسرًا للانتباه نظرًا إلى لما يحويه هذا التاريخ من قصص تراجيدية. فالبعض يقولون إن العقال نشأ عند انهيار الحكم الإسلامي في الأندلس، بينما تقول حكاية أخرى إن الخليفة أمر الرجال بارتداء عقالاً أسود في حالات الحداد. وتقول رواية أخرى إن النساء الغاضبات كن ينتزعن شعورهن ويقذفن بها الرجال لإظهار سخطهن من عدم قدرة الرجال على حماية الدين وكان الرجال يطوقون بعد ذلك خصلات الشعر الأسود حول رؤوسهم كتعبير عن الخزي والأسى. وفي هذه الأيام، أخذ العقال بعدًا سياسيًا، ففي محافظة الأنبار يطالب بعض الشيوخ بعدم ارتداء العقال، طالما أن الجنود الأميركيين موجودون بالعراق. ويشيرون إلى أنه بمجرد رحيل القوات واستعادة الكرامة، فإن بإمكانهم ارتداء العقال مرة أخرى. ويقول عباس أبوعادل، 42 عامًا، ويبيع العقالات في محل لملابس الرجال: «مازال العقال يمثل الكبرياء والكرامة لمن يرتدونه. وإذا ما سقط العقال، فهذا يعني أن قيمهم قد هوت». وفي الناصرية يبلغ سُمك العقال ربع بوصة، لكنه أقل سمكًا في الديوانية، أما في الموصل فيقول الخبراء إن العقال ينسج من صوف الماعز الناعم اللامع، وفي غرب العراق يُفضل البدو العقال المصنوعة من شعر الابل. ومعظم العقال الموجود في العراق مصنوع يدويًا.

وتصاميم العقال في جنوب العراق مستوحاة من الموضات في الكويت والإمارات، أما في شمال وغرب العراق فانها مستوحاة من العقال السعودي.

وفي مدينة النجف يجلس كبار السن من الرجال في حوانيت صغيرة حول ضريح الإمام علي ينسجون الصوف بعناية بالغة لصناعة العقالات، وقد أطلق على أحد مداخل المدينة اسمهم، فسمي ببوابة العقال. ويتباهى محمد عبد الرضا، 54 عامًا، وهو جالس في حانوته، أن العقال ورد ذكره في أحاديث النبي محمد، وقال وهو قابع وسط أكوام الخيوط «العقال جزء من شخصية الرجل». ويأخذ ستار جبار، 45 عامًا، وهو من البصرة بطرف الحديث، فيقول بنبرة حماسية إنه يشعر بأنه عار ما لم يكن مرتديًا العقال. وأضاف «ذهبت في إحدى المرات إلى عمان، ولم أكن مرتديًا للعقال، فاكتشفت كأنني مختلف، فقد شعرت كأنني فقدت بعضًا من ثقتي بنفسي عند حديثي مع الآخرين». وأشار جابر إلى أنه عندما عاد إلى المنزل قال استقبلت أولادي بالقول يجب ألا يراني أحد بدون عقالي.

وعلى الرغم من أن العقال رمز للتقاليد فإن مرتديه يرون أنهم يتعرضون للتمييز في المدن على أيدي سكان الحضر الذين ينظرون إليهم على أنهم ريفيون. ويقول نوري أبوعلي المدرس بالبصرة والذي لا يزال غاضبًا من سخرية أبناء بغداد منه قبل سقوط صدام حسين، فقد حاول ذلك الروائي الطموح لسنوات نشر كتاب له لكن وزارة الثقافة التي اقتنعت بالقصة رفضت الاعتراف بجودتها لأن صاحبها كان مرتديًا لملابس قبلية. وفي نهاية الأمر قام مستشار للوزارة بتأمين طبع الكتاب بعد أن اتهم الموظفين بالتمييز ضده، فقال «أخبرتهم أن المشكلة هي أنني أرتدي العقال وأنني آتي من البصرة لمتابعة روايتي ودائمًا ما أجد ردًا سلبيًا» ولا يزال نوري يحمل في داخله قدرًا كبيرًا من الاستياء. ويضيف نوري «يُنظر إلى مرتدي العقال في المدن الكبرى مثل بغداد على أنهم غير متعلمين». ويقول الشيخ كريم خفاجي زعيم إحدى القبائل في البصرة ردًا على الأشخاص الذين يسخرون من الزي القبلي «ليس كل من يرتدي رباطة عنق متعلما».

* خدمة: «لوس انجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»