قوات مصرية وسودانية تحرر الرهائن في منطقة العوينات.. وتعيدهم للقاهرة سالمين

تضارب المعلومات حول هوية الخاطفين وعدد من قتل منهم

TT

قالت مصادر مصرية أمنية أمس إن قوات مصرية تتكون من نحو 150 نفرا وبعض أفراد من الجيش السوداني، إضافة لتعاون استخباراتي مع الجانبين الألماني والإيطالي، نجحوا في تحرير 19 رهينة من سياح أوروبيين ومرافقيهم المصريين الذين اختطفوا من منطقة العوينات جنوب غرب مصر منذ 10 ايام. وأضافت المصادر أن تحرير الرهائن جرى بعد مراقبة مكثفة لتحركات الخاطفين في اليومين الأخيرين، وكان يتوجب تضييق الخناق عليهم، و«العملية تمت بنجاح في وقت مبكر من صباح أمس، وحوالي 17 من الخاطفين لقوا حتفهم». لكن مصادر أخرى قالت إن عدد الخاطفين الذين قتلوا أقل من ذلك بكثير دون مزيد من إيضاحات عن هويتهم. وقالت مصادر أمنية في منطقة العوينات جنوب غرب البلاد في لقاءات أجرتها «الشرق الأوسط» إن عملية تحرير الرهائن تمت بعد محاولة الخاطفين الهروب، إما بأموال الفدية التي طلبوا الحصول عليها قبل إطلاق الرهائن، أو بسبب تعرض 6 منهم للقتل على أيدي القوات السودانية يوم الأحد الماضي. من جانبه أبلغ مسؤولون بشركة «إيجبتوس»، وهي الشركة التي تعرضت رحلتها (السفاري) للاختطاف، أدلاءَ رافقتهم «الشرق الأوسط» في منطقة العوينات التي وقع بها الاختطاف، إن عناصر أمنية مصرية وسودانية، قاموا بالفعل بإيصال أموال الفدية وقدرها 6 ملايين يورو (نحو 8.7 مليون دولار)، إلى الخاطفين، من أجل إطلاق الرهائن، الذين كان من بينهم مدير الشركة ذاته، إبراهيم الصابر، وذلك بعد الحصول على الأموال من الحكومة الألمانية. وأضافت المصادر أن تلك القوات حاصرت الخاطفين بعد ذلك، ونجحت في اعتقالهم واسترداد الأموال منهم. لكن مصادر أخرى في القاهرة أشارت أمس إلى أن الخاطفين تركوا الرهائن في منطقة جبلية قرب الحدود السودانية التشادية، وفروا إلى الجنوب، بعد أن هاجمتهم القوات السودانية وقتلت عدداً منهم يوم الأحد الماضي، مشيراً إلى أن العملية السودانية كان لها دور كبير في الوصول إلى الرهائن الليلة قبل الماضية وحمايتهم والعودة بهم في نهاية المطاف. وخلال افتتاح الرئيس المصري حسني مبارك لمحطة مياه الشرب بمدينة مطوبس بكفر الشيخ أمس أبلغه وزير الدفاع والإنتاج الحربي المصري، المشير حسين طنطاوي، بخبر تحرير الرهائن. وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط إن الرئيس المصري استفسر عن صحتهم كما استفسر عن الخاطفين. وقالت مصادر موثوقة لـ«الشرق الأوسط» إن قوات خاصة مصرية هي التي حررت السياح الـ11 والمصريين المرافقين لهم من أيدي خاطفيهم الذين يصل عددهم لنحو 35 شخصاً وإن جثث من قتل منهم وكذلك من اعتقل موجودة بحوزة السلطات السودانية، بدون أن تفصح عن هويتهم.

ولوَّح عدد من السياح الأجانب، وهم 5 ألمان و5 إيطاليين، وروماني، بأيديهم وهم يهبطون من طائرة حربية مصرية حطت بمطار ألماظة شرق القاهرة، إذ كان في استقبالهم وفد من وزارة الدفاع المصرية والسفيران الألماني والايطالي إضافة إلى وزير السياحة المصري زهير جرانة، الذي قدم لهم باقة من الزهور. ونقل الرهائن، فور هبوطهم، إلى مستشفى القوات المسلحة بضاحية المعادي بطائرتين هليكوبتر تابعتين للقوات المسلحة المصرية.

وقال «جرانة» في تصريحات له أمس إن جميع المختطفين وصلوا بسلام، ولا توجد أية إصابات بينهم، وأنهم نقلوا جميعا إلى مستشفى المعادي. وفي ما يتعلق بتفاصيل عملية تحرير الرهائن قال إنه لا يعلم بها، وأضاف: «تلك التفاصيل تختص بها الجهات الأمنية التي قامت بالعملية»، غير أنه أردف قائلاً إنه لم يتم دفع أية فدية للخاطفين.

وحول ما إذا كان السياح سيستكملون برنامج رحلتهم بمصر أم أنهم سيعودون لبلادهم، قال «جرانة» إن السياح الأجانب لهم مطلق الحرية في السفر أو استمرار وجودهم في مصر، مشيراً في ما يتعلق بوضع رحلات السفاري في الصحاري المصرية، وبخاصة قرب المناطق الحدودية، إن «هناك إجراءات سيتم بحثها في وزارة السياحة لضمان عدم تكرار ما حدث في المستقبل».

وبينما كان يواصل الإعداد لرحلات سفاري جديدة جنوب غرب البلاد، قال أشرف عزيز مدير السفاري بشركة إيجبتوس، إن السياح الأجانب سيعودون لبلادهم بعد أن تستمع الجهات المصرية المعنية لأقوالهم حول واقعة الاختطاف، مشيراً إلى أنه يحاول الاتصال من هاتفه بمدير الشركة المُحرر بدون جدوى حتى مساء أمس. وكان «عزيز» يتابع الموقف مع الشركة بالهاتف وهو يتحدث من منطقة الواحات البحرية المتاخمة لبحر الرمال قرب العوينات، وقال: «الشركة ستستأنف عملها في تنظيم رحلات السفاري كالمعتاد، وليست لدينا مشكلة.. لو لم يكن رواد شركتنا هم الذين تعرضوا للاختطاف لكان قد تعرض له رواد أية شركة سفاري أخرى بتلك المنطقة». والتقت «الشرق الأوسط» فجر أمس بمدير شركة آبل لرحلات السفاري في منطقة الرمال البيضاء قرب العوينات، المهندس عادل، الذي قال إنه عاد لتوه مع مجموعة سياحية وصلت إلى تخوم منطقة الجلف التي شهدت واقعة الاختطاف، وإنه فضل العودة من هناك حتى لا يتعرض لأية مشاكل مماثلة لتلك التي تعرضت لها إيجبتوس، وأضاف: «لا ينبغي التوغل في منطقة الحدود السودانية تجنباً لتكرار حوادث الاختطاف»، مشيراً إلى أن الرهائن المحررين يبدو أنهم وصلوا إلى مكان به رسومات على الصخور تعود لما قبل التاريخ ولا يبعد عن الحدود السودانية المصرية إلا مسافة كيلومترين. واستقبل ذوو الرهائن المحررين وأصدقاؤهم خبر وصولهم مصر، بالبهجة والارتياح. كما تبادل العشرات من منظمي رحلات السفاري في كل من القاهرة والواحات (جنوب غرب) التهاني وإطلاق نفير سيارات الدفع الرباعي التي يستخدمونها في رحلاتهم. وقال موسى رجب سعيد، شقيق السائق المحرر إن بيتهم كله، بقرية الحوز بالواحات البحرية، يضج بالزغاريد والفرح، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «فور وصول عبد الرحيم سننحر خروفين، أنا لدي خروف، وسأشتري خروفا آخر من السوق، الحمد لله على عودته سالما».

وفي شارع الباويطي، عاصمة محافظة الواحات البحرية (360 كيلومترا جنوب غرب القاهرة) أطلق سائقون لسيارات الدفع الرباعي أبواق سياراتهم وهم يجوبون شوارع المدينة الصغيرة ابتهاجاً بتحرير الرهائن، في ما تجمع عشرات الأدلاء لذلك النوع من الرحلات الصحراوية في مقاهي المدينة، لفتح زجاجات المياه الغازية على شرف نبأ تحرير الرهائن، إذ كان العديد من العاملين في تلك الرحلات قد قاموا بإلغائها عقب نبأ الاختطاف، واستبدالها برحلات قصيرة لتخوم رملية مجاورة، أقل كلفة واقل ربحاً. وأصبح النشاط الاقتصادي للعديد من سكان الواحات جنوب غرب مصر يعتمد على العائدات من رحلات السفاري التي عرفت طريقها إلى تلك المنطقة ذات الطبيعة الصحراوية الخاصة وما فيها من آثار تعود لآلاف السنين، منذ عام 1998.

وقال صابر الفرجاني، وهو دليل سياحي بشركة آبل للسفاري: «خبر تحرير الرهائن يجعل الفرحة بعيد الفطر فرحتين». وأضاف مهيدي فوزي، وهو دليل ومحدد مواقع على الأرض بواسطة الأقمار الصناعية: «حان وقت العمل»، بعد أن كان قد أرجأ مرافقة عدة رحلات سفاري إلى الجنوب الغربي على الحدود المصرية السودانية.

وفي الخرطوم اعلنت وزارة الخارجية السودانية رسمياً عن اطلاق سراح السياح وكشفت عن تحريرهم بواسطة القوات الخاصة المصرية من داخل الاراضي التشادية، في وقت نفى فيه وزير الاعلام التشادي الناطق باسم الحكومة محمد حسين لـ«الشرق الأوسط» وجود الرهائن في اراضي بلاده قبل وبعد تحريرهم، وابدى استغرابه لاقحام تشاد في تلك الحادثة، متهماً دولاً لم يسمها بالعمل على اقحام بلاده في القضية، وشدد ان بلاده تدين عمليات الاختطاف اياً كانت ولا تتعامل مع مثل تلك الجرائم.

وقال السفير بالخارجية السودانية علي يوسف ان بعض الخاطفين تشاديون وان جزءا منهم سودانيون، وأضاف ان الوثائق التي ضبطت بحوزتهم تشير إلى انتمائهم لحركة تحرير السودان بدون تأكيد لتبعيتهم لجناح محدد، مؤكداً مقتل قائد العملية واسمه بخيت (تشادي) اول من امس على ايدي القوات السودانية، وابان ان التقديرات اوضحت ان عدد الخاطفين 30 على الاقل. واشار السفير الى ان اسهام غرفة العمليات التي تم تشكيلها منذ بداية الازمة في توفير المعلومات وانسيابها بصورة مستمرة بين الاجهزة الامنية في السودان ومصر بجانب الاتصالات التي تمت مع دول الرهائن.

واعتبر يوسف ان عملية التحرير بدأت امس بواسطة القوات المسلحة السودانية بنسبة (100%)، وقال إن القوات الخاصة المصرية واصلت العملية التي تمت امس داخل مكمن الخاطفين بالأراضي التشادية.

وقال مصدر ان عناصر من المخابرات الالمانية والايطالية والرومانية كانت في موقع العملية، وأضاف أن قوات مصرية قامت بعملية تحرير الرهائن بمرافقة بعض الأفراد من الجيش السوداني والمخابرات السودانية، وقال ان القوات المصرية نصبت عدة كمائن للخاطفين وهاجمتهم حوالي الساعة السادسة صباحا. من جهتها ابدت حركة جيش تحرير السودان استغرابها من البيان العسكري الذي وقعه الناطق باسم الجيش السوداني امس واعتبرته متناقضا. واكدت الحركة في بيان لها بتوقيع ناطقها الرسمي محجوب حسين تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه ادانتها لما وصفته بالعمل الارهابي، وان لا علاقة لها الى جانب الحركات الاخرى وشعب دارفور به. وقال البيان ان الحركة تنفي بيان الجيش السوداني في انه قام بالاشتباك مع العصابة في منطقة (تب الشجرة) على الحدود التشادية، واضاف «علماً بان هذه المنطقة قاحلة ولا تقع على الحدود التشادية كما ذكر بيان الجيش السوداني وانما في عمق الصحراء ولم تشهد تلك المنطقة اية اشتباكات بين اية قوة حكومية والخاطفين».