الحرم الإبراهيمي.. قلعة محصنة بالجنود والبوابات الإلكترونية

زواره قلة يفضلون البقاء داخله طوال اليوم على تحمل معاناة الدخول في كل صلاة

TT

المرور الى الحرم الابراهيمي، في الخليل، جنوب الضفة الغربية، يشبه المرور عبر الحدود او المطارات الاسرائيلية. وبعد 14 عاما من المجزرة التي نفذها المستوطن المتطرف، باروخ غولدشتاين، في 15 رمضان 1994، وراح ضحيتها 29 مصليا، يبدو الحرم الابراهيمي اليوم قلعة محصنة موصدة الابواب يعتليها ويحيط بها الجنود المدججون بالسلاح من كل صوب. وفقط عبر بوابة واحدة يحرسها الجيش الاسرائيلي يمكن للمصلين المسلمين دخول الحرم، لكن ليس قبل ان يتعرضوا للتفتيش الالكتروني مرتين، ويضطرون للمرور عبر 3 بوابات دوارة يتحكم بها الجنود العابسون، من بعد. أهالي الخليل حاولوا ان يكثفوا من زيارة المسجد في رمضان، إلا ان الاجراءات الاسرائيلية جعلت زواره بالعشرات فقط.

قبل وصولنا الى المسجد الابراهيمي، الذي تحيط به البؤر الاستيطانية، كان علينا ان نمر بالشارع الوحيد الذي لم يغلقه الاسرائيليون في البلدة القديمة. بدا الشارع موحشا وخاليا إلا من بعض المارة وبعض اصحاب المحلات الذين فضلوا البقاء.

نصحنا زملاء صحافيون من الخليل، وتجار، بان نترك الحقائب واجهزة التسجيل خارج بوابة الحرم، حتى لا يعطل الجنود دخولنا ويخضعونا للمساءلة وقتا طويلا. تدقق الشرطة الاسرائيلية في هيئة العابرين الى الحرم، قبل ان تسمح لهم بالمرور من تحت اول بوابة فحص الكتروني. طلبوا منا ان نخلع الساعات والاحزمة والهواتف، واذا لزم الامر الاحذية، حتى نمر عبر البوابة، الى ممر ضيق، ومن ثم الى بوابة حديدية دوارة، لا يمكن الا لشخص واحد في كل مرة ان يعبرها، تقود الى ممر اخر ضيق محاط بالاسلاك الشائكة، وبوابة دوارة ثانية، قبل ان يلاقيك الجنود الاسرائيليون الذين يراقبون كل ذلك، وبحسب اهوائهم، قد يسمحون لك بالمرور او الانتظار لحين التدقيق في هويتك. دخلنا الى ساحات الحرم الخارجية، لكن الدخول الى المسجد كان يحتاج الى اجراءات مماثلة. قال لنا الشرطي الاسرائيلي ان علينا ان نسلك طريقا ضيقا لولبيا، قبل ان نصل من جديد الى بوابة فحص الكتروني، وكان علينا ان نخلع مرة اخرى كل ما يحتوي على معدن.

كان الجنود، على البوابة الرئيسية للمسجد، يعنفون أحد المسؤولين في الحرم، ويمنعونه من الدخول بدون ان يخلع حزامه. وهو كان يقول انه غير مضطر في كل مرة لفعل ذلك. كل زوار الحرم مضطرون للخضوع لهذه الاجراءات، إلا اليهود، فان لهم بوابتان اخريان، يمرون من خلالهما بسلام، للصلاة داخل الحرم، في المساحة التي اقتطعها لهم الجيش الاسرائيلي، بعد المجزرة. بدا الحرم مزارا اكثر منه مسجدا. نساء، وطلاب مدارس، ورجال، وشباب، بعضهم يقرأ القرأن، وبعضهم يلتقط الصور، واخرون يغطون في نوم عميق. كاميرات الاحتلال كانت تغطي كل زواية داخل المسجد، وقال لنا احد المصلين «لا نستطيع الخروج والعودة في كل صلاة، بسبب هذه الاجراءات، ندخل مرة واحدة في اليوم ونضطر للبقاء لعدة صلوات». المساحات المخصصة للمسلمين وتضم مقامات ابراهيم واسحق وزوجاتهم، اقل من تلك المخصصة لليهود، التي تضم مقامات يوسف ويعقوب وزوجاتهم. ولمنع الاحتكاك وضع الجنود داخل الحرم جدران حديدية للفصل بين المساحتين. إلا ان كل الحرم يتحول الى مكان لصلاة اليهود اثناء الاعياد اليهودية. وقال احد المصلين «هنا يصلي اليهود».

من أحد الشبابيك المطلة على مقام ابراهيم، يمكن رؤية اليهود المصلين الذين تركوا نافذة تطل كذلك على المقام.

بوابة المسجد توصلك مباشرة الى الساحة المخصصة لصلاة النساء، وتسمى الجاولية، وفيها مقام السيدة سارة زوجة النبي ابراهيم. ومن ثم الى ساحة الاسحاقية التي تحوي مقام اسحق وزوجته رفقة، وفيها وقعت المجزرة. واحد ابرز معالمها منبر صلاح الدين الايوبي الذي بقى على حاله بخلاف منبره الذي أحرق في الاقصى.

بعض الزائرين كان يطيل النظر في فتحة في الارض تسمى «الغار الشريف» وهي مقبرة الانبياء، وتضم رفات ابراهيم واسحق ويعقوب ويوسف وزوجاتهم. وقال رجل مسن بشكل مفاجئ «عدد المصلين في صلاة الفجر مش اكثر من خمسين في رمضان، كنت لا تجد مكانا للصلاة قبل المجزرة». واضاف شاب صغير انه استغل رمضان ليزور الحرم، وانه كان يخشى ان يزور الحرم، خوف ان يستفرد به الجنود. الخروج من الحرم يعيدك مرة اخرى من حيث اتيت، نفس الجنود، ونفس البوابات، وبعد ساعة من دخولنا، كان الجنود يحتجزون عددا من الشباب، ويعنفون اخرين، بينما تنهمك المجندات الاسرائيليات بتفتيش بعض النساء.