الصحوات تحت إشراف الحكومة العراقية.. وأحد قادتها يحذر: سيقتلوننا فردا فردا

الكثير من عناصرها رحلوا عن بغداد.. وآخرون يسعون للهرب إلى سورية

TT

تمدد اللفتنانت جستين جون على الأريكة أمام إبراهيم سليمان الزبيدي، أحد قادة الصحوة ـ المجموعات المسلحة السنية التي عاونت القوات العسكرية الأميركية في قمع أعمال العنف داخل العراق منذ العام السابق. تميز الزبيدي بصغر حجم جسده وجلس وهو يمسك مسدسا، بينما لم يشغل باله سوى أمر واحد وهو أنه ابتداء من اليوم ستتولى الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة أمر تلك الجماعات، التي ساندتها واشنطن.

قال الزبيدي «إنهم سيقتلوننا فردا فردا».

وفي مختلف أنحاء بغداد يتحدث قادة الصحوة بالأسلوب المتشائم ذاته حول نقل الإشراف عليهم إلى سلطة الحكومة العراقية. بل اختار بعضهم الرحيل عن بغداد، مبررين ذلك بالخوف من ملاحقتهم من قبل الحكومة العراقية فيما يسعى البعض الآخر لاستخراج جوازات سفر، مشيرين إلى أنهم ينوون الفرار إلى سورية.

من ناحيته، حاول جون، الذي يتولى قيادة إحدى فصائل الجنود الأميركيين، طمأنة العراقيين، وقال: «إن هذا الوضع الجديد سيتطلب بعض الوقت حتى يتم الاعتياد عليه».

ونظراً لإدراكهم بأن الحكومة شعرت منذ البداية بالقلق حيال خلق جماعات مسلحة، سنية بصورة رئيسة، تحت السيطرة الأميركية، يعمل المسؤولون العسكريون الأميركيون على اتخاذ العديد من الخطوات الرامية للحيلولة دون تفكك هذه الجماعات بصورة مفاجئة. ويعتبر المسؤولون الأميركيون جماعات الصحوة التي تسمى ايضا «أبناء العراق» عنصراً محورياً في جهود الحد من أعمال العنف. وقد قامت الوحدة التي يقودها جون ـ وهي الكتيبة الثانية من فوج المشاة الرابع، الملحقة بالفريق القتالي التابع للواء الأول، الفرقة الرابعة مشاة ـ بتخصيص أموال لدفع رواتب «أبناء العراق» لمدة 3 أشهر في حال امتناع الحكومة العراقية عن القيام بذلك. كما طالب الأميركيون الحكومة العراقية بالامتناع عن اعتقال أي من المقاتلين السنة، والذين انتمى الكثيرون منهم في السابق إلى المتمردين، إلا إذا كان لدى السلطات تصريح بالقبض عليهم صادر خلال الشهور الستة الماضية. يذكر أنه على مدار الأسابيع الأخيرة، شرع المسؤولون الأميركيون في تقليص أعداد مقاتلي «أبناء العراق» من خلال عرض منح صغيرة عليهم أشبه بمكافآت التقاعد المبكر. وخلال هذا الشهر فقط، قامت المجموعة التي يقودها جون بتسليم ما يزيد على 30 منحة، بلغ إجمالي قيمتها أكثر من 60.000 دولار.

من ناحيته، صرح الكابتن بارسانا ديوكي، 32 عاماً، بأن «القضية الكبرى التي تشغل اهتمامنا هي ما الذي سيحدث حال توقف الحكومة عن دفع رواتب هؤلاء الأشخاص. حينئذ سيصبح هناك 400 من أعضاء أبناء العراق دون عمل ودون دخل. وذلك يمثل مشكلة. لقد تلقوا تدريباً عسكرياً ولديهم القدرة على الحصول على أسلحة ـ وهم عاطلون وبحوزتهم أسلحة ولديهم سلسلة قيادة قائمة بالفعل. والنتيجة المترتبة على مثل هذا الوضع واضحة».

يذكر أن حي الدورة الواقع جنوب بغداد والذي يشكل السنة 75% من سكانه، كان واحداً من أكثر مناطق العاصمة دماراً وخطورة في بداية عام 2007. وتولى محمد عبد الحسين الكرتاني، أحد قادة «أبناء العراق» في الدورة، إدارة خلية محلية تعرف باسم «كتائب ثورة العشرين»، وهي جماعة متمردة عارضت الوجود العسكري الأميركي في العراق ودخلت في نزاع مع خلية محلية تابعة لتنظيم «القاعدة». وأشار السارجنت بريان بايلي، 31 عاماً، فيما يخص الكرتاني إلى أنه: «قرر أن العمل ضدنا معركة لا جدوى من وراءها. وبدلا من التخفي، خرجوا إلى العلن». وأوضح اللفتنانت كولونيل بريان مولينز، 39 عاماً، أنه «في بداية الأمر، كان أبناء العراق مجرد أشخاص يقفون على جوانب الشوارع. وبدأنا في دمجهم داخل البرنامج الأمني. وهم على دراية بالأشخاص السيئين ومن ينتمي إلى مجتمعاتهم». من ناحية ثانية، أكد المسؤولون العسكريون الأميركيون أن دفع قوات الجيش والشرطة العراقية للتعامل مع أبناء العراق كان أشبه بمهمة مستحيلة في بداية الأمر، وما يزال هذا الأمر صعباً حتى الآن رغم ان الحكومة العراقية تعهدت بتوظيف 20% على الأقل من الحراس التابعين للجماعة كجنود أو رجال شرطة، ووافقت على الاستمرار في صرف رواتب للآخرين حتى يعثروا على وظائف أخرى. النقيب زيد إياد عبيدي الربيعي، أحد قيادات الشرطة الوطنية في الدورة، تحدث بإشادة عن أبناء العراق إلى أحد المراسلين اخيرا، بينما أنصت جنود أميركيون إلى المحادثة. وقال النقيب: «إنهم عراقيون. نحن نفهم بعضنا البعض. ومنذ البداية، كان التعاون مثمراً للغاية، ولا يزال». إلا أن قيادات «أبناء العراق» تقول إن علاقاتها بقيادات الشرطة المحلية تكونت تحت وطأة ضغوط أميركية شديدة، ولا تزال تعاني من مشاعر انعدام ثقة متبادلة. وقال زيد صبحي، أحد زعماء «أبناء العراق»: «أشعر بالأسف لقول ذلك، ليس هناك ثقة بيننا». ويقول اللفتنانت جريج جارهارت، 26 عاماً، والذي يتولى الإشراف على ما يزيد على 400 من أعضاء أبناء العراق داخل منطقة الدورة، إن المسلحين العاملين تحت إشرافه فقدوا الأمل جراء عدم السماح بانضمام أي منهم إلى صفوف الشرطة الوطنية. واستطرد قائلا «إنهم يرون الأمر باعتبار أن أبناء العراق تنظيم يحتضر. وقد استقال البعض منهم مؤخراً. ولا أعلم ما إذا كانوا قد فقدوا إيمانهم بقضيتهم أم يخشون الشرطة الوطنية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»