أبو الغيط: إيران لا تستطيع التدخل في شؤوننا الداخلية.. ومن يتدخل يلق ما لا يسره

وزير الخارجية المصري لـ«الشرق الأوسط»: هناك «خفوت» في الاتصالات مع دمشق.. وهناك «جديد» في مواقف سورية نتابعه بدقة

الوزير أحمد أبو الغيط (رويترز)
TT

نفى وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط ما تردد من تقارير حول ربط المساعدات الأميركية لمصر بمزيد من الحريات وباحترام حقوق الإنسان، وأفاد وزير الخارجية قائلا «لم نتطرق إطلاقا في كل اللقاءات التي تحدثت فيها مع وزيرة الخارجية (كوندوليزا رايس) إلى هذا الموضوع من قريب أو بعيد». وما يخص الجهود التي تبذلها مصر لتحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية خصوصا بين حركتي فتح وحماس توقع وزير الخارجية المصري في حديث مع «الشرق الأوسط» جرى على هامش أعمال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تسفر الجهود المصرية عن اتفاق بين الفصائل الفلسطينية في نهاية هذا العام. واستبعد ابو الغيط الذي كان يتحدث من مقر إقامته بنيويورك أن يتم التوصل إلى اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين في نهاية هذا العام، وأوضح قائلا «إنني من موقع المتابعة اللصيقة للتطورات وللاحتمالات أتصور أن 30 ديسمبر (كانون الأول) القادم لن يشهد هذا الاتفاق». وفي ما يخص العلاقات المصرية السورية قال ابو الغيظ «ان العلاقات تمر بمرحلة الخفوت، وثمة خفوت في الاتصالات بين الطرفين ولكن هناك اتصالات أيضا مختلفة بين الطرفين ولكن لا يعلن عنها». أما عن الوضع في السودان فقد حذر وزير الخارجية المصري من خطورة إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر البشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية. وقال «نطالب مجلس الأمن التصرف بسرعة لأن الوقت يمر وقد تقع أحداث بمرور الوقت قد تغير المعادلة بدارفور وتعقدها» وتوقع أبو الغيظ أن تغير فرنسا من موقفها وذكر إن القوى الكبرى في مجلس الأمن تتفهم الحاجة إلى تفعيل المادة 16 من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية وقال «انهم يدركون الأخطار المحدقة بالوضع السوداني إذا مضت الأمور في الاتجاه الذي يسعى إليه أوكامبو وقضاة المحكمة الجنائية الدولية». وناشد أحمد أبو الغيط إيران أن تتعاون مع المجتمع الدولي وأن تلتزم بطلبات قرارات مجلس الأمن وحذر إيران من خطورة حرب جديدة في المنطقة وحذر من التوتر والتصعيد في منطقة الشرق الأوسط «التي عانت كثيرا على مدى ستين عاما». وناشد طهران أن تبعد وتنفي وتلغي كل الشكوك التي تحوم حول برنامجها النووي، وأعرب عن استعداد مصر للقيام بعلاقات جيدة مع إيران إذا حسنت أداءها في المنطقة، وذكر بالتحديد أداءها في العراق ولبنان وفلسطين. وهذا نص الحوار:

* تحدثت بعض التقارير عن نية الولايات المتحدة بشرط المساعدات الاقتصادية إلى مصر بحقوق الإنسان، فهل أثارت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس هذه القضية خلال اجتماعك معها؟

ـ لم نتطرق إطلاقا في كل اللقاءات التي تحدثت فيها مع الوزيرة الأميركية إلى هذا الموضوع من قريب أو من بعيد. وقد التقيت مع الوزيرة الأميركية أربع مرات على مدى الأيام الخمسة الماضية، ولم نتطرق إطلاقا إلى هذا الموضوع تحديدا.

* إلى أين وصلت المساعي والجهود الفلسطينية في الحوار الذي تديره بين الفصائل الفلسطينية خصوصا بين حركتي فتح وحماس للمقاومة الإسلامية؟

ـ إن النظرة المصرية للمسألة الفلسطينية التي تدار حاليا تنطلق من رؤية أن هذا الانقسام الفلسطيني الداخلي قد أضر ضررا بالغا بالقضية الفلسطينية، وأدى إلى انسحاب العديد من الأطراف التي كانت تؤيد القضية، فهي إما قررت الخروج من المسرح أو هي ترى أن أهل هذه القضية الذين يقتلون بعضهم البعض لا يستحقون التأييد أو التفهم الدولي. من هنا تعتقد مصر أن الوضع لا يستقيم على هذه الوتيرة، وهذا جانب من رؤية مصر للوضع، أما الجانب الآخر هو أن هناك مفاوضات تجري بين السلطة الفلسطينية من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى. وإن هذه المفاوضات يجب تكون مدعومة من كل عناصر المجتمع الفلسطيني، وعلى أساس هذه الرؤية كانت هناك حاجة للسعي المصري لتحقيق انفراج للوضع الفلسطيني وبشكل يعود فيه الفلسطينيون إلى وحدتهم وبالتالي إلى زيادة تأثيرهم. فالجهد المصري يقوم على تعاون الفصائل، فصيل، ثم فصيل، ثم فصيل ثم وصولا إلى الفصيل الأخير حماس. وقمنا في 8 اكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعرض أسئلة عليهم وثم نحصل على إجابات لكي نقدر مواقف الفصائل الفلسطينية. ويمكنني القول إن هناك طرحا مصريا متكاملا ونأمل أن يتجاوب الجميع، وهناك مؤشرات ممن اجتمعنا معهم حتى الآن يؤيد الطرح المصري ويتفهمه ويرغب بالمضي فيه، ومن ثم ستعقد مائدة مستديرة أو يعقد اجتماع عام من أجل التوصل إلى توافق فلسطيني يفتح الطريق إلى هذه المصالحة وقبل نهاية العام وبشكل يؤدي إلى تعزيز القدرة الفلسطينية على التفاوض وعلى استعادة المواقع التي خسرناها كفلسطينيين على المستوى الدولي لتعود القضية الفلسطينية إلى مسارها.

* لمحت اللجنة الرباعية لمتابعة عملية السلام إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين في نهاية هذا العام، فهل هذا ممكن من وجهة نظركم؟

ـ الجانب الأميركي مصمم على الاستمرار في جهوده، ومن ناحية أخرى يدرك الجانب الأميركي أن هناك وضعا إسرائيليا صعبا في غياب حكومة إسرائيلية قادرة، وبالتالي يتصور الأميركيون أنهم بحاجة إلى الانتظار إلى عدة أسابيع لحين تبلور الوضع الإسرائيلي. وإذا نجحت وزيرة الخارجية الإسرائيلية في تشكيل حكومة ائتلاف إسرائيلي فعندئذ تعود الولايات المتحدة مرة أخرى لكي تلعب دورها في جمع الطرف الإسرائيلي، والفلسطيني وتسعى بهم مثلما أكدت وزيرة الخارجية الأميركية لي ولأعضاء الرباعي الدولي إلى التوصل إلى اتفاق كامل، وليس اتفاقا جزئيا أو مرحليا أو اتفاق لمجرد قفل الفترة الزمنية انتظارا للمواقف والتطورات الجديد لعام 2009.

هذه الرؤية الأميركية، ويتابع الرباعي الدولي (الأمم المتحدة وروسيا والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة) ويأمل أن تنجح واشنطن في مساعيها. ولكن من وجهة نظري أنهم (الأميركيون) إذا نجحوا فهذا سيكون أمرا إيجابيا وستكون له تأثيراته الإيجابية للغاية، إلا أني ومن موقع المتابعة اللصيقة للتطورات وللاحتمالات، أتصور أن 30 ديسبمر (كانون الأول) القادم لن يشهد هذا الاتفاق. وهذا الأمر لا ينفي الحاجة من أجل أن نقوم بما اسميه بجرد الموقف، ويجب أن لا ننتظر ادارة أميركية جديدة وحكومة إسرائيلية جديدة لكي ننطلق مرة أخرى في المفاوضات. وعلينا أن نسجل كل ما دار وليس بالضرورة الآن توقع الأطراف، بل على العكس يجب أن يتحمل الطرف الأميركي مسؤوليته أن يصيغ ما تحدثت به الأطراف بعضها مع البعض وما توصلت وما لم تتوصل إليه من اتفاقيات، وأن يكون هذا الموقف قائما يقوم على المصداقية الحقيقية العميقة للمسؤولية الأميركية، وليس بتأييد طرف ضد طرف آخر. وإذا ما نجحنا بهذا مع نهاية هذا العام نستطيع أن نقول أن عام 2009، مع بداية الإدارة الأميركية الجديدة ومع الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ومع استمرار السلطة الفلسطينية القادرة والفاعلة، ومع توقيع المصالحة الفلسطينية، فهذا كله سيقود إلى حركة دؤوبة وربما قد تقود إلى انفراجة التي لا نراها حتى الآن.

* بالتأكيد لاحظتم أن المتحدثين العرب في اجتماع مجلس الأمن الذي عقد على مستوى وزراء الخارجية قدموا صورة قاتمة وغير متفائلة، وثمة إحساس بالإحباط بالمسيرة التي بدأت منذ مؤتمر انابوليس، فهل هذه الصورة صحيحية من وجهة نظركم؟

ـ أقول إن الأطراف وطبقا لمعلوماتنا قد تصدت لكل عناصر التسوية وتحدثت بها، وتشاورت بشأنها وتفاوضت حولها، فهناك محادثات عميقة ونقاشات متنوعة ومتعددة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. ولكنني أقول أيضا إنه لم يتحقق صياغة أي شيء يمكن أن نقول إنه هذا هو حصيلة عملنا، ومن هنا فإن الغضب والضيق العربي لا يقتصر فقط على مسألة نجاح المفاوضات أو عدم نجاحها، وينصب الضيق العربي في هذه اللحظة الهامة على المجتمع الدولي الذي فشل في التصدي للممارسات الإسرائيلية في الاستيطان. ولم يكن الهدف من الذهاب مجلس الأمن بحث القضية الفلسطينية أو التسوية للقضية، وكان الهدف العربي السعي إلى إلقاء الضوء على الممارسات الإسرائيلية في استمرار هذا الاستيطان الكثيف الذي سيؤدي إذا ما استمر إلى القضاء وإلى إنهاء فكرة الدولتين. فالاجتماع كان رسالة عربية الى المجتمع الدولي للتصدي بقوة إلى الممارسات الإسرائيلية في الاستيطان وإلا ستواجهون ونحن معكم لحظة الحقيقة عندما لا تكون هناك أرض فلسطينية لكي تقوم عليها الدولة الفلسطينية.

* قدمتم صورة متفائلة عن إمكانية أن تتحقق المصالحة الفلسطينية، فعلى أي أساس تعتقدون يمكن التوصل إلى اتفاق لوحدة الفلسطينيين؟

ـ إن هذه الوحدة يمكن أن تتحقق على أساس التعاون الفلسطيني الفلسطيني تقوم على أساس حكومة تكنوقراطية واحدة تمثل كافة توجهات الشعب الفلسطيني، وتقوم على اتفاق على موعد للانتخابات الرئاسية وانتخابات البرلمان الفلسطيني، وعلى مبدأ أن تكون قوات الأمن الفلسطينية في كل مكان تحت سلطة السلطة الفلسطينية، ولا تقوم على أساس تمثيل هذا الفصيل أو ذاك الفصيل. وتقوم أيضا على الحصول على قدرات أمنية جديدة بدعم دولي عربي، وتقوم على فتح المعابر بين فلسطين وإسرائيل، وهذه كلها عناصر لصفقة نسعى إلى بنائها.

* بسبب لبنان وبسبب علاقة سورية مع إيران تشهد العلاقات المصرية السورية في هذه المرحلة الراهنة نوعا من البرود، هل تم الآن تجاوز هذه المرحلة؟

ـ لا أصف ما تمر به العلاقات المصرية السورية بالبرود وإنما بنوع من الخفوت، وثمة خفوت في الاتصالات بين الطرفين، ومع ذلك عندما نلتقي كوزراء خارجية نتشاور ونتحدث ونتبادل الآراء والمواقف، ودائما نتحدث في الكثير من القضايا، ويمكن القول إن هناك اتصالات مختلفة بين الطرفين ولكن لا يعلن عنها.

* ألا تلاحظون أن هناك تغيرا في مواقف سورية سواء في لبنان وفي غيره من القضايا التي تخص المنطقة؟

ـ لا شك أن هناك جديدا في مواقف سورية، فمجرد العودة مرة أخرى إلى المفاوضات غير المباشرة، والمطالبة في أن تكون مفاوضات مباشرة بمشاركة أميركية، فإن هذا الأمر لا شك هو وضع جديد. إن المشاركة السورية في الاتحاد من أجل المتوسط فهو يمثل وضعا سوريا جديدا، وأن التفاعل السوري مع الوضع اللبناني هي مواقف جديدة، وكل هذه العناصر هي جديدة في السياسة السورية، ونحن لا نشك نتابعها بكثير من التدقيق والدراسة والتعمق.

* أنتم كوزراء خارجية عرب اتخذتم موقفا موحدا من أجل تأجيل إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر البشير، والآن على وشك أن ينتهي المحقق المكلف بجريمة اغتيال رفيق الحريري الانتهاء من عمله، فهل ستتخذون نفس الموقف إذا أصدر مدعي العام للمحكمة الخاصة ذات الصفة الدولية للبنان مذكرة اعتقال لمسؤولين سوريين؟

ـ لا ينبغي أن أن أتحدث عن افتراض، وأفضل ان أنتظر حتى اطلع على التقرير النهائي للمحقق الدولي وكذلك التقرير النهائي للمحكمة الخاصة، وتوقيت صدوره وتوجهاته قبل أن أعقب عليه. وأما موضوع المحكمة الخاصة ذات الصفة الدولية فهي أنشئت بقرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع للميثاق، وأن قرارات مجلس الأمن تحت الفصل هي قرارات ملزمة، وبالتالي فإن مصر تساير قرارات المجلس وتتقبلها وتتفهمها.

* ما الذي جرى من جهود الجامعة العربية من أجل اللجوء إلى المادة 16 من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية من أجل تأجيل مذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير؟

ـ إن الجهود التي تبذلها الجامعة العربية لم تعد جهدا عربيا فحسب وإنما هي جهود عربية وأفريقية مع مساعي أطراف أخرى لها تأثيرها. ولمصر اتصالات مباشرة مع أعضاء مجلس الأمن بالتزامن مع الجهود العربية والأفريقية، ولنا احاديثنا ورسائلنا، ونطالب مجلس الأمن بالتصرف وبسرعة لأن الوقت يمر. وقد تقع أحداث بمرور الوقت قد تغير من وضع المعادلة في دارفور وتعقدها. ومن هنا نطالب صدور قرار بتفعيل المادة 16 من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، ونتفهم في الوقت ذاته موقف أعضاء مجلس الأمن والمطالبة برؤية إجراءات على الأرض في دارفور وفي السودان. ونأمل إن الإجراءات السودانية القادمة الحالية التي يتم تنفيذها أن تقود إلى الالتقاء مع توجهات مجلس الأمن وبالذات القوى الرئيسية فيه.

* نفهم أن الفرنسيين وضعوا شروطا أساسية من أجل تفعيل المادة 16 من بينها تسليم اثنين من المسؤولين السودانيين إلى المحكمة الجنائية الدولية، فهل بحثتم هذه الشروط مع الفرنسيين والبريطانيين والأميركيين؟

ـ السلطة السودانية تقول إنها ترفض التسليم، وما يجب القيام به هو البحث عن وسيلة لكي نحقق الهدف الذي نسعى إليه، وهو تفعيل المادة 16 من نظام روما، وبعدم السماح بتعقيد الوضع في السودان. من ناحيتي تحدثت مع الأمين العام للأمم المتحدة وقلت إنه ما يجب أن يسمح المدعي العام للمحكمة الجنائية لويس أوكامبو أن يتحرك بهذا الشكل. لأنه عندما تحرك في هذا الإطار القانوني الذي نتفهم عناصره على اعتباره أنه مدع قانوني وليس مدعيا سياسيا كان عليه أيضا أن يتشاور مع الأمين العام للأمم المتحدة ومع القوى الرئيسية في مجلس الأمن حتى لا نواجه بهذا التعقيد والتصعيد الخطير الذي نشهده أو نشهد احتمالاته خلال الأسابيع القليلة القادمة.

* هل لمستم أي تغير في موقف فرنسا وبريطانيا وأميركا من هذه القضية؟

ـ إن مواقف هذه الأطراف تسعى إلى تغير هدفها وبالتالي لم تكشف الآن عن حقيقة نواياها، ونحن نعي أنهم يتفهمون جميعا الحاجة إلى تفعيل المادة 16 من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية . وأنهم يدركون الأخطار المحدقة بالوضع السوداني إذا مضت الأمور في الاتجاه الذي يسعى إليه أوكامبو وقضاة المحكمة الجنائية الدولية . وما يجري الآن هو نوع من المناورات التقليدية لكي يحقق كل ما يمكن من رؤيته .

* ثمة حديث عن تدخل إيراني بالشؤون الداخلية لمصر ودعم بعض الجماعات المتطرفة ويجري الحديث عن حركة تشيع في مصر ؟

ـ من يتدخل في الشؤون الداخلية لمصر سوف يلقى ما لا يسره وسوف يصاب بما لا يسعده وبالتالي فإن الإيرانيين لا يستطيعون التدخل في شؤوننا الداخلية، ولا يمكن أن نسمح لطرف أن يتدخل كبر أو صغر سواء كان دوليا أو إقليميا.

* هناك إحساس أن إيران تستخدم التأييد التي تحظى به من قبل حركة عدم الانحياز ومن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي لاضفاء شرعية على ملفها النووي الذي تدعي أنه سلمي، من أجل تصعيد المواجهة مع الولايات المتحدة والغرب وكذلك في مد نفوذها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط؟

ـ لإيران تأييد في حقها في الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، ولكن هناك أيضا الكثير من الاتهامات والشكوك حول وجود برامج نووية عسكرية، والمطلوب من إيران أن تؤكد للعالم أجمع أن هذه البرامج التي تقوم بها هي ذات صيغة سلمية بحتة وأن تبتعد تماما عن الصبغة العسكرية. وما أتصور هو أن المطلوب من طهران أن تعطي الضمانات للمجتمع الدولي لكي يسترخي الجميع، لأنه في غياب هذه التأكيدات وفي غياب هذه التصعيد قد نشهد ما لا يجب أن نشهده في هذا الإقليم من صدام وصراع. وكفى لهذا الإقليم ما مر به على مدى ما يقرب ستين عاما من صراع سواء ما يخص القضية الفلسطينية، والصراع العراقي الإيراني من ناحية أخرى، وثم تحطيم دولة العراق ثم الحرب في أفغانستان منذ المرحلة السوفياتية حتى اليوم.

* وماذا عن استغلال إيران لملفها النووي في صراعها مع أميركا والغرب من أجل تعزيز نفوذها الإقليمي في المنطقة؟

ـ إن الصدام الإيراني مع الولايات المتحدة ومع الغرب يمتد منذ عام 1979 مع عودة الإمام الخميني وقيام الثورة الإيرانية، ومنذ ذلك الوقت وعلى مدى حوالي 25 عاما، هناك منافسة ومواجهة. وفي هذا السياق تسعى إيران إلى تضخيم إمكانياتها وقدراتها، ومن هنا نجدها نشطة في مسائل محددة، أما مسائل يستطيعون التأثير فيها بشكل واضح مثل تأثيرهم على الوضع في العراق، وفي المسألة اللبنانية، وفي الوضع الفلسطيني وبالتحديد في وضع غزة. وأحيانا يستطيعون التأثير في مشكلات أخرى ويسعون من خلالها إلى تحسس طريقهم لبناء قدرات لهم بهدف التأثير، ولكنها تصعب عليهم. وعلى سبيل المثال الظهور بقيام بعض العلاقات مع بعض دول الحزام الإسلامي المجاور لبعض الدول العربية في شمال أفريقيا.

فنجد أحيانا قيام بعض المسؤولين الإيرانيين الكبار بزيارة إلى تشاد والنيجر أو إلى أفريقيا الوسطى أو إلى السنغال، وهذه كلها محاولات لتعظيم الظهور، وفي حقيقة الأمر ان كل هذه التحركات هي مرصودة ولا يغيب عنا تأثيرها في وضع العراق ولبنان وفلسطين، وأن الهدف من هذا التأثير هو لخدمة المصالح الإيرانية وبشكل مباشر مع النزاع مع الغرب. وعلى الجانب الآخر يجب أن نقول إن مصر على استعداد لبناء علاقة إيجابية طيبة مع إيران وعلى استعداد لدعوة الأطراف العربية في كل مكان إلى التعاون الإيجابي وبمودة وبصداقة مع الأخوة في إيران، إلا أننا نطلب أن يكون الأداء الإيراني على مستوى الإقليم، ولا أتحدث عن علاقات إيران بالمجتمع الدولي، ولكن الأداء الإيراني على المستوى الاقليم أن يكون أداء مسؤولا يؤدي إلى عناصر إيجابية. على سبيل المثال في نقاشات مجلس الأمن (حول المستوطنات) رأينا القوى الغربية قد خلطت بين القضية الفلسطينية والاستيطان الإسرائيلي والتصدي للاستيطان بالقول، إنهم يرفضون الرئيس الإيراني وتصريحاته بتحطيم إسرائيل. وما دخلنا نحن كعرب فيما يقوله الرئيس الإيراني فليقل ما يقول، ولكنهم يستخدمون ويستغلون هؤلاء الذين لا يريدون الخير للقضية الفلسطينية، ويحاولون استغلال واستخدام هذه المقولات للإضرار في المواقف الفلسطينية والعربية. والخلاصة أن الأداء الإيراني مطلوب التدقيق فيه وعليهم (أي الإيرانيين) أن يتفهموا القلق العربي الخليجي والعربي بصفة عامة، من أن التوتر والتصعيد والمواجهة لها عواقبها في هذه المنطقة، التي عانت كثيرا ونستطيع أن نثبت أنها قد عانت كثيرا على مدى ستين عاما.

* كما هو واضح أن إيران ماضية في برنامجها النووي بالرغم من قرارات مجلس الأمن والضغط الدولي فهل نتوقع حربا أخرى في المنطقة؟

ـ نأمل أن تنجح القوى الرئيسية في العالم، وأن ينجح مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأن ينجح المجتمع الدولي وأن ينجح دول الإقليم في إقناع الأخوة في إيران بالتوصل إلى تسوية سلمية مقبولة مرضية لهم تحقق لهم استخدامهم السلمي للطاقة الذرية، وفي نفس الوقت تبعد وتنفي وتلغي الشكوك التي تنتاب هذه الأطراف الخارجية والدولية. ويجب أن لا يفوتك أن روسيا رغم الصدام الدبلوماسي الذي ظهر بينها وبين القوى الغربية، إلا أنها عادت لكي تلتقي مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن للموافقة على القرار الذي صدر يوم الجمعة الماضي، الذي طالبها مرة أخرى بالاستجابة مرة أحرى إلى متطلبات المجتمع الدولي. ويجب أن لا يغيب عن أحد أن روسيا هي موجودة أيضا في هذه البوتقة.

* بدأ عدد من الدول بإرسال سفراء لها إلى العراق، ومصر لم ترسل سفيرا لها، وما زالت الشكوى العراقية من نفوذ إيران بسبب غياب الحضور العربي في العراق؟

ـ كل شيء مقدر في حينه وفي الوقت المناسب، ولا يفوتك أنه لم يفقد أي واحد من اخوتنا هؤلاء سفيرا لهم في بغداد، ونأمل أن لا يفقدوا سفيرا لهم. وأن مصر قد فقدت سفيرا لها، ومن هنا على مصر أن تتدبر الأمر بكثير من الحساب الدقيق، وكل شيء يحين وقته ونأمل أن نتحرك بالمزيد إزاء العراق. وهذا لا ينفي أن رئيس الدولة العراقية ورئيس الوزراء ووزير الخارجية والكثير من المسؤولين العراقيين يحضرون إلى مصر للمشاركة في مناقشات جادة وموضوعية إيجابية، وهناك إحساس مصري بأن الأمور تتحسن في العراق ويجب مساعدته على الخروج من هذا النفق المظلم الذي وقع فيه.