«ناسا».. 50 عاما من غزو الفضاء واستكشاف الكون

TT

لم يعد البشر سكان كوكب الأرض فقط، بل أصبحوا سكان النظام الشمسي أيضا.

فهناك دوريات استكشاف تطوف هنا وهناك، وهناك سفن فضائية آلية من بينها اثنتان تشقان طريقهما في ذلك الفراغ الكبير في رحلة عبر النجوم. ولدينا خطط كبيرة لإرسال رواد فضاء لما هو أبعد من مدار الأرض. وإذا كان الدافع وراء تلك الرحلات نابعا عن الفضول أو الدوافع المادية، فإن النظام الشمسي هو البيئة الغنية المثلى لذلك. فهناك الكثير من الأماكن التي يمكن أن نزورها والكثير الذي يمكن أن نشاهده.

اكتشافات باهرة هناك، على سبيل المثال، تيتان، القمر الأكبر الذي يدور حول زحل، بطقسه الفريد الذي تشكله أمطار الميثان وأوديته وأنهاره وبحيراته. ولأن المكان شديد البرودة، وهو الأمر الذي لا يسمح بوجود ماء سائل للحياة كما نعلم، فإنه يشكل جنة الكيميائيين الذين ينبهرون بتلك الجزيئات المبنية على الكربون والتي تشير إلى أن هذا العالم معد لنشأة وتطور الحياة به.

وهناك قمر يوروبا الذي يدور حول المشتري مع مظهره الذي يبدو كجبل جليد يخفي تحته محيطا بالغ العمق.

كما أن هناك أيضا إنسلاديوس أحد أقمار زحل الأخرى والذي يبدو مكانا غريب الشكل بذلك الجزء الأملس من سطحه، وذاك الجزء الآخر الصخري وكذلك بعض مناطقه التي تموج بينابيع الماء الساخن، والتي تشبه منطقة بركان يلو ستون البارد.

وبالطبع هناك المريخ الذي، بالرغم من برودته وقسوته ومناخه شبه الخالي من الهواء وإشعاعاته المدمرة، يعتبر مثل منتجع club med، مقارنة بكوكبي الزهرة وعطارد. وقد وجد العلماء ماء متجمدا على سطح المريخ وربما تكون هناك بعض المواد السائلة تحت سطحه، وربما يكون المريخ مؤهلا للسكنى من قبل البشر، فمساحة سطح المريخ تقترب من مساحة سطح الأرض، وطول اليوم على سطح المريخ يبلغ ما يقرب من 24 ساعة، وأعلى درجات الحرارة على سطح الكوكب تماثل تلك المسجلة في منطقة غرين باي باكرز. في الوقت ذاته، تعبر بعض تلك الكويكبات السيارة، والتي لم تحظ باهتمام مناسب بعد، في مساراتها التي تتقاطع مع مدار الأرض، على الرغم من أن بعضها يماثل ناقلات النفط الضخمة تنتظر أحدهم ليقودها إلى الميناء للاستفادة منها.

بدايات المغامرات الكونية لكن الأكثر قربا لنا والذي يمكن أن يوفر المواد الخام لأساطيل السفن الفضائية، هو القمر الخاص بكوكبنا. فالجانب البعيد عن الأرض من القمر تضعف فيه الإشارات اللاسلكية والضوضاء الإلكترومغناطيسية، وربما يكون المكان الأمثل لنصب تليسكوب لسبر أغوار ذلك الفضاء الرحب العميق.

والنظام الشمسي ليس مثاليا كلية كما يبدو لنا ـ إذا يكتظ بالمناخات العدائية فما من مكان واحد خارج الأرض يصلح لأن يكون محلا للنزهة، لكنها أرض عجائب علمية وهي بحق مليئة بالفرص العملية التي لم نتخيلها بعد، ومن ثم فإنها تغرينا إلى القيام بمغامرات عظيمة.

وهناك الكثير من الأشخاص الذين يقدمون حججا عقلانية مقبولة بأننا لا يمكننا أن نهدر كل تلك الأموال في الفضاء في الوقت الذي تئن فيه الأرض بالمشكلات، لكن إذا وجدنا الماء، على سبيل المثال، على القمر يوروبا ربما يكون أمرا مبهما لبعض الأشخاص الذين لا يجدون ماء نقيا للشرب في منازلهم. ولكننا بالفعل حضارة مهتمة بتسيير الرحلات إلى الفضاء. الا ان السؤال الأكثر إلحاحا الآن هو إلى أين وجهتنا؟

كان ذلك السؤال أكثر بساطة منذ نحو نصف قرن مضى، عندما بدأت إدارة الفضاء والطيران الوطنية (ناسا) بتدشين أولى رحلاتها في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 1958، وعند تلك المرحلة لم نكن بحاجة الا للخروج إلى الفضاء لما وراء الغلاف الجوي إلى ذلك الحد البعيد.

وكانت الكيفية مفهومة بشكل عام أيضا: وهو وضع أشخاص داخل الصواريخ الفضائية، التي لم تكن قد شهدت حتى ذلك الحين تطورا إلا منذ عقود قليلة سابقة عندما بدأ الألمان استخدامها في قصف الأراضي البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية، وقد كانت الصواريخ الفضائية الجديدة الضخمة المتطورة إحدى النتائج الجانبية للحرب الباردة. وما لم يكن مؤكدا في عام 1958 هو ما إذا كان باستطاعة الإنسان أن يعيش في بيئة تنعدم فيها الجاذبية، إضافة أيضا أن الصواريخ الفضائية لديها عادة سيئة في الانفجار بمجرد إطلاقها. والسبب في التطور المذهل نحو تطوير سفن الفضاء والسباق نحو ريادة الفضاء واضح، فقد كنا في سباق كبير مع الاتحاد السوفياتي، الذي حظي بشرف السبق في إرسال رحلات إلى الفضاء، في إنتاج سفن فضاء أكبر حجما وإنشاء محطات مدارية ربما لإسقاط قنابل علينا من هناك.

استكشاف القمر وبعد نصف قرن، واجهت وكالة ناسا مصاعب سياسية وتمويلية وتكنولوجية لكن طموحاتها لم تقتصر على إطلاق رحلات مأهولة في الفضاء. والتليسكوبات الفضائية العملاقة لا تزال في الطريق والبحث عن الحياة في أماكن أخرى غير الأرض والمجموعات الشمسية البعيدة والسفن غير المأهولة السابحة في الفضاء تمدنا كل يوم باكتشافات جديدة. لكن عين المشاهد العادي تميل نحو التركيز على الخطط الكبرى للوكالة وهو سفر رواد الفضاء إلى ما بعد مدار الأرض ولا أحد يعلم إذا ما كانت تلك الخطط ستؤتي ثمارها أم لا. وتعمل ناسا على الانتهاء من الانجاز التام لمحطة فضاء دولية، كما أنه سيتم الاستغناء عن المكوك الفضائي وبناء طريقة جديدة لتوصيل البشر إلى الفضاء، عن طريق «برنامج الكوكبة» Constellation program. وتعمل الوكالة وفق خارطة طريق يطلق عليها «رؤية لاستكشاف الفضاء»، تم إقرارها في عام 2005 بموافقة من الرئيس جورج بوش. وتدعو تلك الخطة إلى عودة رواد الفضاء إلى القمر وبناء محطة دائمة هناك تمهيدا لمهمات يمكن أن تتضمن في يوم من الأيام توصيل آدميين إلى كوكب المريخ. ولكن، مع غياب أي سباق لريادة الفضاء أو وجهة نظر سديدة في صالح طيران فضائي طموح للبشر، فإن على خريطة الطريق أن تستأنف العمل في طريقة بيروقراطية تدريجية، مع المحافظة على ميزانية ناسا الأساسية. ويعني ذلك أن معظم المال سوف يستخدم في بناء نظام جديد سوف يكون متاحا عندما يتم الاستغناء عن المكوك في 2010. ويعني ذلك أيضا أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على توصيل رواد فضاء إلى الفضاء لمدة قرابة خمسة أعوام. وتدعو الخطة إلى الاستعانة بالروس لتوصيل رواد الفضاء، لكن العلاقات بين الروس والولايات المتحدة تشهد تدهورا مستمرا.

ويجعل ذلك من الأعوام القليلة القادمة فترة متقلبة بالنسبة لوكالة الفضاء ناسا، وفي أي وقت يمكن أن يقرر الكونغرس أو البيت الأبيض أن أولويات الولايات المتحدة لا تتضمن إرسال أشخاص إلى القمر مرة أخرى. ويقول جوزيف ألكسندر، من مجلس دراسات الفضاء التابع لأكاديمية العلوم الوطنية، إنه يشعر بالخوف من سقوط وكالة ناسا. ويضيف: «البرنامج في خطر في تلك المرحلة، فمع القيود التي وضعتها الإدارة على ميزانية ناسا، لا يمكنك العمل بالشكل المناسب». ويعتقد بريت ألكسندر، وهو أحد أفراد إدارة بوش وكان من الذين شاركوا في صياغة الخارطة ويعمل في الوقت الحالي في مؤسسة «إكس برايز» أن «ناسا» قد أخطأت لأنها لم تترك الهيئات الحكومية والقطاع الخاص يلعبان دورا أكبر. ويقول ألكسندر: «إنها مجرد بنية تحتية لوكالة ناسا فقط، وذلك بالنسبة لي هو «عَقِبُ أخيل» بالنسبة للمستقبل، فكل التمويل والمقتدرات والبنية التحتية كانت عن طريق ميزانية ناسا».

أما مايكل غريفين، المدير بوكالة «ناسا»، فيدرك كل التحديات التي تواجهها الوكالة، ولا يوجد شخص أكثر إقناعا منه في الدفاع عن برنامج مدني لطيران الفضاء تديره الحكومة. ويعتقد غريفين أن البشرية، بعد مرور آلاف من الأعوام، سوف تستفيد مما نقوم به في الوقت الحالي، ويؤكد أن برنامج الكوكبة ليس مرتبطا بالعودة إلى القمر وحسب. ويقول: «إنه نظام قادر على نقل الإنسان نحو داخل النظام الشمسي، ولا تساورني أية شكوك في أنه في يوم من الأيام سوف ترى أناسا على بعد ملايين الأميال من الوطن يقومون بأعمال الصيانة لتليسكوب ما» أو ربما سوف يساعدون في بناء تليسكوب راديوي على الجانب البعيد من القمر. ويضيف غريفين: «يمكنك وضع تليسكوب راديو على الأرض. يمكن أن يصل لمسافة كيلومترات». ويتساءل غريفين لماذا يجب الذهاب إلى الفضاء أساسا، ثم يجيب أنه ليس تنافسا على النفوذ، بل إنه خطوة إستراتيجية بلا ريب.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»