بالين تواجه بايدن الليلة في مناظرة يتيمة.. لإثبات قدرتها على القيادة

قلة خبرتها وجمالها من نقاط ضعفها.. ومنافسها الذي لا يعرف متى يسكت قد يوقعه لسانه

ساره بالين (رويترز) وجوزيف بايدن (أ.ب)
TT

عندما كانت سارة بالين تتحدث عن الرئيس الباكستاني في مقابلة تلفزيونية الاسبوع الماضي، في واحدة من المقابلات النادرة التي أجرتها بعد اختيارها للترشح كنائب للرئيس على تذكرة الحزب الجمهوري، وسمّته «الرئيس زراري»، عوضا عن زرداري، لم يستطع جون ماكين الجالس بالقرب منها، السيطرة على علامات وجهه بشكل كامل. عيناه جحظتا وعلت وجهه ابتسامة توتر، ويداه تحركتا بتشنج. الوضع لم يكن مريحا، خصوصا وهو يستمع الى بالين توضح تصريحات سابقة لها حول تأييدها توجيه ضربات عسكرية لباكستان من دون تنسيق مسبق مع حكومة اسلام أباد لضرب الارهابيين، وهو موقف المرشح الديمقراطي باراك اوباما الذي كان ماكين يهزأ به قبل أيام قليلة.

هذه الهفوة هي واحدة من الهفوات الكثيرة التي ارتكبتها بالين مؤخرا عندما بدأت تحتك بالصحافيين أكثر، وكانت السبب وراء هبوط شعبيتها حتى بين المحافظين من الحزب الجمهوري الذين بدأوا يشكون بصوابية قرار اختيار ماكين لها للترشح على تذكرة الحزب. ولكن هذه الهفوات هي أيضا التي ستجعل عيون الملايين من الاميركيين وغير الاميركيين، مركزة مساء اليوم على الشاشات لمشاهدة المناظرة الاولى واليتيمة التي ستجمع بالين وجو بايدن، المرشح الذي اختاره اوباما للترشح معه كنائب للرئيس. ومن المتوقع ان تستقطب هذه المناظرة مشاهدين أكثر بكثير من الذين تابعوا مناظرة ماكين واوباما الاسبوع الماضي، خصوصا ان اللجنة المنظمة للمناظرة قد أصدرت ثلاثة آلاف ومائة اعتماد للصحافيين، وهو أعلى رقم بطاقات صحافيين تصدره اللجنة التي نظمت سبع مناظرات بين مرشحين لنائب الرئيس حتى الآن.

تردد بالين منذ أيام أنها متشوقة لإجراء المناظرة الليلة، وانها تتوق للقاء بايدن الذي لم تلتق به شخصيا بعد، ولكنها تعرفه من خطاباته التي تستمع اليها منذ كانت «في الصف الثاني ابتدائي». وعندما سألتها كاتي كوريك الصحافية التي أجرت معها المقابلة على تلفزيون «سي بي إس»، ما إذا كانت تعتقد ان التلويح بكبر سنّ بايدن، فكرة جيدة، خصوصا أنها مرشحة الى جانب رجل يبلغ من العمر 72 عاما، أجابت: «هذا ليس أمرا سلبيا أبدا، أنا كل ما أفعل هو أنني أتحدث عن وقائع. هو رجل له خبرة كبيرة وأنا وجه جديد ومليئة بالنشاط». أما بايدن، الرجل الذي قضى 36 عاما في الكونغرس، ترأس خلالها لجنتي العدل والعلاقات الخارجية التي لايزال يرأسها حتى الان، فهو أيضا لم يقلل من شأن منافسته على الرغم من الفارق الكبير والواضح بينهما. فقد كررت حملته أن السيناتور بايدن يتحضر جيدا للمناظرة، وقالت انه يعرف أنها جيدة في النقاش وان سجلها في المناظرات التي كانت تجريها عندما ترشحت لحاكمة ولاية آلاسكا تثبت ذلك. وبالفعل، كلاهما تفرغ في الايام الاخيرة للتحضير للمناظرة. فبالين توجهت الاثنين الماضي الى مزرعة يملكها ماكين في ولايته اريزونا حيث تخضع للتدريب على يد كبار مستشاري ماكين والرئيس جورج بوش. اما بايدن، فقد توجه الى ويلمينغتون في ولايته ديلاور، مصحوبا بعدد من مستشاري أوباما، بينهم أشخاص ساعدوا المرشح السابق آل غور للتحضير لمناظراته. كلاهما أمامهما تحديات سيواجهانها خلال المناظرة، وكلاهما عليهما ان يثبتا انهما جديران بدخول الجناج الغربي في البيت الابيض وتسلم مهمة الرئيس في حال اضطرا لذلك. الا ان مهمة بالين ستكون أصعب بكثير من مهمة خصمها، بسبب الضغوط التي تواجهها، خصوصا بعد الهفوات والاخطاء التي وقعت فيها في الأيام الأخيرة.

فالمرأة التي اعتلت المنصة الرئيسية في مجمع «اينيرجي اكسل» في مدينة سان بول في مينيسوتا حيث كان الحزب الجمهوري يعقد مؤتمره، يبدو أنها بدأت تفقد من ثقتها. ففي تلك الليلة، أثارت بالين اعجاب الكثيرين، جمهوريين وديمقراطيين. لم يكن يتوقع أحد من حاكمة ولاية مغمورة، أن تعتلي المنصبة وتتوجه الى ملايين الاميركيين يشاهدونها على محطات التلفزة، بهذه الثقة والقوة والخفة. في تلك الليلة، حتى الاعلام الاميركي اتفق على القول ان نجمة ولدت. إلا أن هذه النجمة التي أبقت مسافة بعيدة بينهما وبين الصحافيين بعد تلك الليلة، بدأت ترتبك كلما وجدت نفسها في موقع مع صحافي من دون ورقة محضرة مسبقا. ومقارنة ببايدن، ظهرت بالين في أربع مقابلات فقط منذ اختيارها بينما ظهر بايدن في مائة مقابلة على الأقل.

وعلى الرغم من انها تحاول إظهار التناقض بينها وبين بايدن، واستغلاله لصالحها، عبر الحديث عن خبرته مقابل طاقتها وحيويتها، الا ان هذه السياسة التي يعتمدها اوباما مع ماكين، قد تنقلب ضدها، خصوصا بعد اجاباتها على مجموعة من الاسئلة المتعلقة بالسياسة الدولية والاقتصادية خلال الاسبوع الماضي. ففي مقابلة مع تشارلي غيبسون على تلفزيون «إيه بي سي»، سألها الصحافي اذا كانت تتفق مع «مذهب بوش». لم تعرف بالين ما هو «مذهب بوش» وسألت المقدم ماذا يعني بذلك. فاضطر الى ان يشرح لها ان «مذهب بوش» أصبح مذهبا بعد الجملة الشهيرة التي قالها الرئيس بعد اعتداءات 11 أيلول وتبريرا لغزو افغانستان، مفادها أن الولايات المتحدة لها الحق في اللجوء الى القوة ومهاجمة أي بلد لحماية نفسها من الارهابيين. وفي مقابلة أخرى مع كوريك الاسبوع الماضي، تلعثمت عندما سئلت عن رأيها بالخطة المالية وخلطت في اجابتها الضرائب بالوظائف والعطالة عن العمل والضمان الصحي.. وفي اجابة أخرى عن سؤال حول روسيا، ردت بما معناه أن سبب فهمها للعلاقات الاميركية الروسية هو قرب ولايتها، آلاسكا من الاراضي الروسية، وقالت: «بوتين عندما يأتي الى أميركا يأتي عبر آلاسكا.. وأنا افهم العلاقة مع هذه الامة القوية، روسيا، لانها تقع بالقرب من ولايتنا». وعندما سألتها كوريك ان تسمي الصحف والمجلات التي كانت تقرأها قبل ان يختارها ماكين لتترشح معه، لم تستطع ان تسمي صحيفة واحدة، وبدأت بالاجابة بشكل دبلوماسي وقالت: «لقد قرأت معظمها بتقدير كبير للاعلام والصحافة..»، الا ان كوريك قاطعتها وألحت عليها ان تسمي الصحف التي كانت تقرأها، فردت بالين بارتباك: «كلها... أي واحدة أراها أمامي... آلاسكا ليست عالم ثالث، الناس دائما يسألونني كيف اتابع ما يحصل في واشنطن وأنا في آلاسكا...».

هذه الإجابات أمطرت عليها وابلا من الانتقادات من الإعلام، وبعض الذين ينتمون الى الحزب الجمهوري.

ففي الاعلام، كتب فريد زكريا في مجلة نيوزويك، إن قرار ماكين اختيار بالي هو قرار «غير مسؤول» وفند في مقال لماذا يعتقد أن بالين ليست مستعدة للمنصب. وفي مقال آخر، دعت كاثلين باركر في صحيفة الواشنطن بوست، بالين الى التراجع عن ترشيحها «لصالح البلد»، وقالت ان المقابلات التي كانت تجريها بالين كانت مؤلمة لدرجة انها لم تتمكن من الاستماع اليها، وذكرت بانها كانت متحمسة جدا عندما اختار ماكين بالين ورأت فيها مثالا للأم العاملة.

أما من بين الجمهوريين الذين انتقدوها، فهناك سيناتور نبراسكا، تشاك هاغل، الذي قال تعليقا على المقابلة التي أجرتها مع تلفزيون «سي بي إس»: «لنوقف هذا الهراء.. أنظر من نافذتي وأرى روسيا لهذا أنا خبير بالعلاقات الروسية – الاميركية؟... أعتقد هذه إهانة للشعب الاميركي». واضاف ان القول ان بالين تتمتع بالخبرة والمؤهلات لتكون رئيسة للبلاد مبالغة كبيرة.

حتى بيغي نونان، وهي كاتبة مقالات محافظة وكانت تكتب خطابات رونالد ريغان وجورج بوش الأب، انتقدت بالين. وقالت ان اختيارها «هراء سياسي»، وأنها غير مؤهلة للمنصب.

إلا ان حملتها تدافع عنها بالقول ان خبرتها في السياسة الخارجية هي مثل خبرة رؤساء سابقين كثر كرونالد ريغان وجيمي كارتر وبيل كلينتون.

وتقول باي بوشانون، وهي معلقة سياسية من مؤيدي الحزب الجمهوري، ان الفرق بين بالين وباقي المرشحين التقليديين، هي انها شعبية وأن اهتماماتها هي شبيهة باهتمام الشعب، وان لديها مؤهلات القيادة. وتقول ان مهاراتها في النقاش عالية ولا يستهان بها. وتقول بوشانون، وغيرها من المعلقين، ان ما يدفع بالين الى الارباك هو تقيدها بجمل معينة وهو التوجه الذي طلب اليها ماكين ان تتبعه، وتجادل، ان تركها تتحدث «من قلبها» وليس عقلها، سيكون أفضل لان لديها قدرة على التواصل مع الناس. وينتقد البعض أسلوب تعاطي حملة ماكين مع بالين، وإبعادها عن الصحافة كما حصل خلال لقائها مع بعض رؤساء الدول في نيويورك الاسبوع الماضي. فقد دعت مثلا المعلقة على تلفزيون الـ«سي إن إن» كامبل براون الى انهاء التمييز الجنسي بحق بالين واخراجها من السجن الذي وضتعها حملة ماكين فيه، وتركها تتحدث كباقي المرشحين. الا ان توماس مان، المحلل السياسي في شؤون الانتخابات من معهد بروكينز الاميركي، يقول ان بالين ستجد نفسها في مشكلة في الحالتين. «فاذا واجهت الصحافة أكثر، سيكتشف الاعلام نقاط ضعفها ويتحدثون عنها أكثر، واذا لم تواجه الصحافة فانها لن تتعلم من أخطائها ولن تكتسب خبرة». ولكنه يضيف ان تلقين بالين معلومات حول السياسة الخارجية لا يكفي، «فهي ببساطة ليس لديها اهتمام بالقضايا الدولية، ليس لديها اطار تعلق عليه المعلومات التي تتلقاها. فمعلوماتها حول السياسة الخارجية محدودة جدا ولا اعتقد ان اي تحضير سيكون كافيا».

إلا انه أمام كل هذه السلبيات، فلدى بالين ايجابيات في المقابل. وكما قالت بيشانن، هي تتقن فن المناظرة ويمكنها ان تكون شرسة اذا دعت الحاجة، كما تثبت مناظراتها السابقة خلال حملتها للفوز بمنصب حاكمة آلاسكا. ويقول مان إن من صفاتها الايجابية أيضا أسلوبها وجاذبيتها في حديثها، وتمتعها بكاريزما لا يتمتع بها جو بايدن. ولكن اخطاء بالين وسلبياتها لا يعني ان بايدن كامل. فهو أيضا لديه سلبياته الكثيرة والخطيرة التي قد تلعب دورا اساسيا في مناظرة الليلة وفي ترجيح التعادل ان لم يكن الفوز لبالين. فبايدن لا يعرف متى يسكت. وهو احيانا يقول شيئا جيدا انما يحرقه بمتابعة الحديث عنه، ويقع بذلك في أخطاء ويقول أشياء لا يجوز قولها. ومثال على ذلك، قبل بضعة أشهر، رد بايدن الذي يؤيد الى الحد من انتشار السلاح، على رجل ظهر في شريط مصور يحمل سلاحا ويسأله اذا كان «ولده»، أي سلاحه، سيكون بأمان. فقال بايدن في البداية: «اذا كان هذا ولده، فهو يحتاج الى مساعدة». انفجر الحضور بالضحك على اجابة بادين. الا ان السيناتور لم يتوقف عند هذا الحد وراح يهاجم الشاب وحملة السلاح وختم بالتساؤل ما اذا كان هذا الشخص طبيعيا ودعاه الى رؤية طبيب نفسي...

وأول تعليق لبايدن على اختيار ماكين لبالين، كان قوله: إنها «امرأة جميلة»! وهذا ما يجعل البعض يتخوف من أن يبدو بايدن خلال مهاجمته لبالين يميز بين الاجناس ويضطهدها لأنها امرأة. ولكن حملته تقول انه يتلقى نصائح من نساء سياسيات، من بينهن هيلاري كلينتون، حول طريقة التعاطي مع بالين كي لا يبدو انه يستخف بها لانها امرأة.

قد يكون جمال بالين عنصرا اضافيا سلبيا بالنسبة اليها. فكلمات الإطراء توجه اليها من كل حدب وصوب، وهو اطراء بجمالها الخارجي وليس بعقلها. حتى الرئيس الباكستاني الذي أخطأت في لفظ اسمه، أثنى على جمالها وأراد ان يعانقها. الليلة، بالين ستكون حتما هي النجمة، كما في مؤتمر الحزب الجمهوري. ولكن الامتحان الذي ستواجهه قد يكون حاسما: فإما ان تحقق نجاحا تاريخيا او هزيمة تاريخية.. ليس لها فحسب، بل للحزب الجمهوري.