رئيس شركة السفاري المصرية العائد من الاختطاف: الخاطفون خفضوا الفدية .. والسفارة الألمانية قالت إن المبلغ كبير

قال لـ«الشرق الأوسط»: قاموا بتركيعنا على الأرض في بداية الاختطاف

إبراهيم الصابر
TT

في أول تصريحات له عن ملابسات عملية الاختطاف الذي تعرض له ضمن 19 من السياح الغربيين والأدلاء والسائقين المصريين، على أيدي مسلحين بمنطقة الجلف بالعوينات جنوب غرب مصر يوم 19 سبتمبر (أيلول) الماضي، كشف رئيس شركة «إيجبتوس»، إبراهيم الصابر، في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في القاهرة أمس، عن تفاصيل الحادث منذ يوم الاختطاف حتى يوم العودة إلى داخل الأراضي المصرية الاثنين الماضي، وقال إن غرفة السياحة المصرية كانت أول من علم باختفاء رحلة السفاري التي كنا نقوم بها، إلا أنها لم تتحرك، وردت على من أبلغها باختفائنا يوم الاختطاف، الموافق ليوم الجمعة 19 الشهر الماضي، أننا يمكن أن نكون تهنا في الصحراء، أو دخلنا إلى داخل حدود السودان، وأن غرفة السياحة المصرية لم تتحرك على الفور، وقالت إن العيب من شركتنا، على الرغم من أن الشركة (إيجبتوس) تعمل في مجال رحلات السفاري منذ أكثر من 15 سنة. وقال: «كيف يقولون إننا تهنا في الصحراء ونحن كان معنا 3 أجهزة تحديد مواقع بالأقمار الصناعية، وتليفونات ساتالايت (جوال الثريا الدولي).

وأضاف قائلاً: إن الرحلة وصلت أولاً إلى مسافة قرب الحدود المصرية ـ السودانية، من داخل مصر، بحوالي 30 كم، لكي يشاهد السياح رسوما على الصخور تعود لما قبل التاريخ، وأن الرحلة توجهت بعد ذلك، أي يوم الجمعة، شمالاً لمنطقة تسمى وادي صورة، وهي المنطقة التي وقعت بها عملية الاختطاف في ذلك اليوم نفسه.. (عملية الاختطاف حدثت داخل الأرضي المصرية من شمال الحدود السودانية بحوالي 200 كم، وشرق الحدود الليبية المصرية بحوالي 60 كم)، وقال إنه «في تلك المنطقة جاءنا المسلحون الذين اعتقدنا في البداية أنهم يتبعون الجيش السوداني، وكان معهم 4 سيارات «تويوتا لاندكروزر» عليها مدافع من تلك التي لديها القدرة على حصد أرواح المئات، ومدافع مضادة للطائرات، وعدد كبير من أسلحة الآر بي جي.. لكن لاحظت أن الأسلحة في معظمها من موديلات قديمة».

وتابع الصابر قائلاً: «كانوا يرتدون ملابس عسكرية، بما يعطي إيحاء بأنهم كانوا في وقت ما في جيش نظامي.. وعرفت منهم أن جنسياتهم تشادية ودارفورية.. بعضهم يتكلم العربية بلهجة سودانية». وقال رئيس الشركة «إن تلك المناطق الحدودية بين كل من مصر وليبيا والسودان لا يوجد بها عمل وعرفت أن خاطفينا يعملون لصالح حركة متمردة في تشاد لقاء مبلغ يتراوح بين 100 دولار و200 دولار في الشهر.. أقصد بحركة التمرد تلك التي حاولت قبل عدة أشهر اقتحام العاصمة التشادية نجامينا».

ويتذكر الصابر اللحظات المأساوية لتعرض رحلته للاختطاف، قائلاً: «الخاطفون قاموا بتركيعنا على الأرض وأخذوا أجهزة تحديد المواقع بالأقمار الصناعية وتليفونات الثريا والمحافظ الشخصية.. قلبوا كل شيء رأسا على عقب.. كنت أنا و4 سائقين مصريين و2 من الأدلة السياحيين بالصحراء، وضابط حدود مصري، إضافة للسائحين الأجانب.. أخذ الخاطفون كل ما معنا، وزعموا لنا أننا عبرنا إلى داخل حدود السودان بمسافة 200 كم، وفي مرة أخرى زعموا أننا عبرنا إلى داخل حدود تشاد.. هذه المزاعم أعطتنا انطباعا في البداية بأنهم يتبعون حرس الحدود السوداني. قالوا تعالوا معنا لنفتشكم وبعدين نترككم».

وأضاف: مكثنا ثلاثة أيام تحت إمرتهم ونحن نعتقد أنهم حرس حدود سوداني وذلك يوم خطفنا يوم الجمعة وكذلك يومي السبت والأحد، وفي يوم الأحد (21 سبتمبر) قالوا لنا: نحن ناس مغامرون بلا هوية نعيش في الصحراء.

ومضى صاحب الشركة قائلاً: حين عرفوا أنني مدير الشركة المنظمة للرحلة، قالوا لي إن الموضوع موضوع فلوس.. وطلبوا مني هواتف السفارتين الألمانية والإيطالية بمصر (التي ينتمي إليهما 8 من السياح).. فأتيت بأرقام السفارات من الأجانب الذين كانوا معنا، وبدأت أشعر بالخطر على حياتنا، وبدأت كذلك أفكر في طريقة للخروج من هذا المأزق، وقلت لاثنين من الخاطفين اللذين كانا يتحدثان معي، وأحدهما اسمه محمد والثاني لا أعرف اسمه، خذوا الأرقام لكن هذا لن يفيدكم، وذلك لكي استدرجهم إلى ملعبي أنا لا ملعبهم هم، وخاصة أنني أتحدث الألمانية التي لا يعرفونها.. وشرحت لهم أن زوجتي ألمانية، وأنني يمكنني أن أتصل بها وأخبرها بمطالبهم ونقلها للسفارة الألمانية».

وتابع الصابرقائلاً: «مكنني الحديث مع زوجتي بالألمانية من هاتفي الخاص، الذي أعطوه لي لإجراء مكالمات مع زوجتي، بدون أن يعلموا أن به خاصية تحديد مواقع على الأرض عن طريق الأقمار الاصطناعية.. مكنني الحديث معها عبر هاتفي من إبلاغها بالألمانية بإحداثيات المنطقة التي نحن بها، وبمكان وجودنا». وأضاف رئيس الشركة: «في البداية طلبوا 20 مليون دولار، وقلت لهم إن هذا مبلغ كبير جداً، ويستغرق وقتا للموافقة عليه أو الاستجابة له، وقلت لهم: اجعلوا طلباتكم معقولة، أجعلوها أقل.. فطلبوا 6 ملايين دولار، وقالوا لي ما هي الضمانات لوصول المبلغ».

وتابع «قبل أن أتصل بزوجتي قال لي أحد الخاطفين، وهو محمد ذاته الذي كان يتابع معي عملية الاتصالات والمفاوضات، إن الضمانة لاتباع الصدق بيننا هو القسم.. والغريب أنهم كانوا يصومون رمضان ويصلون الأوقات الخمس، ويقولون نحن نريد فلوس من ألمانيا لا مصر، لأن الألمان نصارى أموالهم حلال لنا، أما مصر فأموالها حرام (لنا)».

وعما إذا كان الخاطفون يتبعون جماعة دينية متشددة أو تنظيم «القاعدة»، قال الصابر: «هم ليسوا تبع جماعة تطرف إسلامي.. هم ناس متدينون عاديون وطبيعيين، وفي دماغهم أن الاختطاف والمطالبة بفدية ليس خطأ».

وعن طبيعة القسم الذي أقسمه الخاطفون لاتباع الصدق معهم في ما يتعلق بالطريقة التي سيتم بها تسليم الفدية بأمان، قال الصابر: «تيمم رئيس الخاطفين بالتراب ليتطهر، قبل أن يقسم على القرآن بأنه لن يحدث لنا مكروه، بعد أن يتسلموا الفدية (الأموال)».

وقال رئيس الشركة: «بعد ذلك أتى زعيم الخاطفين بالهاتف الخاص بي، واتصلت بزوجتي، وكان ذلك هو الاتصال الأول بها يوم الأحد قبل الماضي، وقلت لها امسكي أعصابك، وأخبرتها بالمأزق الذي نحن فيه، وقلت لها اطلعي على السفارة الألمانية».

وفي اتصال آخر معها أجابت قائلة إن (المسؤولين) الألمان (بالسفارة) يبلغوننا أنهم مجتمعون الآن مع (المسؤولين) الإيطاليين بالسفارة بالقاهرة.. كنت أنقل هذا الكلام للخاطفين.. وكان الوقت يمضي، وبعد يومين من الاتصالات ورسائل المماطلة التي تنقلها لي زوجتي عن الألمان، نقلت للمسؤول بالسفارة الألمانية بالقاهرة (عبر زوجتي) أنني أريد أن أخرج من الموضوع، وأن تكون الوساطة مباشرة بين الخاطفين والألمان، أو المصريين، وقلت يفضل أن يكون أحد المصريين حتى يمكنه أن يتحدث العربية مع رئيس الخاطفين (أحمد) وذلك حتى لا يشك الخاطفون بتصرفاتي بسبب المماطلة في الرد على مطالبهم من جانب السفارة بالقاهرة».

وأضاف الصابر: في اليوم التالي وأظن أنه كان يوم الثلاثاء أو الأربعاء بدأ الاتصال مع شخص يدعى أحمد، وكان يتحدث من السفارة الألمانية بالقاهرة باللغة العربية، مع الخاطفين، وكنت أنتهز تلك الفرصة لأتحدث مع زوجتي، لأخبرها بالألمانية عن إحداثيات خطوط الطول ودوائر العرض التي نوجد بها، دون أن يعرف الخاطفون بذلك بطبيعة الحال.

وتابع موضحاً: الألمان أمضوا وقتا طويلاً يقولون إن المبلغ المطلوب كفدية كبير، ويقولون أيضاً إنهم ما زالوا يدرسون الأمر.. وبمرور الأيام لم اكن مرتاحا من طريقة أدائهم، وأنا ومن معي من سياح أجانب ومرافقين مصريين وفي اليوم الثامن تحت رحمة الخاطفين.. الخاطفون ملوا وأنا مليت من الموضوع وذهبت واستغرقت في النوم».

وقال الصابر إنه «في اليوم التالي أخبرني محمد والخاطفون الذين معه أن الرجل من السفارة (المدعو أحمد) اتصل بهم وأنه قال لهم إنه سيدفع لهم مليوني دولار، ووافق الخاطفون على المبلغ، بعد أن كانوا يطلبون 6 ملايين دولار، وأنه أخبرهم أيضاً أنهم لو أردوا مبلغا أكبر للفدية فعليهم أن ينتظروا لبعد إجازة عيد الفطر الذي كان موعده على الأبواب.

وبدأ الخاطفون يتشاورون في الأمر، وكانوا قد بدأوا يصبحون أكثر لطفاً معنا، لدرجة أنهم تركونا على بعد 70 متراً من مكان إقامتهم بالصحراء، وكانوا يتركون معنا اثنين من المسلحين لحراستنا. وقلت لهم وهم يتشاورون إن هناك 6 دول واقفة ضدكم، إرضوا بمليوني دولار، وانتم المستفيدون، فقالوا نحن نأخذ بنصيحتك، واتصلوا بالسفارة الألمانية وأخبروها بموافقتهم على أخذ المليوني دولار فقط، لكن بعد الاتصال استمرت المماطلة من جانب السفارة إلى يوم الجمعة الماضي».

وتابع الصابر قائلاً «إن الخاطفين جاءوا في اليوم قبل الأخير من عملية الاختطاف (السبت الماضي)، وأخبروه أن الرجل (أحمد) من السفارة الألمانية اتصل بهم مجدداً وأخبرهم أنه قادم بسيارات ليسلمهم الفدية، ففرحوا، ثم أصابهم القلق مجدداً حين فشلوا في الاتصال به كونه قال لهم إنه سيتحرك باتجاههم، بينما ليس معه هاتفه ثريا (متصل بالأقمار الاصطناعية) للتواصل معهم حتى يصل إليهم، إذ كان من المفترض بحسب الاتفاق ان نتجه إلى داخل الحدود المصرية بـ300 كم لكي يتسلم الخاطفون الفدية ويطلقونا هناك.. كنا نريد استدراجهم إلى داخل حدود مصر، لكن الظروف تغيرت.

وقال صاحب الشركة إنه «في ذلك يوم الأحد الماضي قرر (محمد) وزملاء له لا أعرف أسماءهم من الخاطفين، التوجه إلي ليأتوا بطعام لأن الطعام والمؤن كانت آخذة في النفاد، أما هو والرهائن، فمكثوا مكانهم تحت حراسة باقي المسلحين، حتى حوالي الساعة الثامنة مساء.. أكلنا وقررنا أن ننام، لكن في حوالي الساعة التاسعة جاء لنا بعض المسلحين، ولم يكن بينهم أي ممن كان يتعامل معنا ويتفاوض حول الفدية.. وكانت وجوههم جديدة علينا، قالوا لنا هيا ضعوا كل شيء في السيارات، وبعد أن حملنا السيارات، عزلوا المصريين وحدهم والأجانب وحدهم.. وشدوا أجزاء أسلحتهم الرشاشة استعدادا لضرب النار، لكنهم توقفوا عن ذلك، وقالوا: «أنتم قتلتم الناس بتوعنا، ونحن لن نقتلكم.. هيا امشوا». وأعطونا جهازا واحدا لتحديد المواقع على الأرض بالأقمار الصناعية، وسيارة واحدة من سياراتنا الأربع، وكانت بدون إطار إضافي. ولما اعترضت على ذلك، وطلبت مقابلة رئيسهم الذي كان يتفاوض معنا، لعنوه، وسبوه، ولا نعرف أين اختفى».

وقال لصابر: طوال مدة خطفنا كنا داخل الأراضي السودانية.. حين طلبوا منا الانصراف، تحركنا في الساعة التاسعة والنصف ليلاً، وجلس الأجانب وبعض المصريين داخل صالون السيارة فوق بعضهم بعضا، وتبقى خمسة لم تتسع لهم السيارة فركبوا فوقها، وأخذنا نسير طوال الليل حتى الساعة الخامسة صباحاً شمالاً باتجاه الحدود المصرية مع السودان، وحين وصلنا للحدود، تابعنا السير مسافة 70 كم إضافية.. «فوجدنا عساكر (مصريين) بخيامهم وسياراتهم هناك، ولما رأونا اعتقدوا أننا من الخاطفين، لكننا نزلنا من السيارة فعرفوا أننا نحن الرهائن، فقال لنا العساكر إنهم ينتظروننا هنا منذ أسبوع مضى، ومن هناك تم نقلنا بطائرة عسكرية الى مطار شرق العوينات ومنه في طائرة أكبر الى مطار قرب مطار القاهرة الدولي».

وعن تقديره لأعمار الخاطفين قال إن غالبيتهم في العقد الثالث لكن معهم عدد من المسلحين صغار السن الذين تقل أعمارهم عن عشرين سنة. وعن تفسيره لذهاب رئيس المجموعة وعدم عودته مرة أخرى في اليوم الأخير للاختطاف، قال الصابر: غالبا قوات سودانية أوقفتهم وضربتهم بالرصاص.

من جانب آخر روى الرهينة الألمانية السابقة برند لاوبه، 65 عاما، أن الخاطفين الذين قتل ستة من رفاقهم، بواسطة الجيش السوداني أفرجوا عن الرهائن من تلقاء أنفسهم، و«هذا ما شكل مفاجأة كبيرة لنا، لأننا كنا نعتقد أنهم سيقتلوننا جميعا». ووصف خاطفيه بأنهم «مجرمون وليسوا لطفاء. كانوا يريدون فقط الحصول على فدية، ولم يستخدموا القوة مع الرهائن».

ومن جانبه أكد المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء (الحكومة) المصري، مجدي راضي، أمس أن مصر لن تصدر أي بيان جديد حول الطريقة التي تم بها تحرير السياح والمصريين من أيدي الخاطفين.