مصادر عسكرية إسرائيلية: سورية استأنفت نشاطها لبناء قوة نووية عسكرية

تضارب الروايات حول مقتل عميد سوري في تفجير دمشق * حزب الله يحذر كوادره من الذهاب إلى سورية

TT

وجهت أوساط عسكرية اسرائيلية الاتهامات للقيادة السورية بأنها استأنفت نشاطاتها لبناء قوة نووية عسكرية، وهددت بأن اسرائيل لن تسمح بتكرار النموذج الايراني ولن تنتظر حتى تتمكن دمشق من بناء قوتها النووية وستعمل على وقف هذا المشروع بكل ما أوتيت من قوة.

وقالت هذه الأوساط، في تصريحات لمجموعة من الصحافيين امس، ان سورية وبعد أن تم تدمير المفاعل النووي في دير الزور في السنة الماضية، عادت لتباشر نشاطها لبناء عدة مفاعلات جديدة. وانها تسير في مشروعها على الطريق الايراني، حيث انها تبنيه في عدة مناطق في آن واحد. وأشارت المصادر الى ان كوريا الشمالية تقف وراء المشروع، حيث قام وفد من الخبراء الكوريين بزيارة عمل الى سورية في الشهر الماضي وبدأوا العمل على تخطيط المشروع. وحرصت هذه المصادر على التلميح بأن مصير كل نشاط نووي وكل نشاط في المسار النووي في سورية هو التصفية الشاملة، فذكرت أن هناك ثلاثة حوادث وقعت خلال السنة الماضية وخلال هذا العام «تؤكد ان التسلح النووي لسورية هو خط أحمر يحظر تجاوزه». وأما الحوادث الثلاثة المقصودة هنا فهي كما جاءت على لسان المصادر: ـ أولا: قصف المفاعل النووي السوري في دير الزور يوم 6 سبتمبر (أيلول) 2007، الذي تردد انه مفاعل نووي تبنيه كوريا الشمالية لسورية فيما نفت سورية ذلك. وفي حينه ذكرت مصادر اعلامية وأمنية في الغرب ان قوة كوماندوز اسرائيلية هي التي تسللت الى الأراضي السورية وصورت المكان وأخذت عينات من التربة لفحص الاشعاعات النووية فيها. ثم حضرت طائرات اسرائيلية وقصفت المكان وقامت بتصفية معظم من كان فيه.

ـ ثانيا: اغتيال الجنرال محمد سليمان، المستشار الامني للرئيس السوري بشار الأسد، ومسؤول التسلح في الجيش السوري، بحسب مصادر مطلعة. وهو وفقا لمصادر اسرائيلية كان مسؤولا عن المشروع النووي السوري والتنسيق مع المسؤولين الكوريين. وقد تم اغتياله في شهر أغسطس (آب) الماضي في مدينة طرطوس الساحلية بسورية. ـ ثالثا: عملية التفجير التي وقعت يوم السبت الماضي عند مقر فرع فلسطين بالاستخبارات السورية، على طريق مطار دمشق والتي أسفرت عن مقتل 17 شخصا وجرح 24 شخصا آخرين. وجاء تلميح المصادر العسكرية في تل ابيب لاحتمال تورط اسرائيل في العمليات داخل سورية مناقضا للموقف الرسمي الاسرائيلي، اذ ان اسرائيل لم تعترف حتى الان رسميا بتورطها في قصف مفاعل دير الزور، وكانت زلة لسان بنيامين ناتنياهو، زعيم حزب الليكود، الدليل الاساسي على تورط تل أبيب في العملية، بالاضافة الى تسريبات مصادر استخباراتية اميركية للصحف الاميركية. أما اغتيال سليمان برصاص قناص من البحر، فقد نفت اسرائيل وقوفها وراءه، كما نفى وزير الشؤون الاجتماعية الاسرائيلي اسحاق هيرتزوغ نفيا قاطعا تورط اسرائيل في الاعتداء بالسيارة المفخخة في دمشق يوم السبت الماضي والذي اوقع 17 قتيلا. ونقلت الاذاعة الاسرائيلية العامة عن الوزير قوله «من المستبعد ان ترتكب اسرائيل مثل هذا العمل خصوصا في الوقت الذي نتفاوض فيه مع سورية» للتوصل الى اتفاق سلام. ورأى الوزير الذي كان يتحدث على هامش الاجتماع الاسبوعي للحكومة، انه «قد تكون لإيران مصلحة في هذا الاعتداء» لتخريب أي تقارب بين سورية والغرب.

الى ذلك، قالت المصادر الاسرائيلية في تل ابيب إنه يعتقد بأن بين القتلى في انفجار دمشق ضابطا سوريا كبيرا برتبة عميد يتولى مسؤولية في المشروع النووي ومعه عدد من موظفي الدولة والجيش الذين يعملون في هذا المشروع. وتتضارب الروايات حول هوية العميد الذي قتل في تفجير دمشق، فقد قالت مصادر في سورية ان من بين قتلى التفجير العميد في الجيش السوري جورج ابراهيم الغربي، موضحة انه قتل مع نجله وملازم وجندي لدى مرور السيارة التي كانت تقلهم جميعا بالقرب من مكان التفجير. وأوضح أحد أقرباء العميد أن العميد المهندس جورج إبراهيم الغربي كان يعمل في الإدارة الإنتاجية للجيش السوري. لكن وكالة أنباء «آكي» الإيطالية نقلت عن مصادر من المعارضة السورية قولها «إن الانفجار أدى إلى مقتل العميد عبد الكريم عباس، نائب رئيس فرع فلسطين للمخابرات السورية، وهو أحد أقوى الفروع الأمنية السورية وأكثرها صيتاً» ولم ترد سورية على هذه التقارير، كما لم تعلن أسماء القتلى حتى الان. ووفقاً لمصادر وكالة الانباء الايطالية فإن العميد عباس هو أحد الذين تم التحقيق معهم في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وقد توفي ابنه في العملية أيضاً. ولم يتسن لـ«الشرق الأوسط» التأكد من صحة هذه المعلومة من مصادر رسمية سورية.

من ناحيتها، ذكرت مصادر غربية في اسرائيل، أمس، ان التفجير الأخير تسبب في توتر آخر في الأجواء الاسرائيلية ـ السورية، ولكن دمشق امتنعت عن اتهام اسرائيل مباشرة بالمسؤولية عن هذه العملية واكتفت بالقول ان هناك عناصر خارج الوطن ساهمت في هذا التفجير. وأضافت المصادر الغربية ان اسرائيل تسعى بكل الطرق لضرب سورية والتخريب على أجواء الانفراج التي بدأت تسود بين دمشق وبين عدد من العواصم الغربية وخصوصا في أوروبا.

وفي دمشق، هيمنت أجواء التفجير الانتحاري على أجواء العيد. وركزت خطبة العيد التي ألقاها الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي على «العملية الإرهابية» التي اعتبرها «حربا معلنة على الله والأمة» وذلك بعد أن أمّ صلاة عيد الفطر، في مسجد بني أمية الكبير، بحضور الرئيس السوري بشار الأسد وكبار المسؤولين في حزب البعث والدولة والجبهة الوطنية التقدمية وعدد من أعضاء مجلس الشعب والمفتي العام للجمهورية وكبار ضباط الجيش والشرطة وعدد من علماء الدين وجمهور من المواطنين. ونبه البوطي إلى أن «السبيل الأول لمواجهة من يستخدم الإسلام مطية لأهوائه وجرائمه إنما يكون في تحقيق المزيد من التضامن وتحقيق التآلف وسد الثغرات التي تمزق الصفوف وتفرقها». ودعا إلى «عدم جعل الاختلاف في الفكر سبباً للشقاق والخصام، لأن العدو هو المستفيد والرابح الأكبر من تفرقنا واختلافنا». واستنكر البوطي العملية الإرهابية التي أودت بحياة عشرات الأبرياء، معتبرا أن «من قام بهذا العمل الإجرامي إنما قصد النيل من الأمن والاستقرار والطمأنينة التي تعيشها هذه الأرض المباركة لأن الاستقرار هو رأسمال كل بهجة وكل تقدم في حياة الأمة». وقال «إن هذه العملية حرب معلنة على الله وعلى الأمة»، مؤكداً أن «من نفذ هذه العملية الإجرامية لا يمت بأي صلة للإسلام أو المسلمين». لافتا إلى أن «العالم بأركانه الأربعة استنكر ما حدث من جريمة وبعث بتعازيه، وهذا يدعونا إلى المزيد من الثبات على مبادئنا والحفاظ على وطننا وتحصينه في وجه كل ما يتعرض له من مؤامرات». ويتمتع الشيخ الدكتور محمد رمضان البوطي بشعبية واسعة في الأوساط الدينية السورية الشعبية، ويمتلك تأثيرا مهما فيها، كما يتمتع بمكانة مرموقة لدى السلطة السياسية، وكانت إمامته الصلاة امس لافتة إذ انه بلا اي منصب رسمي في المؤسسات الدينية الرسمية. الى ذلك وعلى صعيد آخر، قالت مصادر لموقع الكتروني لبناني هو «لبنان الان» إن حزب الله أصدر تعميمًا على كوادره، لا سيما مسؤولي الأمن في الحزب، بوقف زياراتهم الى الاراضي السورية بشكل قاطع وحتى إشعار آخر، وذلك بعد عملية التفجير في دمشق على تقاطع محلة السيدة زينب في دمشق. ورفض حزب الله التعليق على النبأ في اتصال مع «الشرق الأوسط». ووفقا للمعلومات فإن حزب الله، الذي كان قد طلب من كوادره اتخاذ الحيطة والحذر أثناء زياراتهم العاصمة السورية بعد اغتيال قائده العسكري عماد مغنية، حّول هذا الطلب ـ التنبيه الى «تعميم حازم» منذ ثلاثة أيام، أي بعد وقوع الانفجار.