البلدة القديمة في الخليل: مدينة أشباح.. الكلمة فيها للمستوطنين

الفلسطينيون يحتمون بشبكات من الأسلاك الشائكة من حجارة 450 زائرا غير مرغوب فيه

TT

لم يستطع رمضان، ان ينقذ البلدة القديمة في الخليل، جنوب الضفة الغربية، من بؤسها الشديد. وبرغم ان بعض العائلات الفقيرة تدفقت الى شوارع البلدة القديمة، للتسوق، بسبب انخفاض اسعار المواد الغذائية هناك، بعد الدعم الذي قدمته البعثة الدولية، للتجار والمخابز الا ان زوارها ظلوا بالعشرات فقط. الطريق الى البلدة القديمة، سهل للغاية، فالوصول اليها سهل من دون دليل وبدون خرائط، فكل الطرق، باستثناء واحدة، موصدة بالابواب الحديدية الكبيرة، وشبكات من الاسلاك الشائكة، وحواجز الجيش الاسرائيلي. بعض بقايا الخراب والدمار، لا يزال حاضرا في جنبات البلدة. وحدها الأعلام الاسرائيلية تعلو الطوابق العليا لمحلات الفلسطينيين. بينما يتخذ الجنود من المباني العالية المطلة على البلدة ابراجا للمراقبة، لحراسة حوالي 450 مستوطنا يعيشون وسط اكثر من 110 آلاف فلسطيني.

فسوق «الخواجات» كان خاويا فلا «خواجات» ولا «فقراء»، والمحلات التي كانت تبيع الاقمشة الفاخرة، للاثرياء من اهل الخليل وزوارها اغلقت ابوابها. وبعضها تحول الى «بسطات» لبيع المواد الغذائية.

«اللي معهم مصاري انتقلوا الى المدينة الجديدة في الخليل»، قال لـ«الشرق الاوسط»، بدر كاتبة، الذي كان يجلس الى احدى البسطات. واضاف «انا حولت المحل الى بسطة، بدنا نعيش». لكنه تابع «الحركة ميتة» منذ 8 اعوام، اي منذ ان بدء الجيش يفرض حظر منع التجول». وقال كاتبة، 46 عاما «انا ولدت في السوق، لقد كان يدر علينا ذهبا، انظر اليه الان فقد تحول الى مدينة اشباح». ويعزز من قول كاتبة، ان عشرات البيوت التي زرناها هجرها اهلها، بسبب مضايقة المستوطنين الذين يوصفون بالاعنف في معاداة العرب. وحتى اولئك الفقراء من الفلسطينيين الذين جاءت بهم لجنة اعمار الخليل، واسكنتهم في منازل في البلدة القديمة، من دون مقابل، تركوها بفعل المستوطنين. المارون في الشارع الوحيد في البلدة القديمة، كثيرا ما يلتفتون للاعلى، خوفا من ان يلقي عليهم احد المستوطنين حجارة او ما شابه. وفي حي «قصبة السوق» وسط البلدة القديمة يبدو التداخل السكاني مذهلا للغاية. يعتلي اليهود محلات العرب ويفصل بين بيوتهم وبيوت الفلسطينيين بضعة امتار. ويمكن لاي شاب ان يقفز من شرفة احد منازل اليهود، لشرفة منزل عربي، والعكس. اصحاب المحلات يفضلون البقاء داخلها، ويغطون مساحة طويلة من الشارع بشبكة من الأسلاك الشائكة، حتى تحميهم من قاذورات المستوطنون. والدليل على ذلك بقايا قاذورات والحجارة وبعض الملابس الداخلية التي يمكن مشاهدتها على الشبكة. وقال جهاد ابو رميلة، وهو يقف تحت الشبكة، «لم نجد وسيلة لنحمي انفسنا الا بهذ الطريقة كانوا يلقون علينا كل شيء يمكن ان تتخيله بما فيها قناني البول». واضاف «قبل يومين كادوا يقتلون احد المصلين العائدين من صلاة الفجر (اشار بيده) عند هذا الكرسي القوا عليه صخرة كبيرة لولا رحمة الله». وبسبب ذلك، «لا يوجد اي زوار» كما يقول ابو رميله، «فالناس لا تخاطر بحياتها من اجل ان يشتروا من البلدة القديمة». ويبيع ابو رميله الجلود والفرو، وقال «كان محلي هذا يغنيني اما اليوم انا افتحه لساعة واحدة فقط».

فوق دكان ابو رميله، توجد عائلة يهودية، طرد الجيش عائلة فلسطينية، كانت تسكن قبالتها في الشهور الماضية. وقال ابو رميله، «اليهودية وابناؤها كانوا يرمون الحجارة على المنزل الفلسطيني، ويسبون الاسلام، ومن ثم اشتكوا للجيش من ان الفلسطينيين يسبونهم ويرمونهم بالحجارة، فطرد الفلسطينيون، واغلق المنزل كما ترى». في نهاية الشارع، يوجد بقايا ما كان يعرف بالسوق المركزي، ايضا اغلقه الاسرائيليون، وهناك بدت كل البيوت مهجورة بما فيها عيادات لبعض الاطباء لا زالت اسماؤهم فقط متروكة على الجدران.

الى جانب السوق، تعلو بناية حديثة، ايضا بدت شديدة التحصين، انها مدرسة اسامة بن المنقذ التي تحولت الى المعهد التلمودي. كل الطرق مغلقة يمينا ويسارا، وفقط العودة الى الشارع الوحيد كانت كفيلة لاخذنا الى الحرم الابراهيمي، المغلق ايضا بالبوابات والجنود والاسلاك الشائكة. في مكان قريب من الحرم، يبيع عزمي السيوري التحف الشرقية، في محل عمره 40 عاما، قال ان بعض الاجانب يشترون منه احيانا لكنه لم يشهد في حياته اسوأ من هذه السنين. ويحتفظ السيوري بلوحة فنية زيتية له، رسمها فنان بريطاني كي يشجعه على البقاء. وكان الفنان كايبر هول، رسم حوالي 70 لوحة فنية زيتية لوجوه تجار البلدة القديمة مساهمة منه في تسليط الضوء على واقعهم.

واعبتر هول كما قال للتجار انه من خلال رسم وجوههم يحاول المساهمة في تشجيعهم على البقاء للدفاع عن مصدر رزقهم بالرغم من اجراءات الاحتلال.

وكان هول اطلق على مشروعه المثل العربي، «من عاشر القوم 40 يوما صار منهم» بعد أن سكن البلدة القديمة بالخليل لاكثر من شهرين. وقال التجار انه تزوج بمسلمة.

وتشهد البلدة القديمة، مؤخرا مساعي حثيثة من بعض المؤسسات الفلسطينية لاحيائها وتخطط ما يزيد عن 70 مؤسسة حكومية وغير حكومية، لإعادة الحياة الطبيعية للبلدة، من خلال حملة وطنية تعمل على رفع الاغلاقات. ويخطط القائمون على «الحملة الوطنية لكسر ورفع الاغلاقات عن البلدة القديمة»، للفت أنظار العالم اليها.

ويشير القائمون على الحملة، الى أنهم سيكثفون فعالياتهم، التي تتضمن احتفالات وندوات وزيارات ميدانية وزيارات تضامنية، وعمل عريضة احتجاجية ودعوة المسؤولين في السلطة وإصدار رسائل للخارج والمتضامنين في كافة أنحاء العالم ومطالبتهم بزيارة البلدة القديمة.

وقال خالد القواسمي مدير عام لجنة اعمار الخليل، «سيطلب من الحكومة افتتاح مقار لوزاراتها في البلدة». وفي طريق العودة مررنا بالتاجر كاتبة الذي انهى الكلام بالقول «الحل من الله».