الحياة في زيمبابوي .. انتظار طويل للحصول على أموال لا قيمة لها

المستشفيات لا أدوية فيها والمعلمون يقبلون أن يدفع لهم الأهل زيت الطعام مقابل تدريس أولادهم

TT

في الساعة الثانية والربع بعد منتصف الليل، استفاقت روز مايو وزوجها من فراشهما على صوت هاتفها الجوال يردد: «حان وقت الاستيقاظ...». تسلل الزوجان بهدوء من فوق سرير ابنتيهما سندريلا البالغة من العمر 9 سنوات، وتشريسي التي تكبرها بعام واحد، النائمتين على أرضية المنزل المكون من غرفة واحدة، والكائن في منطقة فقيرة جدا.

وبدأ الزوجان جولتهما تحت ضوء القمر للذهاب إلى البنك. أعطاهما الحارس على مدخل البنك رقمًا للوقوف في الصف. كان الرقم 29. وصلا وهما يأملان بأن يتمكنا من سحب الحد الأقصى من الاموال من العملة الزمبابوية التي سمحت بها الحكومة الشهر الماضي، وهو ما يعادل دولارًا واحدا أو اثنين. تعيش زمبابوي في ظل أكبر نسبة تضخم في تاريخ العالم. وشعب هيراري، العاصمة التي كانت من أكثر العواصم المفعمة بالحيوية في يوم من الأيام، يعيشون في نضال دائم بهدف. انتهى الأمر بالكثير من المواطنين بالتحول إلى باعة متجولين، منهم من أصبح عالة أو قراصنة، أو محتالين في السوق السوداء. والكثيرون منهم لا يتناول إلا وجبة واحدة أو اثنتين على الأكثر في اليوم. وتدل وجناتهم الغائرة على سوء التغذية الذي يعانون منه. ومثل الكثير من شعب زيمبابوي، قامت مويو بحساب سعر البضائع على أساس عدد الأيام التي ستقوم فيها بالإنفاق لشرائها وذلك أثناء وقوفها في طابور البنك لسحب الأموال لشراء تلك البضائع والسلع: يوم لشراء قطعة من الصابون، ويوم آخر لشراء كيس من الملح، وأربعة أيام أخرى لشراء كيس من دقيق الذرة. وقد رفعت السلطات في هذا اليوم من الحد المسموح به لسحب الاموال، ولكن مع تجاوز التضخم ما يقول عنه الاقتصاديون المستقلون إنه تقريبًا يبلغ نسبة لا يمكن تصورها بحوالي 40 مليون في المائة، تقول مويو إن قيمة المبلغ الجديد سرعان ما ستكون زهيدة هي الاخرى. وتقول مويو البالغة من العمر 29 عاما والتي تبيع الخضروات التي تزرعها في حديقتها مقابل عشر سنتات للحزمة: «من يتمتع بصحة جيدة يمكنه ان يعيش، وإن لم تكن سليمًا أو قويًا جسمانيًا فستموت جوعًا».

ويقول الاقتصاديون إن الاقتصاد في زمبابوي ينهار بسرعة الضوء. وتفشى التضخم في البلاد بعد ان صكت الحكومة عددا كبيرا غير مسبوق من الأموال، حيث ارتفع من ألف في المائة في العام 2006 إلى 12 ألفا في المائة عام 2007. ونظرًا لضخامة هذا الرقم، اضطرت الحكومة إلى سحب 10000000000 من عملتها في أغسطس (آب) الماضي للمحافظة على الحسابات القومية من خطر الغرق، (وهذا لتجعل الدولار الأميركي يعادل 10 تريليون دولار زمبابوي). ويقول جيفري ساش، أستاذ الاقتصاد من جامعة كولومبيا، إن التضخم الهائل في زمبابوي يأتي بين خامس أسوأ تضخم حدث في العالم، وذلك إلى جانب ما حدث في ألمانيا في العشرينات، واليونان وبلغاريا في الأربعينات، ويوغوسلافيا عام 1993. وما زاد الطين بلة أن النقد ذاته أصبح شحيحًا، حيث يقول مديرو الشركات والدبلوماسيين أن غيديون غونو، محافظ البنك المركزي الزمبابوي، يائس من تزويد آلية نفوذ الحزب الحاكم بالعملة الأجنبية، الأمر الذي دفع بالمهربين إلى الشوارع بحقائب العملة المحلية لشراء ما يمكن شراؤه من الدولار الأميركي والرند الجنوب أفريقي من الأسواق السوداء، وهو ما أدى إلى عدم فعالية الدولارات الزمبابوية الممكن ذهابها إلى البنك. ونتيجة لقلة النقد، حدت الحكومة من المبالغ التي يمكن للأفراد سحبها من البنك. وفي المقابل، يقول الزمبابويون إنهم غالبًا ما ينتظرون لساعات طويلة لكن دون جدوى، وأن البنوك غالبًا ما تصرف عملاءها صفر اليدين. ولم يستجب غونو الذي يلقي باللوم على عاتق العقوبات الأجنبية، لطلبات إجراء حوار معه، إلا أنه صرح عبر وسائل الإعلام المحلية هذا الأسبوع بأنه سيتجه إلى الصك والتوقيع على الأموال حتى يتم رفع العقوبات. ويقول الاقتصاديون إن السبيل الوحيد الذي يمكنه إيقاف سقوط زمبابوي في دوامة التضخم هو إيجاد حل سياسي بإمكانه السيطرة على اقتصاد البلاد بعيدًا عن يدي روبرت موغابي. ويقول البروفيسور ساش: «هذه نهاية اللعبة» فالخدمات العامة تدهورت فعليًا نظرًا لرحيل الخبراء في السنوات الأخيرة، كما أنها مستمرة في التدهور إلى مستويات أكبر بكثير بعد أن قرر عشرات الآلاف من المدرسين، والممرضات، وجامعي النفايات، وحتى البوابين في الذهاب إلى أعمالهم، نظرًا إلى أن الرواتب التي يتلقونها أصبحت عديمة القيمة، بل ولا تغطي حتى تكلفة استقلال حافلة للذهاب إلى العمل. ويبيع المدرسون لتلاميذهم الحلوى والبسكويت، أو أنهم يقبلون أن يدفع لهم أولياء الأمور الدقيق وزيت الطعام مقابل التدريس لأطفالهم. ومع ذلك، فإن الزيمبابويين لديهم قدرة أسطورية على الحياة، بالرغم من الصعوبات الاستثنائية التي يعاصرونها، تساعدهم الملايين التي يرسلها إليهم أبناء البلاد الذين فروا من البلاد إلى الخارج للهروب من القمع السياسي، والحرمان الاقتصادي من أجل مواصلة أعمالهم ومساندة المئات من ذويهم. إلا أن الظروف والأوضاع المتدهورة تفرض ضغوطًا هائلة وتدفع بالسكان الى الهجرة . وفورشيونات نايبندا، هي من الذين يفكرون في الرحيل، ويبلغ راتبها الشهري 3600 دولار زيمبابوي (أو حوالي 36 تريليون دولار قبل أن تعيد الحكومة صياغة رقم العملة المحلية في أغسطس)، حيث أن راتبها لا يكفي لدفع أجرة الحافلة التي تقلها لعملها في مستشفى باريرنياتوا لاكثر من أربعة أيام. ومع ذلك، فإنها تواظب على الذهاب إلى عملها حتى الآن، حيث تركب عربة التروللي الخاصة بالدقيق من حي إلى آخر، لأنه من الممكن أن تضاعف الأجر الذي تتقاضاه يوميًا بمقدار 20 سنتًا، لأنها تبيع للمرضى بعض الاحتياجات الضرورية التي لا توجد غالبًا في مخازن المستشفى، مثل مناديل الحمام، ومعجون الأسنان، والصابون. ويمكن أن تجد الكثير من التعبيرات المشيرة إلى الحالة المفجعة التي تعيشها البلاد حتى في المقالات الأخيرة لصحيفة «هيرالد»، والمتحدثة باسم موغابي، حيث انها الصحيفة الوحيدة المسموح لها بالنشر. فجثث الفقراء المعوزين في أكثر الدول ضعفا وفسادا يتم تكديسها في ثلاجة مستشفى بيتبريدج ديستركت للموتى، لأن السلطات لم تبحث لهم حتى على قبور يدفنون بها. كما أن مستشفى هارار سنترال خفض من عدد الحالات التي يقبلها بحوالي النصف تقريبًا لأن عمال النظافة فيها لم يعد بمقدورهم تحمل أعباء العمل.

* خدمة «نيويورك تايمز»