واشنطن تمول دعايات مؤيدة لها ولحكومة بغداد في وسائل الإعلام العراقية

تعاقدت مع 4 شركات أميركية لكسب تأييد العراقيين من دون الإعلان عن الجهة الممولة

TT

من المقرر ان تقوم وزارة الدفاع بتقديم أموال لمقاولين أميركيين داخل العراق تصل إلى 300 مليون دولار على مدى السنوات الثلاث القادمة بهدف إنتاج تغطيات صحفية وبرامج ترفيهية وإعلانات ترتبط بالخدمات العامة في وسائل الإعلام العراقية، وذلك في إطار الجهود الرامية «للتقرب إلى وإلهام» السكان المحليين بهدف كسب تأييدهم للأهداف الأميركية والحكومة العراقية. ومن شأن العقود الجديدة، التي تم منحها الأسبوع السابق إلى أربع شركات، توسيع نطاق وتعزيز ما تُطلق عليه المؤسسة العسكرية الأميركية اسم «العمليات الإعلامية/السيكولوجية» في العراق.

جدير بالذكر، أن دور المؤسسة العسكرية في حرب الأفكار شهد تحولا جوهرياً على مدى السنوات الأخيرة، وذلك نتيجة الموارد الضخمة التي يتمتع بها البنتاغون وإقرار استراتيجية إزاء عمليات مكافحة التمرد تعتمد على السيطرة على المعلومات باعتبارها عنصرا جوهريا لضمان النجاح. والآن، بات المتخصصون والمقاولون بمجال الاتصالات جزءا لا يتجزأ من العمليات العسكرية الأميركية من شرق أوروبا وحتى أفغانستان وما وراءها. ويعد العراق، حيث جرى إنفاق ملايين الدولارات على مثل هذه العقود، الساحة التي شهدت حدوث مثل هذا التحول.

ويراود البنتاغون في بعض الأحيان الشعور بأنه يحاول مجرد اللحاق بسرعة التطورات التي تشهدها السوق الدعائية التي يهيمن عليها تنظيم القاعدة، والذي تتضمن عملياته الإعلامية بناء مواقع معقدة على شبكة الانترنت وشرائط سمعية ومصورة تم إنتاجها بحرفية عالية لأسامة بن لادن وكبار معاونيه. يذكر أن وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس كثيراً ما أشار إلى أن بن لادن « شخص يقبع في أحد الكهوف يتفوق علينا بمجال الاتصالات».

إلا أن مسؤولي وزارة الدفاع يعتقدون أن منتجاتهم على هذا الصعيد أصبحت تتميز بطابع إبداعي وتنافسي متزايد. وأكد أحد المسؤولين أن الحملات الإعلامية التي أنتجتها المؤسسة العسكرية والمقاولون وركزت على عمليات القتل التي نفذها المتمردون «ساعدت في تنمية توجهات دفعت العراقيين لرفض تنظيم القاعدة في العراق على مدى العامين السابقين».

وأضاف أنه الآن مع حالة الفوضى التي تواجهها حركة التمرد، من المحتمل أن تثبت الأدوات ذاتها فعاليتها في تقليص نفوذ إيران المجاورة. يذكر أن النشرات والإعلانات التي أنتجتها واشنطن داخل العراق تضمنت الإشادة بالتحسن الذي شهدته الخدمات الحكومية وعملت على تعزيز المصالحة السياسية وأثنت على المؤسسة العسكرية العراقية وحثت المواطنين على الإبلاغ عن النشاطات الإجرامية. وعندما تنامت المشاعر الوطنية بصورة مفاجئة العام السابق في أعقاب فوز مطربة عراقية في مسابقة للمواهب أُجريت في لبنان، درست الولايات المتحدة فكرة إنتاج نسخة عراقية من برنامج «أميركان أيدول» بهدف المساعدة في بناء مشاعر وطنية غير طائفية. إلا أنه تم التخلي عن الفكرة باعتبار أنها بالغة التكلفة، حسبما أكد أحد المسؤولين، مضيفاً أن المسؤولين الأميركيين يعكفون على دراسة السبل الممكنة لتعزيز المصالحة في العراق. وقد شرح أحد المسؤولين كيفية عمل جزء من البرنامج بقوله: «يقوم أحد المقاولين بإنتاج مقطع مصور.. يُظهر أسرة تتعرض للهجوم من جانب مجموعة من الأشرار، ويتم اختطاف ابنتها. والرسالة مفادها: عليكم التصدي للعدو». وأضاف أنه يجري عرض هذا المقطع الذي يتم إنتاجه بحرفية: «لبثه على العديد من المحطات التلفزيونية بالعراق.. دون علمها أن المصدر الأصلي لها هو الحكومة الأميركية. فلو علمت بذلك، لن تذيع أي شيء». واستطرد مؤكداً أنه: «إذا سألت معظم العراقيين، سيجيبون: لقد صدرت عن الحكومة، حكومتنا». وأشار البنتاغون في الشروط الخاصة بالمناقصات التي أجريت بهذا الشأن الى أن المواد الإعلامية التي سيتم إنتاجها «قد يتم نسبها إلى قوات التحالف وقد لا يحدث ذلك». وأكد مسؤول آخر أنه بالنسبة للعراقيين: «إذا علموا أننا نقوم بذلك، لن يصبح الأمر بنفس الفعالية. في الشرق الأوسط، تنتشر مخاوف بالغة من أن يتم إضفاء صبغة غربية.. لذا عليك التحلي بالحذر عندما تحاول توصيل معلومات إلى السكان».

يذكر أن الإرشادات الخاصة بالجيش فيما يتعلق بمكافحة حركة التمرد، والتي شارك الجنرال دافيد بترايوس في صياغتها عام 2006، تصف بالتفصيل العمليات الإعلامية، مشيرة إليها باعتبارها واحدة من النشاطات العسكرية «الحيوية» والتي «لا تتضمن قتل المتمردين». والمعروف أن بترايوس، الذي تولى قيادة القوات الأميركية في العراق مطلع العام السابق، قاد «موجة تعزيز شديدة» في أعداد القوات وجهود الحرب الإعلامية.

وقد نشأت بعض عناصر الاستراتيجية الجديدة عن تجارب بترايوس المبكرة في العراق، فباعتباره قائد الفرقة 101 المحمولة جواً في شمال محافظة نينوى عام 2003، عمل على سرعة إعادة محطات الراديو والتلفزيون المدمرة إلى العمل. وبناء على ضغوط منه، تضمنت بعض أوائل البرامج التي بثها التلفزيون «البحث عن مواهب نينوى» وبرنامج إذاعي حواري قام بدور المضيف فيه المترجم العربي، سادي عثمان، وهو فلسطيني ـ أميركي. وقد ظل عثمان، الذي سبق له العمل سائقاً في نيويورك لحساب مؤسسة إس. أو. إس. انترناشونال، إلى صف بترايوس خلال عمليات النشر العسكري اللاحقة التي نفذها الجنرال الأميركي داخل العراق. ويشير إليه بعض المحيطين ببترايوس باعتباره مستشارا كبيرا معاونا له. جدير بالذكر، أن إس. أو. إس. انترناشونال كانت واحدة من أبرز جهات المقاولات في مجال الاتصالات العاملة داخل العراق. وفازت بعقد لمدة عامين بقيمة 200 مليون دولار عام 2006 من أجل «المساعدة في جمع معلومات وإجراء تحليلات وتوفير حلول ومشورة مناسبة فيما يخص وجهات النظر الثقافية والدينية والسياسية والاقتصادية والعامة».

أما الشركات الأربع التي سوف تتشارك في العقد الجديد فهي: إس. أو. إس. انترناشونال، ولينكولن جروب التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، وإم بي آر آي، وليوني إندستريز، ومقرها لوس أنجليس. وجميعها مؤسسات متخصصة بمجال الاتصالات الاستراتيجية وسبق لها العمل بالمجال الدفاعي.

ويتعين على المقاولين الحصول على تصريحات أمنية وتقديم براهين تثبت امتلاك فرق عملهم لقدرات لغوية كافية ومعرفة بالثقافة الغربية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»