أحد مرافقي السياح العائد من الاختطاف لـ«الشرق الأوسط»: أديت صلاة الحاجة اعتقادا بأن الخاطفين سيطلقون النار

قال: أقران وزملاء للعصابة كانوا ينظرون إلينا كأننا حيوانات أليفة للتسلية

TT

تسلل محمد عبد العظيم مرافق السياح في رحلة السفاري التي تم اختطاف أعضائها جنوب غربي مصر يوم 19 سبتمبر(أيلول) الماضي، وتم تحريرهم بعد أن ظلوا رهائن لدى مختطفيهم لمدة 10 أيام ـ تسلل ـ لقضاء صلاة الحاجة، استعداداً للموت.. عسى أن ينجيه ربه بعد أن رفع أفراد العصابة أسلحتهم الآلية في وجوههم انتقاما لمقتل زملائهم، ثم فجأة عادت دماء الحياة إلى شرايينهم، وتغير كل شيء وبدأت رحلة النجاة.

يعود محمد عبد العظيم الذي قضى ساعات العيد بين والديه وهو يلملم «نُدْبَات» الرحلة المشؤومة بالذاكرة قليلا للوراء ويحكي تفاصيل الاختطاف والتحرير والعودة من بين براثن الموت فيقول: «كانت الرحلة شاملة هضبة الجلف الكبير، ومنطقة بحر الرمال ولم يكن من المفترض أن أشارك فيها لولا اعتذار المرشد البديل في السادسة صباحا قبيل انطلاقها بساعة تقريبا ومرت الأمور بشكل طبيعي من القاهرة للفيوم ثم إلى الواحات البحرية، والفرافرة فالواحات الداخلة التي انطلقنا منها يوم 16 سبتمبر الماضي متجهين إلى الجلف وبالتحديد منطقة (كركور طلح) – لنمكث فيها بعض الوقت ثم ننطلق مرة أخرى إلى الشمال وبالفعل حدث ذلك، وبعد زيارتنا منطقة كهف العوامين بـ(العوينات) التي تحتوي على رسوم إنسان ما قبل التاريخ، كنا متفقين على الذهاب للتخييم في منطقة كانت في الأصل مطارا إنجليزيا أثناء الحرب العالمية الثانية ثم غرزت إحدى السيارات بمنطقة (غرود) رملية بالقرب من وادي صورة فأوقفنا السيارات الأخرى وبدأنا الجر وما إن رفعت عيني حتى فوجئت بنحو أربعين ملثما من ذوي ملامح أفريقية ويتكلمون بعض العربية بلكنة أعجمية يحاصروننا، فظننا أنهم مجموعة من المهربين سيطلبون بعض الطعام والماء، رفعوا أسلحتهم في وجوهنا ثم سألوا عن المترجم المنوط بالتعامل معهم ثم جمعوا أجهزة الثريا و(الجي بي اس) ومعها كل ما خف وزنه وغلا ثمنه كأجهزة الجوال والنظارات والكاميرات واعتقدنا أن العملية انتهت عند هذا الحد، لدرجة أن رئيس الشركة طالبهم بترك أجهزة الـ(جي بي اس) حتى يمكننا العودة مرة أخرى من دون أن نتوه في الصحراء، ولكن قائد العصابة عاجله بالقول: (لن تتوهوا لأنكم معنا)».

ويصف عبد العظيم رحلته التي أصبحت إلى المجهول ويقول: «لم نكن نعرف ما هو مصيرنا وهل سنعيش مرة أخرى أم لا؟.. الغريب أن البعض لم يكن يدرك حجم المأساة التي وقعنا فيها، لدرجة أن سائحا إيطاليا صاح في وجه أحد أفراد العصابة الذي كان يقود السيارة بسرعة شديدة، طالباً منه تقليل السرعة، ورد زملاء السائق على السائح برفع الأسلحة وتهديده بالقتل لو فتح فمه، وعندها عاجلته بالقول: إنك الآن لست في تاكسي في روما إننا مختطفون وقد يقتلوننا».

وبحسب عبد العظيم، فإن الركب كله بعد ذلك باتجاه الحدود السودانية، ولكن لم يعبروا إلى السودان «كنا نعرف ذلك من مراقبة عداد السيارة وخيمنا في منطقة مستوية وبدأت المحنة عمليا.. فلم يكن الطعام كافيا وكنا صائمين وأثناء ذلك جاء ثلاثة أشخاص إلينا وحاولوا طمأنتنا منهم شخص اسمه محمد، لكن تركزت كل جهودي في الحديث معهم عن تأكيد أننا بعيدون عن أي صراع سياسي، وذلك لأنني خشيت أن يكونوا أعضاء في أحد الفصائل التي لها أغراض سياسية.. وحاولت استمالتهم فقلت لهم إننا نحب السودانيين ويكفي أن النيل يجمع بيننا، فبادروني بقولهم انهم ليسوا سودانيين، وقال لهم صاحب الشركة (إننا لا نهتم بالسياسة ومشاكلها فنطاق عملنا هو السياحة) والغريب أنهم ظلوا لمدة طويلة تقترب من الساعة لا يفهمون ما معنى السياحة». ويضيف عبد العظيم: «كانت العصابة تنتقل بنا باستمرار وتفاوتت مدة الإقامة في المكان الواحد ما بين عدة ساعات وثلاثة أيام، وفي الطرق كنا نقابل أقرانا وزملاء للعصابة كانوا ينظرون إلينا كأننا حيوانات أليفة للتسلية في حديقة حيوانات كما تفاوتت طرق التعامل معنا ما بين اللين والشدة، فأكثر اللحظات التي قضيناها مرحاً كانت تلك التي تلت التفاوض على الفدية وقبولهم بتخفيضها إلى مليوني دولار بعد أن كانت 6 ملايين يورو فعندها كافأونا بالمياه الغازية التي أحضروها عن طريق هاتف (الثريا) ووصلت بعد وقت قصير من الاتصال وكأن الصحراء بها (ديلفري أو التيك أواي) أما أكثرها عنفا وحدة فكانت الساعات التي أعقبت الأنباء عن مقتل ستة من أفراد العصابة في هجوم قال الخاطفون ان الجيش شنه على سيارتهم، وكذلك بعد رؤيتهم لطائرات الاستطلاع المصرية في السماء، بعدها ساروا بنا إلى حدود السودان وتوغلوا لمسافة 380 كيلومتراً داخل حدود السودان وكان السفر ليلا وفي الصباح كانوا يجمعون الملاءات والأغطية التي كنا نحتمي بها من الشمس ونفردها بين السيارات الواقفة كنوع من العقاب، ثم كانت أكثر اللحظات رعباً عندما طلبوا من المصريين المرافقين للسياح، أن يقفوا صفا واحداً في جانب، والسائحين في جانب آخر، ثم أخبرونا أن الجيش المصري قتل أقرانهم وبدا أننا في طريق الموت خاصة بعد أن شدوا أجزاء الأسلحة استعدادا لإطلاق النار عليهم».

يقول عبد العظيم تسللت خفية لأصلي صلاة الحاجة، فلم أكن أصدق أنني سأنجو، وبعد انتهائي من الصلاة، فوجئت بزعيم العصابة يقول للجميع «نحن لسنا قتلة.. انطلقوا الآن»، ثم أخذوا سيارات الشركة الثلاث، وتركوا لنا سيارة واحدة وجهاز GBS واحدا وكان علينا أن نركبها جميعا رغم أن عددنا 19 فردا».

لم تكد تنتهي مأساة الاختطاف حتى كان الموعد مع محنة أخرى، فالسولار لا يكفي إلا للسير 300 كيلومتر فقط ونحن على بعد 380 كيلومترا داخل السودان، كما أن الأطعمة نفدت وكذلك الماء ولو تلف إطار واحد في السيارة لضاع كل شيء كما أن العدد كبير جدا على قدرة السيارة ومن المرجح أن يقعوا في أسر إحدى ميليشيات الصحراء مرة أخرى وتعود الكرة من جديد.

يقول عبد العظيم: لا تتخيل كيف يقضي المرء ما يقرب من 400 كيلومتر وهو يعتلى سقف السيارة ممسكا بالأبواب حتى لا يسقط وسط الهواء والرمال والبرد الشديد ليلا، وكانت المفاجأة أننا دخلنا مرة أخرى في منطقة (غرود) رملي وغرزت السيارة مرة أخرى. ويتابع عبد العظيم: «بعد عدة ساعات استطاع السائق الماهر أن يعبر بنا إلى منطقة صلبة ثم كانت المفاجأة الأجمل والأسعد عندما حدثت المعجزة ووجدنا داخل السيارة أن هناك خزانا كامل للسولار لا يزال ممتلئا. اقتربنا كثيرا من المنطقة التي خططنا للوصول إليها حتى قابلنا القوات المصرية وعادت الحياة مرة أخرى لنا».

يعتقد عبد العظيم أن قضاء نحو 10 أيام بين ضفتي الحياة والموت.. أظهر تفاصيل موحية غيرت الكثير من نظرة الرهائن للحياة.. فأنا الآن لست الشخص الذي كان قبل يوم 19 سبتمبر.