العيد في العراق: قبل التهاني زيارة مقابر وماء زهر وبخور

طقوسه تراجعت إلى تقاليد طفولية بسيطة

أطفال يتأرجحون في متنزه فقير بمدينة الصدر ببغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

يختلف أول ايام العيد في العراق عن بقية البلدان، إذ اعتاد العراقيون زيارة القبور في مثل هذه الايام وهم يحملون الشموع والبخور وماء الزهر ليضعوها على قبور موتاهم كطقس ربما يرمز الى عمق المآسي التي عاشها الشعب العراقي خلال السنوات المنصرمة. أحمد الموسوي، 39 سنة، كاتب من أهالي النجف قال لـ«الشرق الأوسط» حول استقبال العراقيين للعيد «اعتقد ان العراقيين لا زال الحزن يملأ أجواءهم؛ فهم بدلا من طقوس الفرح يذهبون الى طقوس الحزن اليومية وأصبح العيد مجرد تزاور روتيني وطقوس طفولية يمارسها الأطفال بصورة بسيطة». وأضاف الموسوي ان «العراقيين في أول يوم العيد يتجهون إلى المقابر ويعايدون موتاهم قبل أحيائهم، حيث خفت العيد عند العراقيين بصورة كبيرة عما كان في السابق ومظاهر العيد اليومية في الشوارع والمنتديات الاجتماعية وفي البيوت تراها بصورة جدا بسيطة فيما غابت صواني الشموع والفرح والحلوى (الجكليت والماجينة والواهلية) عن الشارع العراقي وعن العيد في العراق».

وحول زيارة الأقارب والأصدقاء، قال الموسوي إن «قائمة التزاور ضاقت هذه الأيام ولا تقاس القائمة بالعدد وإنما تقاس بالروحية، كانت الروح تطير فرحا في العيد والآن أجدها تخبو من جراء تسلط الجو العام على العراقيين عموما لكثرة الضغوط الكبيرة عليهم مما أجبرهم على الانسحاب تدريجيا إلى أشبه بالقبو الاجتماعي». وفيما يخص توافد الناس بكثرة على القبور، قال الباحث الاجتماعي جاسم الفياض، 59 سنة، لـ«الشرق الأوسط» إن «الحروب التي خاضها العراق مع إيران والكويت إضافة إلى ما شهده العراق من مآس وكوارث من عمليات الإرهاب التي وقعت به بعد دخول الأميركيين وحلفائهم لبلادنا. كل ذلك ساهم مساهمة فاعلة في كثرة الضحايا والموتى إضافة إلى ان العراقيين عندهم تقليد إسلامي متوارث على ان زيارة القبور فيها فضل كبير ولها تبعات دينية كثيرة بصفة أنها تواصل الأحياء مع الأموات». وأضاف ان «فرحة العيد عند العراقيين غلب عليها الحزن الذي يمثل أكثر من 80 % من المجتمع العراقي، لذلك غابت الابتسامة وفقدت الفرحة حتى من شفاه الأطفال وقد سلبت بسبب مظاهر العنف التي لا تزال مستمرة. وكل يوم فيه نفقد إنسانا عزيزا جارا أو صديقا أو قريبا أو أحد أبنائنا. والى متى العراقيين يعيشون في دوامة العنف؟». طلال أبو صبيع صاحب مكتب دفن في مقبرة النجف يقول لـ«الشرق الأوسط» انه منذ فجر اليوم الأول للعيد «تتوافد على مقبرة وادي السلام جموع من المعزين من محافظات العراق كافة فضلا عن الزوار الإيرانيين و دول الخليج العربي لزيارة موتاهم حاملين معهم النذور من البخور والشموع وماء الورد وأكلات توزع على الفقراء وقراء القران والذي يرون في هذه المناسبة فرحة للتكسب والرزق». ويضيف ان «زيارة القبور في العيد هي فرصة لملاحظة ما تحتاج قبورهم من بناء أو ترميم. فنجد الدفانة يجلسون في مفارق الطرق وفي مكاتبهم لاستقبال الزائرين وما يحتاجون من خدمات لقبورهم منها هدم وبناء القبر من جديد أو صبغ وإيضاح الكلمات التي كتبت على شاهد القبر او حجز مكان لهم وهم أحياء». وأشار أبو صبيع إلى ان «زيارة القبور يختص بها النساء أكثر من الرجال، حيث يقمن ما يشبه مجلسا للنعي حول القبر خصوصا إذا كانت الوفاة حديثة».

أثناء ذلك دخلت امرأة مكتب الدفن تسأل عن ابنها الوحيد عبد الغفار الذي فقدته في يونيو (حزيران) عام 2006 عند خروجه من البيت إلى حي العدل في بغداد لزيارة أقاربه لكي يدعوهم لحضور زفافه. أم عبد الغفار التي بان على وجهها التعب وبعد ان سألت عن ابنها ولم تحصل على جواب شاف، قالت «جئت لمقبرة وادي السلام قبل عيد الفطر بيومين أترجى من الله أن أعثر على خيط من الأمل يريح بالي الذي انشغل بين؛ مرة عبد الغفار حي يرزق ومرة فارق الحياة، وبعد ان فقدت الأمل بأنه حي يرزق جئت   لمقبرة النجف التي يوجد فيها مقبرة مجهولي الهوية عسى ان أعثر عليه من بين آلاف القبور الموجودة». وحول أمنية أم عبد الغفور قالت، إن «أمنيتي الوحيدة أن أعثر على ابني في هذه المقبرة حتى أعيده ويرتاح بالي من التفكير. أريد أن أحضن قبره. أريد أن أضم ترابه لصدري وفوق رأسي أريد أن أبكي حتى تسكت الدموع وتمل مني. أريد أن أصرخ حتى يفز أهل القبور من نومهم ويبكون على مصيبتي انه ابني الوحيد».  سعدية البحري، 45 سنة، من أهالي النجف كانت واقفة أمام أفران المعجنات تنتظر دورها لخبز ثلاث صواني من الكليجة، وبعد الحديث الطويل معها قبلت ان تتكلم لـ«الشرق الأوسط» كون اغلب النساء النجفيات لا يتكلمن مع الرجال الغرباء، وقالت إن «هذه الكليجة عملتها في البيت وهذه الكمية قليلة جدا عما كانت في السابق، كنت أخبز أكثر من 15 صينية كون بيتنا يعتبر بيت العشيرة، حيث يتوافد علينا منذ الصباح الباكر من اليوم الأول من عيد الفطر المبارك الأقرباء والجيران والأصدقاء إضافة إلى أزواج بناتي الأعزاء الذين اعمل لهم صينية خاصة»، وأضافت ان «الحروب والويلات التي عاشها العراق ولحد الآن خففت من الفرحة الكبيرة التي تغمر الناس في العيد، والعيد عندنا وخصوصا السنوات الأخيرة أصبح لا يختلف كثيرا عن أيام العطل العادية». وتابعت البحري ان «الكليجة تصنع من الطحين والدهن والسكر والهيل والحليب وبعض الأحيان تحشى بالسمسم او التمر او جوز الهند ومن ثم تخبز في الأفران».

اما أم علي فقالت «نحن في المناطق الريفية في العراق نقوم بطبخ أكلة (البحت) المشهورة والتي عادة تطبخ في اول يوم العيد وتوزع على الجيران والقادمين إلينا»، مشيرة الى انها «أكلة لذيذة وغير متعبة بالنسبة لنا في  فجر العيد وبعد صلاة الصبح أقوم بطبخها على الحطب ذات النار الهادئة ويستغرق طبخها قرابة الساعة والنصف»