سورية تنسحب أمام أفغانستان في اقتراع مجلس أمناء وكالة الطاقة الذرية

دمشق طلبت تأجيل الاقتراع أولا قبل اتخاذ قرارها .. وأكدت أن تعاونها مع الوكالة ليس على حساب أمنها

TT

تداركت سورية، عصر أمس، موقفا كان من الممكن ان يلحق بها هزيمة دبلوماسية، وذلك بانسحابها من الترشيح لعضوية مجموعة الشرق الاوسط وجنوب شرق اسيا، في مجلس امناء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في اللحظة اخيرة، معلنة تخليها عن الترشيح، ما ممكن منافستها دولة أفغانستان بنيل المقعد بالاجماع.

وكانت قضية الترشح لذلك المقعد، قد تحولت لمعركة سياسية بكل الابعاد، بعد اعلان افغانستان عن رغبتها في الترشح للمنصب، رغم ان سورية أبدت رغبتها اولا، ورغم ان ايران بادرت باعلان تنازلها لصالح سورية، الا ان افغانستان مدعومة بتأييد أميركي واضح وغربي موسع، بل حتى من دول من بينها اليابان تمسكت بالاستمرار في المعركة التي كانت ستتسبب في سابقة اللجوء للانتخابات والتصويت من داخل المؤتمر العام، بينما جرت العادة ان تتقدم كل مجموعة جغرافية بمن تتفق عليهم لتمثيلها في مجلس الأمناء الذي يتكون من 35 دولة، ويعتبر بمثابة اكثر اجهزة الوكالة اهمية. وقال دبلوماسيون ان أفغانستان حصلت على دعم من نحو 90 دولة من بينها كل الدول الغربية وبعض دول اسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية مما يمثل دعما كافيا للحصول على أغلبية في جمعية وكالة الطاقة.

وتحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ مايو (أيار) في مزاعم للمخابرات الاميركية بأن سورية كانت قد أوشكت على الانتهاء من بناء مفاعل سري لانتاج البلوتونيوم قبل أن تدمر اسرائيل الموقع في ضربة جوية قبل عام. وتنفي سورية أي نشاط نووي عسكري. وقال دبلوماسيون غربيون انه من غير المقبول أن تكون دولة تخضع لتحقيق من الوكالة للاشتباه بممارستها أنشطة انتشار نووي جزءا من مجلس محافظي الوكالة.

وكانت سورية قد اوقفت مسيرة التصويت بعد ان بدأ عمليا، في جلسة صباحية، بطلب تقدمت به لرئيس المؤتمر راجية تأجيل عملية الاقتراع التي تشير اللوائح على اجرائها سريا، لبضعة ساعات لمزيد من التشاور. وكان ان نقل المندوب الهندي في جلسة مسائية، متحدثا باسم المجموعة، خبر انسحاب سورية من اجل الحفاظ على وحدة المجموعة وحرصا منها على «الاجماع» لـ«روح فيينا» التوافقية VIENNA SPRIT  . من جانبه وصف مصدر دبلوماسي غربي، في تعليق خاص لـ «الشرق الاوسط»، الانسحاب السوري بانه نصر كبير لمصداقية الوكالة. مشيرا الى ان المؤتمر العام للوكالة، سيرحب بانضمام عضو ملتزم باتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية، ومواثيق الضمان لمجلس الأمناء. مواصلا استحالة وصعوبة الموقف في حالة ان ينضم للمجلس عضو مثل سورية، ملفه النووي تحت التحقيق بتهمة عدم الانصياع.

من جانبها امتنعت السفيرة الكوبية، نورما استينوس، رئيسة مجموعة عدم الانحياز، من الإدلاء بأي تعليق، مكتفية بالقول انه كان موقفا صعبا وحساسا، اذ ان كلا من افغانستان وسورية عضوان نشطان بالمجموعة. مكتفية بالترحيب بوصولهما لاتفاق منعا للاحراج. من جهة اخرى تم انتخاب مصر وبوركينا فاسو كمندوبين عن أفريقيا. وكانت الجلسة الصباحية قد شهدت دراما بعد ان استغرق رئيس المؤتمر عمليا في تنفيذ اجراءات الاقتراع والتصويت لتكملة اعضاء مجلس امناء الوكالة لدورته الجديدة. معلنا عن اتفاق كل المجموعات على ممثليها بالاجماع، عدا منطقة جنوب شرقي اسيا ودول الشرق الاوسط «ميسا». مبينا ان المؤتمر عليه في تلك الحالة (وفقا للمادة 59) ان يصوت سريا لاختيار مندوب لـ«ميسا» بين المرشحين المطروحين (لاصرارهما بعدم التنازل)، وهما سورية وافغانستان. وبعد ان نال الرئيس قبول المؤتمرين، على التصويت سرا، وفقا للبند الثامن، اذ برئيس الوفد السوري يقاطعه طالبا الحديث... ليفاجئ الجميع، والدهشة تعقد ألسنتهم، برجائه تأجيل عملية الاقتراع، بدعوى العودة للتشاور مع مجموعة «ميسا»، مرة اخيرة، علهم يتفقون على إجماع.

من جانبه طلب وحيد منور، القائم باعمال سفارة افغانستان ورئيس وفدها، الحديث مؤكدا استعداد وفده للشروع في الانتخاب. حينها وجد الرئيس نفسه امام مفاجأة لم تكن في حسبان احد، فما كان منه الا ان طلب دقيقة للتشاور وهو محاط بخبراء القانون والادارة، وفي مقدمتهم الدكتور محمد البرادعي مدير الوكالة، الذي ظل هادئا يراقب سير الجلسة بينما عيناه تدور في كل ارجاء القاعة الصامتة إلا من اصوات من يطلبون الحديث.

لم يستغرق التشاور اكثر من دقيقة ليعاود الرئيس موجها السؤال لمندوب افغانستان ان كان يوافق على طلب سورية. فيجيب الافغاني بانهم تشاوروا بما فيه الكفاية، لذلك فانه لا يرى سببا للتأجيل.

وهنا طلب مندوب ايران الحديث مهاجما الأفغاني، واتهمه بالتغيب عن الاجتماعات التي عقدتها المجموعة، وبعدم الالتزام باخطار المجموعة بما املته عليه عاصمته. مؤيدا طلب سورية للتأجيل. وتحدث المندوب القطري مؤكدا انه يضم صوته للطلب السوري. ليطلب الافغاني الحديث مرة اخرى مجددا التأكيد على جاهزيتهم للاقتراع. مكررا ان التأجيل ما هو الا مضيعة للوقت. وعاد الايراني لطلب الحديث مؤيدا السوري. وذلك ما فعله المندوب الاردني بدوره. ليحسم الامر بتدخل المندوب الفرنسي، الذي سأل عن طول المهلة التي تطلبها سورية ؟؟ ليرد السوري بانهم سيعودون عند الخامسة. وكانت الساعة تقترب من الواحدة ظهرا، توقيت فيينا، شاكرا رئيس المؤتمر على حسن ادارته للجلسات. مؤكدا ان التوافق من مصلحة الجميع. فيعاود الرئيس سؤال الحضور ان كان هناك معترضا؟؟ فلم يعترض احد. بينما اختصر الأفغاني موافقته بقوله «نعود ان شاء الله عند الخامسة».

وكان ابراهيم عثمان، المدير العام لوكالة الطاقة الذرية السورية، ورئيس الوفد السوري للدورة الـ 52 للمؤتمر العام للوكالة الذرية، قد أكد في كلمة بلاده التي قدمها في الجلسة الصباحية للمؤتمر امس، «ان سورية ستواصل تعاونها بشفافية تامة مع الوكالة الا ان ذلك لن يكون على حساب أمنها القومي، وسيتم تحديده بموضوعية. داعيا المؤتمر لدعم ترشيح سورية لعضوية مجلس الامناء، كممثل لمنطقة جنوب شرقي اسيا ودول الشرق الاوسط «ميسا». مذكرا المؤتمرين بالدور الايجابي الذي لعبته دوما سورية من خلال وجودها السابق في المجلس.

ودعا ابراهيم عثمان المؤتمر، لضرورة النجاح في اصدار قرارات تدين اسرائيل التي لاتزال ماضية في تطوير برنامجها، واسلحتها النووية، مدعومة من قبل دول كبرى، تمنع في ذات الوقت دول موقعة على اتفاقية الحد من انتشار الاسلحة النووية، من حقها في تطور نووي. هذا بينما تظل اسرائيل هي الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الاوسط التي لم توقع على تلك الاتفاقية. منبها بأهمية ألا يرسل المؤتمر رسائل سلبية باستخدامه معايير مزدوجة. مشددا على ضرورة ان يثبت المؤتمرون دعمهم للشعوب المحبة للسلام. وشدد ان ذلك يتعارض مع غضهم النظر عن وجود قدرات نووية اسرائيلية. داعيا لاجبار اسرائيل للانصياع للقرارت الدولية والالتزام بقرار مجلس الامن رقم 487 الذي وصفه بالقرار الذي نساه الجميع وينص على وضع القدرات الاسرائيلية النووية ضمن رقابة الوكالة. موضحا ان اسرائيل وما لم تؤكد مبادرتها باتخاذ خطوات جادة للانضمام لاتفاقية الحد من انتشار السلاح النووي، فان المنطقة لن تصبح منزوعة السلاح. وواصل المؤتمر العام للوكالة في دورته الثانية والخمسين، جلساته حتى ساعة متأخرة من مساء امس، على أمل مواصلتها نهار اليوم، وذلك للنظر في بند القدرات النووية الاسرائيلية. وكانت مجموعة الدول العربية قد تقدمت بقرار ينص على ضرورة مناقشة المؤتمر لتلك القدرات خاصة ان اسرائيل هي الدولة الوحيدة بمنطقة الشرق الاوسط التي لم توقع على اتفاقية الحد من انتشار السلاح النووي، وتعمل سريا على تطوير برنامجها واسلحتها بعيدا عن رقابة الوكالة التي تحاول ان تصبح المنطقة خالية من السلاح النووي. وكان السفير المغربي، عمر زنيبر، بوصفه رئيسا لمجلس السفراء العرب، قد خاطب المؤتمر مؤكدا اهمية منطقة الشرق الاوسط، وما تعاني منه من توتر بما لا يمكن معه قبول امتلاك اية دولة في المنطقة للسلاح النووي، موضحا رفض الدول العربية لاسلوب المعالجة المتبع حاليا بالتعامل مع كل دولة على حدة، واصفا ذلك بانه اسلوب يتصف بالانتقائية والتحيز ويرسخ باقتناع الدول العربية بازدواجية المعايير على الساحة الدولية.

واكد ان الدول العربية ترفض اية محاولات لعدم قبول القرار بدعوى ان الوكالة هيئة فنية غير معنية بالقضايا السياسية، او ان الوكالة لا يمكن ان تقبل قرارين حول الشرق الأوسط في اشارة لقرار تتقدم به مصر خاص بالاشارة لتطبيق نظام ضمانات الوكالة لا يذكر اسرائيل بالاسم، او ما تتمسك به الدول المؤيدة لاسرائيل والتي تنكر على العرب ايراد اسم اسرائيل بدعوى انه يمثل استهدافا لها مطالبين بالتمسك بما تشير اليه روح فيينا التي يحرص عليها العرب بدورهم، مطالبا بضرورة متابعة هذه القضية واعطائها اولوية قصوى لأهميتها ولما تمثله من خطر قد يدمر منطقة الشرق الأوسط وشعوبها كافة.