«إخوان» مصر يواجهون انشقاقا داخليا من جيل شبان يريدون تطوير أفكارها

يهاجمون في مدوناتهم قيادة الجماعة ويتطلعون للنموذج التركي ولا يرون تناقضا بين الإسلام والليبرالية

TT

كان صبيا يذهب إلى مساجد الإسكندرية عندما جذبه الإخوان المسلمون للانضمام إليهم، بدعوته إلى الاشتراك في مباريات كرة قدم، ورحلات إلى شاطئ البحر.

كان الإخوان يقولون لمصطفى النجار إن عليه أن يكون مخلصا لله وأن تكون له رسالة في الحياة، وقد فعل كما قالوا، ولكن التطور الروحاني والطموح السياسي لطبيب الأسنان الذي يبلغ من العمر 28 عاما وضعه في قلب الصراع بين المحافظين والإصلاحيين الذي ربما يعيد تشكيل أقوى صوت معارض في مصر. يتمتع النجار بروح مرحة، وهو رجل غير متكلف، ولكن مدونته (أمواج في بحر التغيير) تلوم الإخوان المسلمين بسبب جمودهم الديني الذي أضعف الجماعة كقوة سياسية وأبعدها عن الهموم اليومية التي يواجهها معظم المصريين.

وبدأ هو وآخرون من الأعضاء الشبان في جماعة الإخوان في كتابة المدونات لمهاجمة الحكومة المصرية التي يعتبرونها علمانية، ولكن الآن حولوا نقاشهم على الإنترنت ضد مواقف جماعتهم من حقوق المرأة والحرية الدينية والتسامح.

قال النجار: «إن أكثر ما يهمنا هو تغيير نظام التعليم الديني للجماعة، فهو نظام قديم وغير قادر على تخريج عقول يمكنها أن تسهم في نهضة إسلامية. وجيلنا الجديد يحتاج إلى مجتمع مفتوح تجاه الإسلام المعتدل».

هذه الثورة التكنولوجية تهاجم هوية الإخوان المسلمين، وهي جماعة تأسست عام 1928، كانت تنبذ العنف وتساند التغيير الديمقراطي في مصر، ولكنها تحالفت مع حركة حماس المسلحة في قطاع غزة. ويلقى القبض على المئات من أعضاء الجماعة المحظورة كل عام؛ وتقول جماعات حقوق الإنسان إن الحكومة تصور أتباع الجماعة على أنهم إرهابيون في محاولة لإسكات الجماعة. ينسب للجماعة الفضل في تقديم خدمات تصل إلى جميع قطاعات المجتمع، ولكن في بعض الأحيان تصبح بعيدة عن العامة، حيث تتشبث كثيرا بتعاليمها الدينية وبسعيها لإقامة دولة إسلامية. وقد جعل هذا الفكر والضغط المستمر من قوات الأمن الحكومية الجماعة غير قادرة على إقامة تحالف جدير بالثقة مع اليساريين والقوميين وآخرين لتحدي الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم على نحو جاد. حث النجار في إحدى كتاباته الإخوان قائلا: «فلنسأل أنفسنا ونعترف بأخطائنا، فليس من العيب أن نراجع أفكارنا ونغير مواقفنا. ليس عيبا أن نتحلى بالشجاعة الكافية ونقول إننا كنا مخطئين. العيب الحقيقي ألا نتحدث عن أخطائنا وأن ندعي أن أفكارنا مقدسة».

يقول خليل عناني الخبير في شؤون الإخوان المسلمين إن هذا البحث عن الذات يمثل نقدا علنيا غير مسبوق للبيروقراطية والتفكير الذي تنتهجه الحركة الإسلامية الكبرى، ويطيح بالسرية التي يعتز بها الإخوان. وأشار إلى أن اندفاع الإصلاحيين الشباب يهدد قيادة الجماعة، ولكنها تحتاج إلى هؤلاء المنتقدين الملمين بشبكة الإنترنت للوصول إلى أجيال جديدة من المسلمين.

كتب عناني إن هؤلاء المدونين «تخطوا دورهم كوسيلة إعلامية» للإخوان وظهروا «كمتمردين متحررين من القيود الفكرية والتنظيمية». وصرح محمود عزت الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين وأحد المحافظين الأقوياء إن القيادة لا تريد من أعضائها الشبان أن «يخشوا من التعبير عن آرائهم. نحن نطالب هؤلاء الشباب فقط بالتزام بالقيم الأخلاقية، وعدم المبالغة أو إهانة أي شخص، ومراجعة ما يرسلونه جيدا». ونفى أن تكون الجماعة تخنق الأفكار الجديدة وتطرد الإصلاحيين، وأضاف: «يجب أن تكون هناك قواعد أخلاقية للتدوين؛ وإلا لن نتمكن من الاستفادة من هذه التكنولوجيا الحديثة».

لكن المدونين هاجموا قيادة الجماعة في ملاحظات حادة، حيث قال عبد المنعم محمود إن الجماعة فصلته عام 2007 عندما احتج على شعار الجماعة: «الإسلام هو الحل»، وعلى برنامجها الانتخابي الذي يعارض تولي امرأة أو قبطي مسيحي منصب رئيس مصر. واشتكى هو والنجار من عادة الجماعة في تفضيل علماء الدين على السياسيين الأكفاء عند اختيار مرشحيها. قال محمود، وهو محامي يبلغ من العمر 28 عاما وأمضى ستة أعوام في المعتقل عام 2006 بعد أن أغارت الشرطة على مظاهرة للإخوان: «أخبروني أن علي مغادرة الجماعة، وقالوا إني انتهكت قراراتها، ولكني ما زلت إخوانيا مسلما، أنا إخواني حقيقي، وأؤمن بالإسلام المعتدل، فالإسلام ليس به إكراه».

في مصر يتزايد الحجاب بكثرة في الشوارع، ويتزايد تدين الطبقة المتعلمة والمتوسطة، وهي قلب مؤيدي الإخوان، مع عجز الحكومة عن القضاء على الفساد وإصلاح التضخم ومعالجة المشاكل الاجتماعية الحادة. يرى المدونون أن هذه اللحظة حاسمة لكي تصل الجماعة إلى 45 في المائة من المصريين الذين يبلغ دخلهم يوميا دولارين أو أقل.

وتمثل جماعة الإخوان مشكلة محيرة للولايات المتحدة، التي كانت تطالب بإصلاح سياسي في الشرق الأوسط، فعندما رشحت الجماعة أعضاءها كمستقلين وحصلت على 20 في المائة من المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 2005، لم تعارض إدارة بوش، التي تحترس من انتشار الإسلام السياسي، إجراءات السلطات المصري الصارمة وعزلة للجماعة. ويقول المدونون إنهم يحاولون أن يجعلوا الجماعة مقبولة من الغرب، على نهج حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، الذي يسمح بالفصل بين الدين والدولة.

تظهر جماعة الإخوان غالبا على خلاف داخلي يطفو على السطح ليكشف عن شقاق فكري. وقد تشدد الكثير من قادة الجماعة في معتقداتهم داخل السجون المصرية أو بعد الهرب إلى الخليج.

قال محمود: «عندما يشعر الإخوان بالتهديد من الدولة، تحتشد حول المحافظين وهذا يبعدهم عن الإصلاحيين. إن قمع الدولة هو الذي يزيد من قوة المحافظين. ولكن جيلنا مختلف، نحن نطالب بالمزيد من التعقل، وإعادة التفسير».

جلس النجار في أحد الأيام في مقهى غربي، وكان يرتدي بنطلون جينز أزرق وقميص أزرق وتي شيرت أبيض مقلم. تناول عصير كمثرى. وكانت أغاني إلتون جون ويوتو تنبعث من مكبرات الصوت فوقه. قال النجار إن مدونته حررته من القواعد السرية الداخلية، والاتجاه المحافظ الذي يمنع الإخوان الإصلاحيين من التقدم.

وقال: «يجب ألا يكون هناك تناقض بين الإسلام والليبرالية. يجب أن يكون هناك توازن بين الدين والمجتمع. يحتاج التراث الإسلامي الذي وضعه الإنسان إلى التغيير، فلدينا تكنولوجيا حديثة وصوت جديد».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط» شاركت في التقرير نهى الحناوي