مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»: ضغوط أميركية على الفلسطينيين والإسرائيليين لتوقيع بيان قبل نهاية ولاية بوش

كوشنير يزور جنين .. والفلسطينيون يتخوفون من توقيع وثيقة قد تفسر بأنها اتفاق جزئي

TT

كشفت مصادر فرنسية رسمية واسعة الإطلاع لـ«الشرق الأوسط» عن ضغوط تمارسها الولايات المتحدة الأميركية على الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لحملهما على القبول بتوقيع بيان أو وثيقة قبل انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش تتضمن «الإنجازات» التي تم تحقيقها في مفاوضات السلام التي أطلقت منذ مؤتمر أنابوليس العام الماضي.

وقالت هذه المصادر إن الفلسطينيين «يرفضون» توقيع مثل هذه الوثيقة لأنهم يتخوفون من أمرين: الأول، أن يعتبر الاسرائيليون والأميركيون أن ما قد يعلن عنه هو اتفاق جزئي يقبلونه، بينما هم يتمسكون باتفاق شامل يتناول المشاكل المستعصية كموضوع اللاجئين والقدس وغيرهما بينما لو نشر ما تم الاتفاق عليه حتى الآن فسيستغل الاسرائيليون ذلك ليعتبروه أمرا مكتسبا وسيرفضون لاحقا تقديم تنازلات مقابلة. أما التحفظ الثاني (والأهم) فيتناول رغبة أميركية بالضغط على الفلسطينيين للتخلي عن حق العودة فعليا، فيما لم يقبل الاسرائيليون حتى الآن القبول بالإقرار النظري بحق العودة للفلسطينيين. وقالت المصادر الفرنسية التي تحدثت اليها «الشرق الأوسط» إن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس «تريد وثيقة تثبت مكتسبات المفاوضات حتى الآن وتظهر ان واشنطن لعبت دورا وساعدت على تحقيق نتائج». وقالت مصادر فرنسية أخرى إن وزراء الخارجية الأوروبيين يسعون لوضع «توصيات» بتصرف الرئيس الأميركي الجديد تتناول ملفين رئيسيين: الملف الأفغاني ـ الباكستاني من جهة، وملف الشرق الأوسط من جهة أخرى بحيث تكون «التوصيات» التي ستتم بلورتها بشكل نهائي في اجتماع جديد لوزراء خارجية الدول الأوروبية قريبا «قاعدة للتعاون والعمل المشترك بين واشنطن من جهة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى». وتؤكد باريس التي ترأس الاتحاد الأوروبي حتى نهاية العام الجاري أن دول الاتحاد «لا تريد انتظار اسابيع واشهر» حتى تستأنف الدبلوماسية الأميركية نشاطها، إذ أنها تتمسك بتفادي «مرحلة فراغ» دبلوماسي قد تكون إحدى نتائجه تراخي أو إجهاض جهود السلام. وأضافت هذه المصادر أنه «يتعين أن تبقى محادثات السلام على قيد الحياة» وكذلك المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل و«عندما يحين الوقت مع لبنان».

وفي هذا السياق، وصل وزير الخارجية برنار كوشنير أمس الى إسرائيل في زيارة تشمل إسرائيل والأراضي الفلسطينية وتدوم حتى يوم الأحد وسيلتقي خلالها الرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة سلام فياض ونظيره رياض المالكي. ومن الجانب الإسرائيلي سيجتمع برئيس الحكومة المستقيل ايهود أولمرت ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني وأركان المعارضة، وجديد الزيارة أن كوشنير سيزور مدينة جنين برفقة سلام فياض.

وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية إن الوزير كوشنير يريد أن يرى مع محادثيه في إسرائيل وفلسطين ما هي الخطة التي يمكن أن يقوم بها الاتحاد الأوروبي حتى يكون «مفيدا» للمفاوضات ولكن «من غير أن يحل محل المتفاوضين». وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر فرنسية رسمية أن باريس ستقترح باسم الأوروبيين أن يتم نشر قوة رقابة أو قوة سلام أوروبية ليس فقط على الحدود بين الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية ولكن أيضا داخل المدن والأراضي الفلسطينية من اجل «طمأنة» الإسرائيليين الى أمنهم والفلسطينيين حول مستقبل دولتهم. وقالت هذه المصادر إنه إذا كانت إسرائيل تقبل سحب بعض مستوطنيها من الضفة الغربية فإنها تجد صعوبة في سحب قواتها لأنها «لا تثق بقدرة الفلسطينيين على الحفاظ على الأمن» ولذا فإن اقتراح نشر قوة أوروبية من شأنه «أن يساعد المفاوضين من الطرفين على التغلب على العقبة الأمنية». وكشفت مصادر أخرى لـ«الشرق الأوسط» عن وجود مقترحات فرنسية ـ أوروبية لتسهيل التفاوض بشأن القدس التي ترى أنها بوصفها تهم الديانات الثلاث فإن «إشكاليتها» تتجاوز الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لكن باريس حريصة على عدم إعطاء انطباع بأنها تتدخل في المفاوضات أو أنها تعمل «من وراء ظهر الأميركيين». وتعي باريس «حراجة» الموقف الحالي بسبب الوضع السياسي في إسرائيل والانتخابات الأميركية. ولذا فإن مصادرها تقول إنها «لا تنتظر الكثير من الزيارة» التي وصفتها بأنها «تشاورية»، لكنها رغم ذلك «لا تجد بديلا عن عملية السلام»، وتشدد على الحاجة لتوفير دينامية جديدة لها. وبالمقابل، تريد فرنسا عبر كوشنير أن تطلب مرة أخرى من إسرائيل أن تخفف القيود التي تفرضها على التنقل في الضفة وعلى تسهيل حياة الفلسطينيين من جهة وعلى تذكيرها بضرورة وضع حد للتوسع الاستيطاني. وتم الاتفاق في اجتماع الرباعية في نيويورك على أن تعقد اجتماعا جديدا في مصر في السابع والعشرين من الشهر القادم بمناسبة مرور عام على مؤتمر أنابوليس بحضور أطراف عربية وإقليمية. وعندما تسأل باريس عن الأسباب التي تمنع المجموعة الدولية وأوروبا من اتخاذ إجراءات بحق إسرائيل مثل تلك التي تتخذ بحق إيران أو سورية أو السودان أو غيرها لوقف الاستيطان، فإنها ترد بالقول إن «أحدا لم يطلب منا ذلك» بينما تقول مصادر اخرى إن «الضغط على إسرائيل لا ينفع» بل إن المفيد هو البحث في «كيفية تقوية المفاوضات وإنجاحها». وتخلص باريس الى القول إنها «تريد التزاما ثابتا من الإدارة الأميركية الجديدة بالسلام وبالعمل الفوري من أجل تحقيقه» مباشرة بعد حصول الانتخابات.