هرقل المصرية العائدة من بكين: أريد أن أثبت للمجتمع أنني أفضل مما يظنون

هبة الحائزة ذهبية الأولمبياد: صدمتي الأولى عندما قال لي المدرس «إذا لم تستطيعي الوقوف فلا تدخلي المدرسة»

TT

كانت هبة سيد أحمد توقف سيارتها إلى جوار الرصيف عندما صاح أحد أفراد الشرطة قائلا: «ممنوع الانتظار هنا». قالت في هدوء: «ولكنها سيارة مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة»، وأشارت إلى كرسيها المتحرك الموجود في المقعد الخلفي. وأصّر الشرطي على أن عليها إيقاف سيارتها أسفل العقار. بعد عدة دقائق، نزلت من سيارتها، وحملت نفسها على عكازين لتسير عدة خطوات في ساحة انتظار كبيرة خالية، عندما حاول رجل أن يمنعها. قال الرجل: «هذا المكان مخصص للأعضاء فقط اليوم»، ولم يسألها حتى إن كانت مشتركة. لم تكن مشتركة بالمكان، ولكن أصابها الغضب فقالت: «أنا هبة سيد، بطلة مصر».

لم يكن لدى الرجل أدنى فكرة عما تتحدث عنه، وظل مصرا على أن تغادر. حصلت هبة، التي أصيبت بمرض شلل الأطفال في طفولتها، على ميدالية ذهبية في رفع الأثقال في دورة الألعاب الأولمبية للمعاقين في بكين. كما حطمت الرقم القياسي العالمي في وزن 181 رطلا برفعها 341 رطلا. وقبل ذلك الموقف بعدة أيام، كانت تحظى بإطراء كبير وتوصف بأنها هرقل المصري. ولكن جاء ما حدث مع الشرطي وحارس موقف الانتظار كتذكير معتاد بأن الميداليات والأرقام القياسية العالمية لم تكن على الإطلاق هدفا لهبة. قالت: «أريد أن أثبت للمجتمع أنني أفضل مما يظنون. إنهم يعتقدون في مصر أن الشخص المعاق يجب أن يظل طريح الفراش».

من الصعب أن نبالغ في وصف مدى اختلاف هبة عن العديد من هؤلاء المحيطين بها. إنه أسلوب التفكير. تمتلئ مصر بأشخاص يواجهون المحن، ومعظم هذه المحن تتعلق بالفقر وعدم الاكتراث. إنه مجتمع تسوده الطبقية، حيث يعتقد الكثيرون أن هناك اتفاقا غير مكتوب يحكم عليهم بالعيش كما ولدوا، فقراء ومهمشين. وهناك شعور منتشر بالعجز، واعتقاد سائد بأن الكفاح لا جدوى منه. ولكن هبة لا تذكر القدر مطلقا، بل تتحدث عن الاختيارات. إنها لا تتحدث عن العوائق، بل عن التحديات. إنها تتنقل في هذه المدينة الصغيرة في دلتا النيل، شمال القاهرة، في سيارة فيات تمبرا ذات أدوات تحكم يدوية. تحيط بساقيها دعامات معدنية. ويبلغ طولها 5 أقدام وبوصة واحدة وهي عريضة الكتفين. عضلاتها ممتلئة ويداها غليظتان. وعندما تسير تنحني إلى الأمام مستندة إلى عكازين من المعدن، ثم تنقل ساقيها إلى الأمام. تمت خطبتها منذ 10 أشهر إلى شاب قابلته في المدرسة.

تقول هبة: «لا يوجد شيء اسمه إعاقة. فالإعاقة توجد في طريقة تفكيرك أو في قلبك».

نشأت هبة ـ وهي الصغرى بين خمسة أبناء ـ في الطابق الثاني في بيت غير مزود بمصعد. كان والدها يعمل محاسبا حكوميا. وتوفيت والدتها عندما كان عمرها 14 عاما. وقد حصلت هبة على جرعات التطعيم أثناء طفولتها، وعلى الرغم من ذلك أصيبت بشلل الأطفال.

تقول هبة إن أسرتها لم تعاملها أبدا على أنها معاقة، لذلك كانت صدمتها كبيرة عندما دخلت إلى الصف الأول الدراسي. تروي هبة: «ما زلت أذكر عندما طلب مني معلمي في العام الدراسي الأول أن أقف. «قالت إحدى زميلاتها للمعلم إن هبة غير قادرة على الوقوف. فقال لي المعلم: إذا كنت لا تستطيعين الوقوف، فلا تدخلي المدرسة. وكانت هذه أول صدمة في حياتي عندما علمت أن هناك شيئا غير طبيعي بشأني».

في الأربعة أعوام التالية، خصص مدير المدرسة لها حجرة دراسية في الطابق الخامس. وكان والدها قد طلب نقلها إلى أخرى في الطابق الأول. لذا كان عليه كل يوم أن يحملها إلى حجرة الدراسة، وعندما كان مريضا، كانت تلزم البيت. ولم تحصل على أول كرسي متحرك لها حتى وصلت إلى الصف السادس، ولم تتعلم السير على عكازين حتى وصلت إلى عامها الثاني في الجامعة.

تقول هبة: «أعتقد أنه يجب أن يكون هناك شيء من الكفاح في حياتك. فهذا يمنحك قوة ويبني شخصيتك».

مرت هبة بالكثير من الكفاح في حياتها. الزقازيق مدينة دافئة ولطيفة، ولكن كما هو الحال في بقية أنحاء مصر، يبتعد الناس عن الأشخاص المعاقين، كما لو كانوا غير مرئيين. فالأرصفة مرتفعة بمقدار قدم، ومعظم المباني غير مزودة بالمصاعد، وعندما يكون هناك مصاعد تكون صغيرة جدا، فلا تسمح بدخول الكرسي المتحرك ولكن والد هبة شجعها على الالتحاق بالمدرسة والاعتناء بنفسها. وقد تخرجت في جامعة الزقازيق وحصلت على شهادة في علم النفس.

وعندما كانت في مرحلة المراهقة، أرسلها والدها لتلقي العلاج الطبيعي، حيث لاحظ أحد المساعدين أن النصف العلوي من جسمها يتمتع بقوة غير عادية. بدأت هبة في التدريب ثم دخلت في البطولات، وأخيرا بدأت في الحصول على ألقاب. واختيرت في المنتخب القومي لأولمبياد المعاقين.

قال علي حسن السعدني مدرب منتخب رفع الأثقال: «لا أعتبر هبة معاقة. وأتعامل معها كشخص طبيعي وكبطلة، لدرجة أنها تقوم بتغيير الأوزان بنفسها أثناء التدريب فتحضر المقعد إلى جوار القضيب وتغير الوزن».

حصلت هبة على لقبين أفريقيين. وفازت ببطولة العالم. وحصلت على ميدالية ذهبية في أولمبياد المعاقين في أثينا منذ أربعة أعوام، وحطمت رقما قياسيا في وزنها. ثم صعدت إلى وزن أعلى، وحصلت على ميدالية ذهبية في بكين، وحطمت رقما قياسيا في هذا الوزن أيضا.

وأثناء الألعاب الأولمبية ـ التي سبقت أولمبياد المعاقين في الصين ـ قدمت مصر أداء سيئا، وحصلت بعثتها على ميدالية برونزية واحدة فقط. ولكن في بطولة المعاقين حصلت مصر على 12 ميدالية، من بينها 4 ذهبيات. وخرج العنوان الرئيس في «الأهرام ويكلي»، وهي صحيفة تصدر باللغة الإنجليزية: «منقذو ماء الوجه». كان هذا إنجازا غير عادي من دولة ينظر فيها إلى الإعاقات الجسدية كوسيلة للتسول في الشوارع.

يقول السعدني: «في مصر يمثل عبور الشارع أو الصعود على الرصيف بالنسبة للشخص المعاق تحديا حقيقيا. في دول أخرى، هناك ممرات منحدرة، هناك طرق من أجلهم للصعود إلى الحافلات. ولكن لا يوجد شيء من ذلك هنا. فقد اعتادوا أن يأتوا للتدريب بعد الوقوف في الحافلات، حيث لا توجد مقاعد لهم. إنهم أفضل ما لدينا في مصر».

بعد الأداء المتألق الذي قدم في بكين، كان هناك أمل في أن يلقى الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة ترحيب أبطال. وقد حيتهم سيدة مصر الأولي سوزان مبارك وجمال مبارك ابن الرئيس. وحصلوا على وعود بالحصول على مكافآت الفوز، ولكن بعد ذلك كانت العودة إلى الزقازيق وعدم الاكتراث.

قالت هبة أثناء زيارتها لأول صالة ألعاب رياضية كانت تذهب إليها: «نرجو من خلال الرياضة أن نغير من أسلوب تفكير الناس». كانت صالة التدريب في جانب من الاستاد، على نوافذها قضبان يعلوها الصدأ، وبها جهاز رفع أثقال مكسور، وقضبان الحديد الصدئة ملقاة على الأرض. بدا الأمر وكأنه جزء من فيلم صامت، فكان كل شيء إما ممزقا أو صدئا أو متهالكا.

هرعت مجموعة من الشباب لتلتف حول هبة عندما دخلت المكان. أرتهم الميدالية الذهبية، التي وضعها أحدهم حول عنقه ووقف لالتقاط صورة وهو يرتديها. قالت هبة: «أشعر بالرضا التام عن إنجازاتي الرياضية». وأشارت إلى أنها تستعد للزواج والخطوات التالية في حياتها من تحد للتوقعات وبناء حياة كاملة. «أريد أن أنجب أطفالا وأن أربيهم جيدا. أريدهم أن يصبحوا أبطالا أيضا».

* خدمة «نيويورك تايمز»

* شاركت منى النجار في كتابة هذا الموضوع