مصالحات السياسيين لا تقنع الشارع.. ومناطق الاشتباكات تبقى على حذرها

أبناء بيروت: نؤيد المصالحة لكن نرفض نسيان الأسى

TT

بعد توالي المصالحات بين زعماء الأفرقاء السياسيين وبعد سيل التصريحات التي يدلون بها لتوجيه مناصريهم وحضهم على الانفتاح على الآخر، يبدو أن الأجواء الإيجابية تسير ببطء بين اللبنانيين ولا سيما في المناطق التي كانت مسرحا للاشتباكات والاضطرابات الأمنية. الجولة في الأحياء البيروتية تعكس الوضع الذي وصل إليه أبناء هذه المناطق بعدما خسروا أبناءهم في معارك «لا ناقة لهم فيها ولا جمل» الا كونهم يناصرون هذا الفريق أو ذاك. ففي حين يرفض عدد كبير منهم التعبير عن رأيه بهذه المصالحات ولسان حاله يقول: «لم يأتنا من السياسيين الا المصائب. ولم نعد نثق بهم وبكلامهم»، يعبّر بعض منهم عن تفاؤله بهذه المصالحات على أمل أن يطول أمدها وتنسحب على العلاقات بين أبناء الوطن الواحد. كذلك لم تغب عن الساحة البيروتية الآراء التي أيدت المصالحة، لكنها أبدت معارضتها ورفضها المسامحة والصفح والتحالف الانتخابي اذا حصل في الانتخابات النيابية المقبلة. عبّر مختار محلة المصيطبة محمد العانوتي عن ارتياحه للمصالحة التي حصلت بين الأطراف اللبنانية. وقال: «علينا أن نعيش مع بعضنا البعض في وئام وتفاهم ومصالحة دائمة شرط أن نتمتع بالأخلاق الجيدة ولا يسيء احدنا الى الآخر. المهم أن تكون المصالحة من القلب الى القلب وليس ظاهريا فقط أمام الكاميرات. الفريقان ارتكبا اخطاء، لكن فريق 8 آذار كانت أخطاؤه أكبر ولا سيما عندما وجهت المقاومة سلاحها الى الداخل. لكن نأمل أن لا يتكرّر ما حصل كي يستطيع الشعب أن يتأقلم مع الوضع الجديد من دون عودة الى الوراء».

في بربور حيث يطغى حضور المعارضة ولا سيما حركة «أمل» التي لا تزال أعلامها وشعاراتها دليلا واضحا على هويتها، رغم تنوع مذاهب قاطنيها وانتماءاتهم، اختلفت الآراء بين مؤيد للمصالحة وحذر من امكانية تطبيقها.

يعتبر محمد نصار الذي يسكن في الطريق الجديدة ويملك محلا في منطقة بربور أن المصالحة أتت لمصلحة الفريق القوي على حساب الفريق الضعيف. ويقول: «يجب ان تحصل المصالحة كي لا تقع اضطرابات بين أبناء البلد الواحد وأبناء المنطقة نفسها». ويضيف: «تيار المستقبل وفريق 14 آذار كانوا مجبرين على المضي قدما في المصالحة لأنه عندما يكون فريق قوي وفريق آخر ضعيف لا بد أن يخضع الضعيف للقوي. غياب توازن القوى فرض هذا الوضع. لذا أمام هذا الواقع، لا يمكننا الا أن نتأسّف على الشهداء الذين ذهبوا ضحية خلافات السياسيين الكبار الذين ها هم اليوم يجتمعون ويتعانقون بعد كل ما حصل». ويؤكد نصار أنه لن يصوّت هذا العام لأي فريق أو طرف. ويقول: «لم أعد أثق بهم جميعا. الكل يعمل لمصلحته وليس لمصلحة الشعب».

من جهته، يشكّك بلال، ابن المنطقة نفسها، بالمصالحة التي تحصل بين الأطراف اللبنانية، معتبرا أن «هذا الوضع لن يطول وأن الاتفاق على مستوى أعلى الهرم لن ينسحب بالتأكيد على العلاقات بين الناس». ويقول: «لن تصفح قلوب اللبنانيين. وكل ينتظر فرصة الانتقام من الآخر. لن تزول رواسب ما حصل بين ليلة وضحاها».

وفي حين يرى خضر الغالي ان «المصالحة خطوة جيدة. وان شاء الله ستتكرس مفاعيلها على الأرض لأن الشعب اللبناني يعيش على كف عفريت» يقول: «من المؤكد أن اللبنانيين سينسون ما حصل بينهم لأن الزعماء يسوقونهم كما يشاؤون. وبالتالي سيتصرفون بما يؤمرون به».

لناصر الحكيم، الذي يملك محلا للادوات الكهربائية في منطقة كورنيش المزرعة، خط التماس الجديد الذي لطالما كان مسرحا للاشتباكات بين مناصري حركة «أمل» و«حزب الله» من جهة و«تيار المستقبل» من جهة اخرى، رأي مخالف اذ يقول: «لا يمكن أن تتكرّس المصالحة على الأرض، بل ستسوء الأوضاع أكثر مما كانت ولا سيما أننا على أبواب انتخابات. وسيكون الوضع عرضة للانفجار من جديد. وكل ما يحصل اليوم بين السياسيين هو استهزاء وضحك على الشعب اللبناني». ويرى «أن النفوس التي عاشت في مايو (أيار) الماضي مرارة الحرب الأهلية لن تصفو. ومن الصعب أن نتّفق مع أشخاص بثقافات مختلفة بل ومتناقضة».

كذلك لم تخلع الطريق الجديدة ذات «الصبغة المستقبلية» ثوب الانتماءات الحزبية التي تدل اليها الشارات الزرقاء وبعض صور الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ورحّب أبناؤها بالمصالحة، لكنهم في الوقت عينه أكدوا عدم قدرتهم على مسامحة الفريق الآخر بشكل كامل. وهذا ما أكّدت عليه سامية نخال التي قالت: «الأسى لا ينسى» في تعليقها على المصالحة التي تمت بين رئيس «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري و«حزب الله» مستبعدةً أن تخفف هذه المبادرة من الاحتقان في صفوف مؤيدي الطرفين.

لا يختلف محمود في رأيه كثيرا عن مواطنيه في المناطق الأخرى. وقد عبّر عن تفاؤله بالمصالحات التي يقوم بها الأفرقاء اللبنانيون «كي يتجاوز الشعب المحنة التي يعيشها منذ سنوات ولتجنيب لبنان اضطرابات ودماء بريئة أكثر من التي خسرناها». ويقول: «لكن هذا لا يعني انه علينا أن نثق بفريق 8 آذار ولا سيما حزب الله الذي يملك السلاح ويسعى الى تحويل لبنان دولة اسلامية. وهذا ما لا يمكن تحقيقه لان لبنان لا يحكم من طائفة واحدة. هو بلد يتميز بكونه متعدد الطائفة والمذهب. ولكن علينا ان نتعايش معهم بسلام شرط ان يبقى كل منا في خطه الذي اختاره».