جعجع لـ«الشرق الأوسط»: «14 آذار» ستخوض الانتخابات بلوائح موحدة .. وأخشى لجوء «8 آذار» إلى وسائل عنفية

قال إنه اعتذر رغم أن جريمة «القوات» هي الأصغر لأنه أراد «فتح صفحة جديدة»

سمير جعجع
TT

لا يجد رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع الكلمات الكافية للتعبير عن واقع «الاعتذار» الذي قدمه الى اللبنانيين عما جرى خلال الحرب الاهلية من أخطاء وارتكابات. هو أراد من هذا الاعتذار أن يكون مقدمة لصيغة تعامل جديدة بين اللبنانيين على رغم اعتقاده بان «الجرائم» التي ارتكبتها «القوات» أصغر بكثير من الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب الاهلية، والجرائم التي ارتكبتها «القوات» في عهد رئاسته لها أقل بكثير مما حصل قبل تسلمه قيادتها في العام 1986 تاركا للتاريخ أن يحكم على هذا.

أجرى جعجع مراجعة شاملة منذ خروجه من السجن للمواقف التي اتخذها قبل دخوله. وأكد لـ«الشرق الاوسط» ان المصالحة المسيحية قائمة على الارض على رغم الاختلاف السياسي الكبير مع المشروع الذي يمثله العماد ميشال عون، مشيرا الى ان المشكلة الفعلية على الارض هي مع أنصار الوزير السابق سليمان فرنجية، مبديا الاستعداد للقائه وكاشفا أنه أبلغ المعنيين بذلك وأنه ينتظر تحديد الزمان والمكان لهذا اللقاء.

ونفى جعجع بشدة وجود أي تباينات داخل قوى «14 اذار» في ما خص الانتخابات النيابية، مقللا أهمية التسريبات عن خلاف ما مع النائب وليد جنبلاط أو رئيس حزب «الوطنيين الاحرار» دوري شمعون حول المقعد الماروني في الشوف. وجزم بأن قوى «14 اذار» ستخوض الانتخابات النيابية في لوائح موحدة ومتضامنة، مؤكدا أنه لن يترشح للانتخابات «لأن لا ميل لدي للمراكز الرسمية» ولأنه «في خضم ورشة حزبية كبيرة».

وأشار الى أن فوز قوى «8 اذار» في الانتخابات المقبلة سيعني عودة النظام الأمني إلى لبنان وعودة «تلازم المصير والمسار» مع سورية، فيما سيسمح فوز قوى «14 اذار» لها بمتابعة مسيرتها بالاتجاه نفسه، معتبرا أن هذا النجاح سوف يبين لقوى «8 اذار» أن لا مهرب من التحول التاريخي الذي بدأ في العام 2005. لكنه تخوف من لجوء «8 اذار» الى وسائل عنفية «اذا تأكد لهم أن نتائج الانتخابات سوف تأتي في غير مصلحتهم». وفي ما يأتي نص الحوار الذي جرى في بيروت:

* خلال الحرب حصلت ارتكابات كثيرة، لماذا تظهر «جريمة» القوات بشكل أكبر؟

ـ جريمة «القوات» أكبر لأنهم جعلوها تظهر بشكل أكبر. السلطة التي كانت قائمة بين العامين 1992 و2005 كانت تجعل من «القوات» هدفا مركزيا، حتى أن قلة قليلة من المسؤولين القواتيين من جميع المستويات مهما كانت لم يتعرضوا للملاحقة والتحقيق والتضييق بحثا عن وقائع صغيرة جدا لها علاقة بالحرب، ونزعها من سياقها الطبيعي المرتبط بالحرب ووضعها في سياق جرمي.

جرائم القوات تم تكبيرها من قبل سلطة كاملة كانت تدفع بهذا الاتجاه على مدى 15 سنة. ولا ننسى أنني خضعت لخمس محاكمات وصدرت بحقي 5 قرارات ظنية واحكام. وكل محاكمة استغرقت نحو سنة ونصف سنة مع الحفاظ على الشكل المطلوب للمحكمة، في حين أنها لم تكن محكمة حقيقية وجرت في ظل تحقيقات نعرف تماما كيف كانت تجرى. والمواطن العادي كان يجلس أمام التلفاز يشاهد المحاكمة تلو الاخرى ليتعاظم لديه الاعتقاد بوجود ما يسمى ارتكابات قامت بها «القوات». لهذا كله ظهرت جريمة «القوات» أكبر، فيما أن التاريخ ـ لا انا ـ هو من سيحكم انها قد تكون الاصغر ومن بعيد في ما جرى خلال الحرب اللبنانية. والاسوأ هو أن الجميع يتناسون أني تسلمت قيادة «القوات» عام 1986. ويحملونني وزر أعمال لم أكن موجودا أبدا عند حصولها، فيما أصبح الذين قاموا بها حلفاء لهم.

* مثل من؟

ـ أنا نقطة ضعفي هي تلك الطريقة في التعاطي السياسي والإعلامي، حيث أن الكثير من رجال السياسة في لبنان لا يمتلكون شيئا ايجابيا لطرحه فلا يطرحون خطة عمل ولا موقفا سياسيا. ويتحول معظم عملهم السياسي الى اتهام الاخرين والهجوم عليهم. هذه الطريقة في العمل أنا ضعيف جدا فيها. أستطيع أن اقول عن الاخرين أني أوافق على مواقفهم وأعمالهم أم لا، لكني لا ادخل في اسماء رغم أن هذه الاسماء موجودة. ومنها من مات الان وكانت له علاقة باشياء كبيرة حصلت وكانوا حلفاء لهؤلاء الذين يتهموني الان بهذه الاعمال وغيرها. وفي جميع الاحوال اعتقد بان الخطوة التالية التي يجب القيام بها هي تشكيل لجنة تقصي حقائق ومصالحة وطنية عامة على غرار اللجنة التي شكلت في جنوب افريقيا بعد انهيار نظام الفصل العنصري. وفي اطار هذه اللجنة تتبين الحقائق والوقائع وتحصل المصالحة على اساسها.

* لما اعتذرت إذا لم تكن جريمة «القوات» هي الاكبر؟

ـ لأننا نريد التأسيس لسياسة صادقة وجدية ومسؤولة تجاه الناس. خلال الحرب كانت هناك قرارات اتخذت على مر الايام ـ ايامي وايام غيري ـ لم تكن صحيحة بل كانت خاطئة. وبالتالي، بغض النظر عما يقوله الفرقاء الاخرون، علينا أن نكون صادقين مع انفسنا. ويتوجب علينا أن نعتذر عن التقصير والاخطاء والارتكابات التي لم تكن في مكانها، بغض النظر عن تصرف الاخرين.

* لماذا الاعتذار في هذا التوقيت؟

ـ منذ أن خرجت من السجن اخذت هذا المنحى. وتكلمت في مناسبات عدة عن هذا الموضوع، سواء في مقابلات اعلامية أو احاديث صحافية. لكني لاحظت أن الكثيرين لم «يلتقطوا» الفكرة التي كانت تمر بين مواضيع اخرى يتركز عليها الضوء أكثر. لهذا قررت بعد 4 أو 5 اشهر من التفكير أن تكون في اطار مناسبة عامة تكون فيها كل الانظار متجهة الى هذا الخطاب وفي حضور جميع وسائل الاعلام، فلم أجد مناسبة افضل من قداس شهداء «القوات»، وهو مناسبة سنوية لم ننقطع عنها الا في الظروف الصعبة والقاهرة. ولهذا افردت لها مقطعا خاصا. وتكلمت عنها بهدوء وبشكل واضح ليكون موقفنا واضحا للجميع ولمرة أخيرة.

* اردت أن تضع نقطة وتنزل الى السطر....

ـ بالتأكيد، كان التوقيت ملائما والحضور الحزبي في الاحتفال كبيرا والتغطية الاعلامية واسعة.

* كيف وجدت التجاوب من الاخرين حيال هذا الاعتذار؟

ـ جيد جدا، وبخلاف ما يتصوره البعض. هذا الاعتذار كان موجها الى الشعب اللبناني والضمير الانساني عن طريقة تصرف معينة حان وقت اعتمادها في الشرق ككل. وبغض النظر عن الانتقادات ذات المغزى والدوافع السياسية التي صدرت عن اشخاص لا يفهمون معنى الموقف الذي اتخذته، فقد وصلتني اصداء طيبة وايجابية من اللبنانيين في الداخل والخارج. حتى أني قابلت ذات مرة صحافيا لبنانيا يعمل في الخليج بادرني الى القول «وصلني حقي». وعندما سألته عن السبب أوضح لي أنه تعرض ذات مرة للاهانة على حاجز عسكري خلال مروره مع زوجته خلال الحرب وأنه على رغم كونه من مؤيدي خطنا السياسي، الا أن ما حصل بقي شوكة في حلقه أزالها هذا الاعتذار.

* في ضوء المصالحات التي جرت في الشارع الإسلامي بين أطراف «التحالف الرباعي» السابق، هل خفتم في لحظة ما من عودة هذا التحالف في الانتخابات النيابية المقبلة؟

ـ لم أخش ولو للحظة أن تكون المصالحات القائمة مقدمة لحلف رباعي جديد، لأني أعرف حلفائي في «14اذار» وأعرف كيف يفكرون في العمق وأهدافهم الاستراتيجية والمرحلية. ومن جهة اخرى، فان المصالحات الميدانية التي جرت لم تكن مستغربة بعد أحداث 7 مايو (ايار). فالاختلاط السكاني في بيروت يستدعي جلوس ممثلين عن «تيار المستقبل» و«حزب الله» وحركة «أمل» وكذلك الحال بالنسبة الى الوضع في خلدة وبيصور وعاليه بين «حزب الله» والحزب التقدمي الاشتراكي بعد التوترات التي حصلت والدم الذي سال. كما أن التصريحات السياسية وما نعرفه نحن بوسائلنا، كلها تؤكد أنها مصالحات ميدانية وكل فريق يؤكد أنه باق في تحالفاته.

* هل بدد اللقاء الذي جرى اخيرا بينك وبين النائب وليد جنبلاط المخاوف من «انقلاب» الاخير على تحالفاته؟

ـ الصورة كانت مبددة لدي قبل اللقاء. نحن فعلا على تواصل دائم. واللقاءات بين فريقينا مستمرة وبشكل دوري. واللقاء الذي حصل في معراب (مقر اقامة جعجع) اتى في سياق هذه اللقاءات الدورية التي يحصل منها الكثير بعيدا عن الاعلام.

* هل ترون امكانية لمصالحة مسيحية شاملة في ظل وجود مشروعين متناقضين على هذه الساحة؟

ـ نعم، هناك مشروعان كبيران لم نخف وجود التباين بينهما لا نحن ولا فريق العماد (ميشال) عون. نحن ندعو الناس للمشاركة في الانتخابات على اساسها. الوضع على الساحة المسيحية طبيعي ومطبع بين كل الاطراف باستثناء «القوات» و«المردة». والعماد عون نفسه قال ان لا ثأر بيننا وأننا تصالحنا عندما زارني في السجن وعندما زرته بعد خروجي. وعندما نلتقي خلال الحوارات، يكون ذلك بشكل طبيعي وودي. والفارق الوحيد بيننا هو الخلاف السياسي. وقد انعكس التوتر القائم مع «المردة» حادثا مؤسفا في الكورة سقط بنتيجته ضحايا من الطرفين. ومن هنا كانت ضرورة ايجاد مصالحة بين الطرفين. ونحن وافقنا فورا على مقررات الاجتماع الذي عقد برعاية الرابطة المارونية. وأنا بانتظار تحديد المكان والزمان للقاء الوزير سليمان فرنجية.

* هل هناك امكانية للقاء قريب؟

ـ انا انتظر جواب الرابطة المارونية. أما هم فاعتقد انهم لا يمانعون.

* تردد أن الوزير فرنجية يرفض اللقاء؟

ـ هذا الكلام يفاجئني. بالنسبة الينا الموضوع اجرائي. وقد نقل الي رئيس الرابطة المارونية (جوزيف طربيه) ان فرنجية لديه نفس الرغبة. أما أنا شخصيا فلدي الاستعداد وأنتظر.

* يبدو أن نتيجة الانتخابات في العام 2009 سوف تتحدد في المناطق ذات الغالبية الاسلامية، فهل تعتقدون أنكم قادرون على تبديد نسبة الـ70 في المائة التي حققها العماد عون من اصوات المسيحيين في العام 2005؟

ـ لن يكون هناك سبعينات في المائة مهما حصل. نتائج الانتخابات في العام 2005 لن تتكرر على الساحة المسيحية بالتأكيد، فالصورة أصبحت مختلفة عن العام 2005. والسؤال الوحيد هو عن حجم هذا الاختلاف.

* لماذا اعلنت عزوفك عن الترشح للانتخابات المقبلة؟

ـ أولا، لا ميل طبيعيا لدي الى المراكز الرسمية. وهناك سبب اخر أهم، وهو أننا ما زلنا في خضم الورشة الحزبية، فالظروف لم تسمح لنا بعد بالتفرغ لإنجاز الصيغة الحزبية المنتظرة وإقامة أول مؤتمر حزبي عام انطلاقا من التطورات المتلاحقة وعمليات الاغتيال. وآخر مرة قررنا فيها الدعوة الى مؤتمر عام كانت في ربيع هذا العام .

قررنا أن نفتح باب الانتساب في يونيو (حزيران) الماضي وأن يكون المؤتمر العام التأسيسي في اكتوبر (تشرين الاول) فوقعت أحداث مايو (أيار) واندفعت الورشة الحزبية في اتجاه آخر، ثم اتى مؤتمر الدوحة فانتخابات الرئاسة وتأليف الحكومة. وعندما اقرر تولي منصب نيابي أو وزاري لا بد من أن اقوم بواجباتي كاملة. وأنا لست قادرا على ذلك الآن. غير أننا سنخوض الانتخابات بمرشحين ـ بشكل أو بآخر ـ في كل الدوائر.

* كل الدوائر؟

ـ سنترشح مباشرة في بعض المناطق وندعم حلفاءنا في مناطق اخرى، وتحديدا قوى «14 اذار».

* متى سيكون المؤتمر العام المقبل لـ«القوات»؟

ـ بعد الانتخابات النيابية، فالجهد كله الآن موجه للتحضير لهذه الانتخابات. فهذه الانتخابات هي أول انتخابات نخوضها فعلا في كل المناطق. ففي الانتخابات السابقة كنا ما زلنا حزبا محلولا وقياداتنا ملاحقة وأنا في السجن.

* ماذا عن دائرة الشوف؟

ـ الكلام الذي يثار عن هذه الدائرة في غير محله. البعض يأخذ الوقائع بشكل محرف...

* لكن هناك كلاما عن ترشيح رئيس حزب «الوطنيين الاحرار» ـ دوري شمعون في الشوف وهو المقعد الذي يحتله الان النائب جورج عدوان عضو كتلتكم ونائبك في «القوات»؟

ـ الدنيا تتسع للجميع. لا مشكلة مع دوري شمعون.. البعض يختلق مشكلة غير موجودة؟

* اذا سيكون هناك مرشح للقوات وآخر للاحرار ما يعني أن عليكم أن تأخذوا من حصة النائب جنبلاط؟

ـ من دون الدخول في التفاصيل أؤكد لك أن قوى «14 اذار» سوف تخوض الانتخابات بلوائح موحدة.

* ماذا سيحصل اذا ربحت قوى «8 اذار» الانتخابات؟

ـ سوف نذهب اليهم ونهنئهم على هذا الفوز. لكن فوزهم يعني أن لبنان سيأخذ اتجاها مختلفا تماما.

* ماذا تعني؟

ـ سوف تعود الدولة لتأخذ الشكل الذي كان قائما منذ العام 1992. الاتجاه الاستراتيجي سوف يكون عودة وحدة المصير والمسار(مع سورية) والوضع الداخلي سوف يستعيد شكل النظام الامني.

* ماذا لو ربحت قوى «14 اذار»؟

ـ نتمنى أولا أن يهنئونا، لكن ليس بالطريقة التي قاموا بها خلال الأعوام الماضية. فوزنا سيعني تأكيد شرعيتنا الوطنية والشعبية والبرلمانية التي حصلنا عليها في انتخابات العام 2005. وهذا سوف يسمح لنا متابعة مسيرتنا بالاتجاه نفسه الذي سلكناه منذ ذلك الحين. هذه الانتخابات ستقوم على اساس قانون انتخاب شارك الكل في وضعه. وبالتالي لم يعد من حجة لدى أحد للكلام عن اننا «سرقنا هذه الشرعية في غفلة من الزمن بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري». وهذا النجاح سوف يبين لقوى «8اذار» أن لا مهرب من التحول التاريخي الذي بدأ في العام 2005.

* وهل من ضمانة بحصول هذا؟ لقد كنتم تمتلكون الغالبية البرلمانية ولم تستطيعوا أن تحكموا؟

ـ الان بعد كل الاحداث الامنية التي افتعلوها عادوا الى الحوار والى الاحتكام الى الناس بدلا من الشارع. هذا وضع لن يهربوا منه ببساطة. خلال انتخابات العام 2005 حصلت بعض الاخطاء في «14 اذار» أصبحنا نعرفها ونعرف كيف نتجنبها.

* أخطاء مثل؟

ـ أخطاء تكتيكية. أمور لم يكن يجب أن تحصل وتحالف رباعي لم يكن يجب ان يتم وحكومة كان يجب أن تؤلف بطريقة مختلفة.

* هل تتوقع انتخابات هادئة؟

ـ هذه تمنياتي. لكن عندما يقترب موعد الانتخابات ويتأكد هؤلاء أن الوضع غير ملائم لهم أتخوف من قيامهم بشيء ما. نحن سنكمل العمل باتجاه الانتخابات النيابية كيفما كان. ومن سيجرب الوسائل غير السلمية سوف يخسر.

* ما هي مخاوفك؟

ـ أخاف في مكان ما من وسائل عنفية عندما يتأكدون من طبيعة الوضع على الارض. لكن هذا لن يثبط عزيمتنا وسوف نستمر.