غوانتانامو: المسلمون الصينيون ليسوا «مقاتلين أعداء»

دلائل على احتمال إطلاق سراح معتقلي الإيغور إلى الولايات المتحدة

TT

يدرس قاض فيدرالي احتمال إطلاق سراح مجموعة من المعتقلين في سجن الولايات المتحدة بخليج غوانتانامو، إلى الولايات المتحدة، فيما يعتبر قرارا قانونيا بارزا في الحرب التي امتدت على مدار أعوام من أجل الحصول على حقوق المشتبهين في الإرهاب. وهؤلاء المعتقلون هم مجموعة من المسلمين الصينيين الذين تم اعتقالهم لما يقرب من سبعة أعوام، ولم تعد تعتبرهم حكومة الولايات المتحدة مقاتلين أعداء. وخلافا لغيرهم من المعتقلين، فإن هذه المجموعة لا يمكن إعادتها إلى بلادهم لأن بكين تعتبرهم إرهابيين، وربما يتم تعذيبهم هناك. وقد أطلقت الحكومة سراح خمسة من هؤلاء المعتقلين وتم إرسالهم إلى ألبانيا في عام 2006، ولكن ليست هناك دولة أخرى ترغب في المخاطرة بإغضاب الصين إذا ما قبلت تسلم بقية المعتقلين. وقد أفاد محامو الإيغور بأنه قد تم اعتقال هذه المجموعة لفترة طويلة دون وجود أدلة ثابتة، كما أن أفراد هذه المجموعة لا يشكلون تهديدا أمنيا للولايات المتحدة. ويرغب المحامون في إطلاق سراح أفراد هذه المجموعة وإرسالهم إلى منطقة واشنطن حيث توجد جالية من الإيغور هناك ـ كما يقترحون أن تشرف الحكومة عليهم كما تراقب المجرمين الذين يتم إطلاق سراحهم بإفراج مشروط. وفي وقت لاحق، يمكن أن تجد الحكومة لهم بلدا مناسبا، حسبما يفيد المحامون. وفي جلسة استماع جرت في شهر أغسطس (آب) تحدث القاضي ريكاردو يوربينا بإسهاب حول المشاكل التي تكتنف هذه القضية، كما أشار إلى أن اقتراح إطلاق سراح المعتقلين قد لفت انتباهه. وفي هذا الإطار، أشار بقوله: «إنني لا أفهم لماذا لا يعتبر ذلك الخيار واردا»، ومن المقرر أن يعقد يوربينا جلسة استماع غدا حيث سيتم الكشف عما إذا كانت لديه السلطة لإطلاق سراح خمسة من هؤلاء المعتقلين على الأقل. وقد قدم المحامون المستندات اللازمة لمطالبة يوربينا بدراسة إطلاق سراح 12 آخرين من هذه المجموعة التي ما زالت قيد الاعتقال. من جهة اخرى في واشنطن يتنوع محامو المعتقلين في قاعدة غوانتانامو الاميركية بين مدنيين وعسكريين، بين من يتقاضى اجرا ومن يعمل من دون مقابل، الا انهم يجمعون على هدف واحد وهو التعويض، بتفانيهم، عن خيارات سيئة قامت بها حكومتهم. ويقول ديفيس ريميس، 53 عاما، الذي يتولى الدفاع عن حوالي خمسة عشر معتقلا غالبيتهم من اليمنيين «ليس هناك شيء اكثر اهمية من الدفاع عن معتقلي غوانتانامو». وقد تخلى ريميس عن كل قضايا المال المربحة التي كان يتابعها في مكتب محاماة مهم للانصراف الى الدفاع عن معتقلي غوانتانامو «المجهولي الوجوه». ويضيف «لا يمكنني ان افكر في هذا الموضوع او اتحدث عنه من دون ان ينتابني شعور عميق بالغضب». ولا يتقاضى ريميس حاليا اي اجر، وهو الذي برع في الدفاع عن قضايا كثيرة لصالح شركات كبرى مثل «اكسون موبيل» و«آي بي ام» وغيرها وحصل على مبالغ طائلة نتيجتها.

ويتابع ان «ما قامت به ادارة الرئيس الاميركي بوش خلال السنوات الست الاخيرة غير قابل للدفاع عنه». ويقول المحامي جوناثان حافظ الذي تولى الدفاع عن معتقل نقل الى بلاده والذي يدافع حاليا عن علي المري المسجون في الولايات المتحدة والمصنف «مقاتلا عدوا»، لوكالة الصحافة الفرنسية «لقد تم تجاوز محاذير دستورية».

من جهتها تقول المحامية العسكرية عن احد الرجال الخمسة المتهمين بالمشاركة في اعتداءات 11 سبتمبر (ايلول) 2001، سوزان لاشولييه «لا يمكنني ان اكون الى جانب الادعاء. انه عمل اساسي، والاضرار المترتبة على دستورنا ستشكل جراحا سيكون علينا تحملها خلال العقود المقبلة».

وأخذ حوالي 700 رجل وامرأة، منذ ان سمحت لهم المحكمة العليا بذلك في 2004، على عاتقهم الدفاع عن هؤلاء المعتقلين، وهم مئات الرجال المحتجزين منذ 2002 في قاعدة غوانتانامو العسكرية في كوبا من دون محاكمة ومن دون توجيه اي اتهام لهم.

وقال المحامي ديفيد سينامون الذي يتولى الدفاع عن اربعة معتقلين كويتيين لوكالة الصحافة الفرنسية «لدينا ماض مختلف. البعض يملك خبرة وآخرون هم اساتذة في القانون والبعض الآخر يعمل في مكاتب معروفة، لكن لدينا كلنا الهدف ذاته، وهو محاولة ضمان احترام بلادنا للاسس التي قامت عليها». واشار الى انه تخلى عن قضايا المال والعقود ليمضي اكثر من ثلاثة ارباع وقته على هذه الملفات المعقدة التي «ندافع فيها عن الدستور بدلا من ان نحقق ارباحا بعشرات الملايين». وفيما معظم زملائه معينون من المحكمة، فان سينامون الذي يعمل في مكتب محاماة معروف في واشنطن، يتقاضى اجرا من والد احد المعتقلين الكويتيين الواثق ببراءة ابنه. ولا يتمتع جميع المحامين بهذا الامتياز. ولم يتردد باز ايزنبرغ وهو وكيل ثلاثة معتقلين، في استخدام المال الذي ادخره مع زوجته من اجل تقاعدهما. ذلك ان الرحلات الى غوانتانامو وتكاليف المترجمين مكلفة جدا. ويقول هذا المحامي لصحيفة «ليغل تايمز» ان «شرح المسألة قد يبدو كمن يلقي درسا، انما يكمن الامر فعلا في القسم الذي اديته».

ويجمع معظم المحامين على ان التزامهم بدأ بعد الصدمة التي شعروا بها لدى وصولهم الى المعتقل للمرة الاولى. وقالت الكومندان لاشولييه «احسست انني اختنق. كان هناك عدد هائل من القوانين والقيود، حتى بالنسبة الينا، نحن العسكريين. والوصول الى غرفة او جهاز كومبيوتر كان امرا معقدا». ويقول اللفتنانت كومندان براين مايزر الذي زار غوانتانامو للمرة الاولى في 2007 للقاء موكله سائق اسامة بن لادن، «كنت اتوقع ان ارى اكثر المجرمين خطورة في العالم. وفي الواقع التقيت سالم حمدان». واصدرت محكمة عسكرية اميركية استثنائية في اغسطس (آب) حكما بالسجن على سالم حمدان لمدة خمس سنوات ونصف السنة بعد ادانته بتقديم «دعم مادي الى الارهاب». ويعبر مايزر عن اسفه الشديد لرؤية «الطلاق بين رؤية الحكومة والواقع». وهو يعرف ان مواقفه المعارضة لمواقف البنتاغون، كما مواقف سوزان لا شولييه، ستكلفهما الحرمان من اي ترقية في المؤسسة العسكرية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص «الشرق الأوسط»