شركات توظيف أموال وهمية تغزو مدن الجنوب العراقي.. والحكومة تحذر منها

يعدون مستثمرين بأرباح تصل إلى 300%.. ويشترطون عدم التعرض لعوائلهم في حال عدم الإيفاء

TT

بجسد نصف مشلول سيقضي الحاج علي حسن بقية حياته التي ما زالت مهددة في كل لحظة، فهناك من يطالبه بأكثر من نصف مليار دينار عراقي ( 410 آلاف دولار)، لا لأنه صاحب شركة أو موظف أموال، لكنه تحمل فخا وقع به احد أبنائه الذي أغرته الأرباح الضخمة التي حصل عليها من شركات توظيف أموال تبين فيما بعد أنها عبارة عن سراب.

وبحسب وزارة الداخلية فان مبالغ لا يمكن تخيلها تجمع في العراق وتهرب للخارج، فيما حذر البنك المركزي العراقي من ان دمار الاقتصاد العراقي هو المحصلة النهائية لتلك السياسات.

احد أبناء الحاج علي قال لـ«الشرق الأوسط» ان احد إخوته بدأ التعامل مع شركات توظيف الأموال وفعلاً حقق أرباحا كبيرة وتمكن من شراء بيت كبير وسيارة حديثة وهذا ما شجعه على رهن كل ما يملك والعودة بمبالغ اكبر لشخص ادعى انه يوظف أموال في منطقة المشروع التابعة لمحافظة بابل، وأضاف «أخي ليس الوحيد، فهناك آلاف غيره قدموا لهذا الشخص من مختلف محافظات العراق الجنوبية والشمالية حتى وصلت المبالغ المطالب بها هذا الشخص الآن ما يقرب الـ450 مليار دينار عراقي»، وأوضح قائلا إن «التعامل لمدة سنة كاملة التعامل سار بشكل طبيعي، بعدها زادت المطالبات ولم يتمكن الأخير من دفعها والان هو هارب والمشكلة لا يوجد شيء يدينه كل ما هناك انه يأخذ مال الشخص الراغب بالاستثمار ويكتب اسمه في دفتر صغير ويقول له: اسمع هذا مالك سآخذه لأشغله وأنت تطالبني بإرباح تصل ما بين 200 ــ300% كفائدة نصف سنوية وليست سنوية، لكن بعد مضي ستة أشهر ولا دخل لك بعائلتي في حال مت أو حدث لي شيء وأنا المسؤول الوحيد».

وأضاف نجل الحاج أن «أحقية المستثمر بالمطالبة تسقط لأنه هو من أعطاه المال بملء إرادته، معادلة صعبة وقع فيها أخي أيضا فقد اقنع مقربين منه بتشغيل أموالهم معه على أن يكون هو الضامن والان علينا تسديد مبالغ ذهبت لغيره وكثرة المشاكل التي نواجهها أدت إلى أن يصاب أبي بجلطة دماغية أفقدته نصف جسمه، وأنا اعترف انه ذنب أخي».

ويقول نهاد هجول مدير بنك الرافدين في الصويرة والخبير بالتعاملات المصرفية انه «لا يمكن تسمية هذه الكيانات الوهمية بالشركات»، وأضاف أن «إطلاق صفة شركة يحتاج إلى جملة من الضوابط وتنفيذ لقوانين أنا أراها في العراق صارمة جدا، لكن ضعاف النفوس والتعاملات غير القانونية التي تقوم بها بعض المصارف الأهلية الصغيرة نجم عنها أخطاء كبيرة بدأت نتائجها حاليا تنعكس على الوضع الاقتصادي العراقي».

وكشف هجول لـ«الشرق الأوسط» أن «الجميع يعلم أن تكوين شركة يحتاج إلى موافقات أمنية ومصرفية وكفالات ضامنة وأرصدة ضامنة توضع في حساب الشركة بمصارف معروفة ونعطي لهم كشف ضمان وبعدها تبدأ معاملة تسجيل الشركات في وزارة التجارة"، غير انه اضاف ان «الذي حدث أن بعض الأشخاص بدأ يحصل على ضمانات من مصارف أهلية صغيرة مقابل رشاوى معينة فتسجل الشركة بالتحايل على القانون وتبدأ أعمالها غير المشروعة على أنها شركة مسجلة».

وأضاف هجول ان «هناك نوعا آخر من الشركات لا تسمى شركة، فكل ما هنالك وجود شخص يدعي انه يوظف أموالا ويبدأ بأخذ أموال الناس ويدورها عليهم»، مشيرا إلى أن حجم تلك الأموال بلغت مؤخرا مليارات الدولارات، مضيفا ان «هذا ما ستكون نتائجه مدمرة للاقتصاد الوطني».

وأضاف هجول «نحن كمصارف حكومية نحذر منها (توظيف الاموال) لكن المستثمرين لا يفضلون التعامل معنا إما لقلة نسب الأرباح أو لصرامة التعامل الروتيني، ومؤخرا حسنا نوع التعامل وزدنا من حجم أرباح الإيداع وقللنا فوائد السحب وهو أمر جيد سيزيد من حجم الإقبال». وعن سبب بروز هذه الشركات في العراق قال هجول انه «يعود لأسباب عديدة منها ضعف الجهاز المصرفي العراقي فضلا عن ان قوته الانتشارية ضعيفة جدا، فهناك مصرف لكل 54 ألفا من السكان»، واضاف ان في بلدان عربية هناك مصرف لكل 10 آلاف شخص وفي دول أوروبية مثل ألمانيا هناك 6 مصارف لكل 10 آلاف مواطن.

ولم يستبعد العميد علاء الطائي مدير الإعلام والعلاقات في وزارة الداخلية العراقية أن تكون هذه الشركات هي جزء من مشروع تمويل الإرهاب بالعراق، قائلا إن «الجماعات الإرهابية تحاول الاستناد على كل ما من شانه تسهيل مخططاتها الرامية إلى تقويض مشروع معين أو حكومة معينة تقع ضمن أهداف تحاول تنفيذها جهات داخلية أو خارجية والعراق مقبل على بناء دولة المؤسسات وهو مشروع قد لا يروق لكثير من الجهات وبالتالي يعتمد على كل الوسائل مثل غسيل الأموال والفساد ومجموعة كثيرة من الإجراءات السائدة في الشارع مثل تجنيد الانتحاريات والمواطن لحد الآن يتوجس ريبة من استخدام أسلحة كاتمة للصوت في عمليات استهداف لشخصيات بارزة، وهذه التنظيمات تحاول قدر المستطاع تأمين خزين مالي كبير كي يسهل عليها إتمام عملياتها اعتمادا على الإغراء بالأموال». أما القاضي عبد الستار بيرقدار المتحدث باسم مجلس القضاء الأعلى العراقي وباعتباره أعلى سلطة قضائية في العراق، أكد انه لا يوجد في القانون نص يلقي اللوم على المواطن إذا وقع ضحية لعملية نصب واحتيال فالقانون وجد لحماية المواطنين وأموالهم والقانون العراقي تضمن المادة 456 وهو نص يقاضي ويحاكم شخوص محتالين يحتالون على المواطنين بهدف ابتزاز أموالهم بشكل غير مشروع حتى وان كان المواطن هو من سلم ماله لهذه الشركات.

من جانبها، حذرت المرجعيات الشيعية بعد أن رأت استفحال ظاهرة تشغيل الأموال في المحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية، من التعامل مع هذه الشركات.

وقال القيادي في حزب الفضيلة الإسلامي غازي سماري ان «هذه الشركات تعمل بسرية تثير الكثير من الشبهات، وهي تتعمد تحويل العملة الصعبة إلى خارج العراق ما يتسبب باستنزاف الاقتصاد المحلي». وكشف عن أن «أبرز شركات التسويق الشبكي التي أخذت تنشط في المحافظات العراقية مؤخراً هي كولد كويست، في ماكس، موناكو، أكوام كوم»، وتابع «أما عدد المواطنين الذين يتعاملون مع هذه الشركات في محافظة البصرة فقط فيقدر بنحو 8 آلاف مواطن».