إصلاحات هجينة لا تضمن صحة التمثيل النيابي في لبنان.. وتعيد إنتاج الطبقة السياسية نفسها

خبيران قانونيان يقومان تعديلات لجنة العدل للقانون الانتخابي

TT

أثار قانون الانتخابات الذي اقرّه أخيرا مجلس النواب اللبناني استياء في صفوف المواطنين الذين كانوا ينتظرون اصلاحات جادّة. فإذا بها أتت «خجولة» لم تف بتوقعات بعض «المتفائلين». وكان مردّ تحفظات الكتل البرلمانية عن إقرار بعض البنود الاصلاحية الى العامل التقني تارة والحاجة الى إجراء تعديل دستوري تارة أخرى. فكان ان صدر قانون 1960 الذي، وباعتراف القوى السياسية، ليس قانونا سليما ولا يعبّر عن إرادة الناخبين ولا يساهم في الانصهار الوطني، بنسخة 2008 ليتم على اساسه انتخاب برلمان 2009 وإيصال سلطة اشتراعية من المفترض ان تعالج هموم المواطنين المتراكمة وتقرّ مشاريع قوانين اصلاحية تتناسب مع متطلّبات العصر.

عن هذا القانون وهذه الاصلاحات تحدّثت «الشرق الاوسط» الى مدير «مركز بيروت للأبحاث والمعلومات» خبير الانتخابات اللبناني عبدو سعد والقاضي سليم جريصاتي اللذين أجمعا على ان هذا القانون «هجين» ولا يضمن في شقّه «الاصلاحي» سلامة سير العملية الانتخابية.

في البداية، قال سعد ان البنود التي اقرّها مجلس النواب «لا تتضمّن اصلاحات جادة او تحدّ من سيئات سير العملية الانتخابية. فالمشكلة تكمن اصلا في نظام الانتخاب الذي يزوّر ارادة الناخبين ولا يساهم في بناء الدولة، وبالتالي مهما حاولنا ارساء اصلاحات فلن تغيّر الواقع. الطبقة السياسية ستبقى نفسها ولن يُسمح للقوى الجديدة بالوصول إلى البرلمان. مهما وضعنا من قوانين لن نستطيع الحدّ من شراء الأصوات الذي يجري تحت عناوين عدّة. لا شيء يمكنه وضع حدّ لهذا الأمر سوى استحداث نظام انتخابي سليم». ولفت إلى أن «المجلس أغفل ثلاثة اصلاحات جوهرية وهي خفض سنّ الاقتراع الى الثامنة عشرة، السماح بالانتخاب في مكان الاقامة، السماح للعسكريين والسجناء بالاقتراع. فهذا من شأنه رفع نسبة المشاركة في التصويت». وأضاف: «يدّعون ان خفض سنّ الاقتراع يحتاج الى تعديل دستوري. أين المشكلة اذا كان تعديل الدستور من صلاحيات البرلمان وفي صلب اختصاصه؟ ثم ان منع العسكريين والسجناء من التصويت، يتعارض مع الدستور الذي ينصّ على المساواة بين المواطنين. أما عدم السماح بالاقتراع في محل الاقامة، فأمر مستغرب خصوصا ان لبنان خاض هذه التجربة في العامين 1992 و1996 حين نقلت اقلام الاقتراع لناخبي قرى الجنوب المحتلّة الى بيروت».

وردا على سؤال عن إبعاد العسكريين عن الحياة السياسية، قال: «انها حجج واهية. كيف ننتخب ثلاثة رؤساء للجمهورية من المؤسسة العسكرية اي نضعهم في المنصب الاوّل في الدولة، ثم ندّعي اننا لا نريد اقحامهم في الحياة السياسية؟ ثم في كل الدول يشارك العسكريون في الاقتراع».

وتناول امتناع البرلمان عن اعتماد الورقة الانتخابية الرسمية الموحّدة وتتضمن صور المرشحين واسماءهم، فقال: «كان بإمكان توحيد ورقة الاقتراع الحدّ من الرشوة والسطوة على الناخبين. لا ارى اي مبرّر تقني مقنع لرفض اعتماد هذه الورقة. ببساطة رفضتها القوى السياسية لانها لا تضمن مصالحها». وتطرّق الى اقرار المجلس البند المتعلّق بمنع توزيع اللوائح الانتخابية والمنشورات أمام اقلام الاقتراع، فقال: «انه امر جيّد لانه يخفّف الضغط النفسي على الناخبين، انما لا شيء يمنع من ان تعمد الماكينات الانتخابية الى توزيع هذه اللوائح على المنازل». ونوّه بإقرار البند المتعلّق بمنع نشر استطلاعات الرأي قبل 10 أيام من الانتخابات، مشددا على ضرورة «ضبط الاعلام لانه في حال النجاح في ذلك سيخفّ الاحتقان الذي يظلّل الاجواء قبل الانتخابات. على اية حال، سننتظر لنرى اداء الهيئة المكلّفة الاشراف على سير الانتخابات، والصلاحيات التي ستناط بها علّ دورها يكون فاعلا». وأخيرا، رجّح سعد ان «تظلّ التحالفات السياسية على حالها رغم حصول بعض التحلّل من الالتزامات لدى البعض. لذلك بشكل عام التعاون بين قوى 14 آذار سيتأثر سلبا بسبب طريقة تقسيم الدوائر خصوصا في الشمال. اعتقد ان الارجحية ستكون للمعارضة انما بفارق ضئيل».

وإذ رأى الاستاذ المحاضر في كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اليسوعية القاضي سليم جريصاتي ان هذا القانون «هجين في اوّل عهد الرئيس ميشال سليمان»، دعا رئيس الجمهورية ميشال سليمان الى «عدم الوقوف موقف المتفرّج على قانون كهذا في كل ما يتعارض مع مقدّمة الدستور واحكامه وفي حوزته سلاحان: سلاح الرد الى المجلس النيابي وسلاح الطعن لدى المجلس الدستوري». وردا على سؤال في خصوص خفض مهل استقالة رؤساء البلديات ومنع مشاركة العسكريين والسجناء، قال ان «القانون مفصّل على مقاس اشخاص فيه استثناءات غير مبرّرة، ترشيحا واقتراعا». واعتبر ان ما يدعو الى الاسف ان «عهدا في بداياته الواعدة لا يستأهل قانونا كهذا لانتاج سلطة اشتراعية لسنوات اربع. واذا كان من نصيحة اسديها للرئيس فهي الامتناع كليا عن المشاركة في تأليف تكتّل نيابي بموجب هذا القانون».

وقال: «انطلاقا من مشروع القانون الذي وضعته لجنة فؤاد بطرس، يعتبر القانون الحالي الذي اقرّه مجلس النواب، متخلّفا في كثير من نواحيه عن الاصلاحات التي ادّى بها مشروع القانون المذكور. ولعلّ ابرز نقاط التراجع الاستغناء كليا عن النظام النسبي الذي زاوجه مشروع القانون مع النظام الاكثري وذلك بحجة التقيّد بتسوية الدوحة التي أعطيت ما لا تحتمله من ابعاد ميثاقية ودستورية وسياسية».

واضاف: «اصلاحات اخرى تجاوزتها كليا لجنة الادارة والعدل والهيئة العامة لمجلس النواب حيث تداخل بعض الموالاة مع بعض المعارضة للمساهمة في عملية التجاوزات. ولعلّ ابرز ما تم تجاوزه في هذا الخصوص الهيئة المستقلّة للاشراف على الانتخابات كما وُضعت في مشروع لجنة فؤاد بطرس، وقد تحوّلت لجنة من قضاة وأشخاص آخرين تعمل برئاسة وزير الداخلية والبلديات المعني مباشرة بالمرفق الانتخابي». وأضاف: «كما ذهبت ورقة الانتخاب الموحدة ضحية هذه التجاوزات وأعيد العمل بالنظام القديم. وفي ما يتعلّق بتنظيم الاعلام والاعلان الانتخابيين، أتى زاجرا وغير موفّق لجهة التدقيق المسبق والجاد مع المراجع المختصّة. هذا البتر المتكرّر لمشروع قانون لجنة فؤاد بطرس قضى على تماسك الوضع الإصلاحي المنشود». ورأى ان «الاصلاحات بدت عناوين كبرى، واذا قاربناها مقاربة علمية نجد فيها ثغرات كبرى. وقد اقرّ الرئيس سليمان ووزير الداخلية (زياد بارود) بذلك. فالاخير قال ان هذا القانون هو افضل الممكن في ظل هذه الطبقة السياسية وانه لا يستجيب لمتطلبات الاصلاح. وانا اشاطره هذا الرأي وأدعوه الى الافصاح عما جرى في لجنة الادارة والعدل والهيئة العامة لمجلس النواب ومداخلاته المتكرّرة لانقاذ ما يمكن انقاذه من براثن السياسة الضيقة». واعتبر ان «الاصلاحات التي اقرّت على ضآلتها وقلّة جدواها، قد تحسّن بعض الشيء من صدق الانتخاب وقد تستُر على بعض العورات ليس الا».