العباءة الرجالية: حرفة يتقنها أهالي النجف.. وهدية زواج أهالي الخليج

أفخرها المصنوعة من البريسم.. وأغلاها من وبر الجمال

عراقي يتفحص عباءة رجالية في محل خياطة بمدينة النجف («الشرق الأوسط»)
TT

يكاد كل زائر أو مسافر لمدينة النجف أن يتوقف أمام محلات العباءة النجفية والتمعن بجمال خياطتها ذات الخيوط الزرقاء والبني والأصفر التي تخاط على جوانبها ومعها الذهب والفضة الذي زاد من جمالها أكثر.

ويحرص اهالي الخليج والعرب على شراء هذه العباءة التي تقدم كهدية زواج او تبرك من المدينة. واشتهر أهل النجف بالعباءة منذ زمن بعيد وأصبحت من الحرف الرئيسة فيها، وأغلب الأسر الريفية تعتمد في رزقها على صناعة العباءة التي لم تستطع التكنولوجيا الحديثة مجاراة صناعتها اليدوية.

حميدة الغزالي، 66 سنة، من اهالي النجف «ناحية القادسية»، أم لخمسة اولاد وبنتين تسكن في بيت جدرانه وغرفه من الطين، تقول لـ«الشرق الاوسط» إن صناعة العباءة النجفية تبدأ من  جز الصوف من الاغنام في شهر مايو (ايار) من كل عام وتتم عملية الجز في المناطق الصحراوية؛لأ حيث تقوم بعض الأسر الريفية بشراء الصوف ذي الألوان المختلفة، لكن الأسود والأحمر هو المفضل، وأضاف الغزالي «نقوم بغسل الصوف جيدا ومن ثم نعرضه لأشعة الشمس للتخلص من الرطوبة بعدها نقوم بغزل الصوف بالمغزل لعدة أيام وبعد إتمام الغزل نقوم ببيعها على النساجين «الحياك» لتصبح عباءة أو ما يسمى عند النجفيين «الخاجيه».

 تشاهد عند دخولك سوق العباءة القريب من الروضة الحيدرية، وسط النجف، الخياطين وهم يقومون بعملهم بكل هدوء وحذر، لأن هذه الصناعة تحتاج الى دقة وبراعة كبيرة.

الحاج محسن أمان، 69 سنة، أحد الخياطين البارعين في هذا السوق، يرتدي نظارات طبية وبين أنامل يده اليمنى إبرة الخياطة التي لم تتوقف عن العمل طوال لقائنا به. وقال الحاج أمان لـ«الشرق الاوسط» ان «هذه الحرفة لا تقبل الخطأ، وان العاملين فيها يجب ان يكونوا خبراء وإلا أصابتهم خسائر مادية، حيث تدخل العباءة مراحل عديدة في صناعتها، ودورنا نحن الخياطين آخر مرحلة من مراحل هذه الحرفة بعدها تصبح جاهزة للبس». وأضاف أمان ان «للعباءة عدة أنواع؛ منها الصيفي التي تسمى (الخاجية أو البشت) ومنها الشتوي التي تسمى العباءة. وتختلف العباءة حسب نوع الأصواف المستخدمة في صناعتها؛ فمنها ما يصنع من الوبر ومصدره الإبل والصوف من الغنم ومنها ما يصنع من القماش المستورد. وكما تتعدد أنواع العباءة تتعدد طرق خياطتها ومن أهم أنواع الخياطة (الجاسبي) وخياطة التحرير وأنواع أخرى عديدة حسب ذوق المشتري».

اما الخياط أبو جاسم، 57 سنة، الذي توارث هذه الحرفة من عدة أجيال فقد قال لـ«الشرق الأوسط» إن «صناعة العباءة قد تستغرق الواحدة منها من اسبوعين الى ستة أسابيع حسب مهارة الخياط». وأضاف ابو جاسم ان «الرجل العربي اتخذ العباءة رمزا لعروبته وأصالته؛ وهي مما يفتخر به الرجل، وكلما كانت العباءة من نوع فاخر مثل عباءات الحبر الحريرية بخيوط الذهب زاد تبختر وشموخ مرتديها من أغنياء العراق والدول العربية». وتابع ابو جاسم ان «عباءة الحبر تنسج من خيوط الحرير الطبيعي وتتخذ لها خيوط ملونة باللون الازرق لتميزها عن سواها، وتطرز بالكلبدون او خيوط الذهب او خيوط الحرير ذاتها بألوان مختلفة. ويسمى تطريزها (التحرير) وتعد ملكة متوجة في عالم العباءة». فيما قال الحاج حسن حميد، وهو بائع للعباءة النجفية، ان «الزوار والمسافرين الذين يتوافدون على مدينة النجف على طوال ايام السنة وخاصة من دول الخليج، لا بد من ان يزوروا محلات العباءة وشراء الاغلى منها كهدية للعرسان او للتبرك من المدينة او بعض الاحيان التجار يشترون كميات كبيرة وخصوصا النادرة منها وتبقى العباءة التي تصنع من الصوف وتغزل بالمغزل هي الأفضل والأجود، ويفضلها كبار السن ويعدونها تراثا يتجدد عاما بعد عام»، مضيفا ان «لدينا نوعين من العباءة، المغزل والمكينة، والعباءة المغزل تخيط أما بالكلبدون وهو ثلاثة أنواع: فرنسي وألماني والبكر. أما نوع الخياط الثاني فهو خياط البريسم أو الحرير وهو أفخر أنواع الخياط». وأوضح حميد أن «وبر الإبل يعد المادة الأولية الرئيسة لصناعة العباءة الرجالية الشتوية، فيما يعد غزل صوف الأغنام المادة الرئيسة لصناعة العباءة الرجالية الصيفية التي تسمى الخاجية أو البشت. وتصنف العباءة النجفية تبعا لطريقة خياطتها، فمنها العباءة الجاسبي والعباءة التحرير والعباءة الدرج».

فيما قال الخياط حسين العبايجي، 62 سنة، لـ«الشرق الاوسط» إن «أسعار العباءة النجفية تختلف حسب نوعية الصوف المستخدم وأيضا الحياكة اليدوية عن الميكانيكية والأخيرة تكون أسعارها بين 20- 50 ألف دينار عراقي (حوالي 15-40 دولارا)، اما الأسعار اليدوية خصوصا الصيفية منها فتكون غالية وحسب رفع الغزل، حيث تصل الى 500 دولار. اما العباءة الصيفية التي يكون حجمها 125 غم وتخاط بالكلبدون وذات الألوان النادرة فتصل أسعارها الى 1000 دولار. وهذه العباءة دائما مشتريها من دول الخليج». وتابع العبايجي أن «أسعار العباءة الشتوية متوسطة وتحاك بطريقة ميكانيكية، اما العباءة البوشهري الإيرانية فتعتبر أغلا العباءات الشتوية، حيث تحاك من وبر الجمل ويصل سعرها إلى 700 دولار». وأضاف العبايجي ان «العباءة التي يلبسها رجال العلم تكون أسعارها زهيدة جدا لا تتجاوز 15 ألف دينار (نحو 12 دولارا) وتحاك بطريقة ميكانيكية ورجال العلم لا يفضلون العباءة ذات الأسعار المرتفعة كون ذلك يميزهم عن الناس الفقراء».