كبار رجال الأعمال السودانيين «المتعثرين» في سداد ديونهم للبنوك يواجهون عقوبة السجن

يطلق عليهم وصف «أمراء البنوك» أو «الجوكية»

TT

شنت الحكومة السودانية حملة اعتقالات واسعة وسط عملاء البنوك السودانية المتعثرين في سداد ما عليهم من تمويل، طالت حتى الان نحو 237 من كبار المستثمرين ورجال المال والاعمال في البلاد، تحت تهمة تخريب القطاع المصرفي. وتأتي حملة الاعتقالات في إطار ما اعتبره المسؤولون في الاقتصاد السوداني بداية الحرب على من تلقبهم الصحافة السودانية بـ«امراء البنوك». وتشدد السلطات السودانية على انها لن تفرج عن «امراء البنوك» وهم شخصات لامعة في مجال الاستثمار والمال، إلا بعد تسديد ما عليهم من متأخرات. وقال مسؤول في النيابة «انها حرب لن تنتهي الى ان تعود الامور الى نصابها» فيما كشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الاوسط» ان تحقيقات سرية بدأت مع مسؤولين في المصارف تشير التقارير الرسمية الى تورطهم في ازمة سداد التمويل بينهم مديرو بنوك وموظفون في ادارات الاستثمار في البنوك، كما كشفت ان جملة الاموال المتعثرة بلغت 30 مليار جنيه سوداني أي ما يعادل 15 مليار دولار اميركي. وكان البنك المركزي قد هدد بنشر اسماء الموظفين في المصارف الذين يقومون بإعطاء التمويل للمتعثرين بطرق غير قانونية. ونفى مسؤولون في البنك المركزي لـ «الشرق الاوسط» ان يكون البنك في اتجاه نشر اسماء المتعثرين الكبار كما اشيع اخيرا في الخرطوم، وقالوا إن المسألة مخالفة للدستور حتى هذه اللحظة.

ووصف خبير اقتصادي تحدث لـ«الشرق الاوسط» الوضع بانه خطير، ويماثل ما حدث في الولايات المتحدة، من حيث الاسباب، إلا ان اقتصاديين قللوا من امكانية ان تؤدي ازمة السداد الى انهيارات كبرى في الاقتصاد السوداني مثلما حدث في الولايات المتحدة «باعتبار ان الاقتصاد السوداني لم تكتمل كل حلقاته كاقتصاد حر».

وكشفت المصادر أن عددا من المتعثرين افرج عنهم بعد تحقيقات اولية اجريت معهم من قبل المسؤولين في الامن الاقتصادي ونيابة المصارف، فيما تم تحويل 37 من كبار المتعثرين الى سجن كوبر القومي في الخرطوم. وقالت المصادر ان هذه المجموعة التي تضم كبار المستثمرين ورجال المال والاعمال في البلاد، حازت نحو 85% من جملة الاموال المتعثرة. وتوقعت المصادر ان يتم اعتقال عدد اخر من المتعثرين الذين يطلق عليهم وصف «الجوكية» (من الجوكي وهو في الاصل راكب الخيول، ولكنه هنا يطلق على المتخصصين في اخذ الاموال من البنوك). وأشارت الى ان الجهات المختصة تبحث الان عن متعثرين هاربين في الداخل، ولم تستبعد المصادر هروب عدد من «الجوكية» الى خارج البلاد في الفترة الماضية. وكشفت المصادر أن وفاة احد كبار المتعثرين في الفترة الماضية، كانت البنوك تطالبه بمليارات الجنيهات، هي التي حركت حملة المراجعات وسط المتعثرين، كما ربطت المصادر بين اعلانات في الصحف السودانية عن تصفية احد اكبر المصانع في البلاد بالحملة التي تضغط على كل المتعثرين لتسوية اوضاعهم المالية مع البنوك. وفي تصريحات صحافية، قال حاتم الزبير، رئيس اتحاد المصارف السودانية، ان البنوك استنفدت كل الوسائل والطرق مع المتعثرين (الجوكية) لاسترداد الاموال من خلال إمهالهم لفترة او الاتفاق على جدولة سداد او تسوية نهائية قبيل اللجوء الى القضاء بفتح بلاغات ضدهم. وقال الزبير ان تحريك الاجراءات القانونية ضد الـ37 من العملاء المتعثرين أسفر عن استرداد 11 مليون جنيه من عميل او متعثر. وتوقع الزبير أن تشهد الايام المقبلة اعلان مبادرات اخرى من متعثرين تم تحريك إجراءات قانونية ضدهم لتسوية مديونيات البنوك، ووصف فتح البلاغات والسجن بأنها وسيلة للوصول لحلول وسداد المديونيات وابرام تسويات، وقال الزبير ان البنوك سلمت البنك المركزي تقارير حول عدد المتعثرين وحجم المبالغ واسباب التعثر والاجراءات التي اتخذت لتسوية المديونيات، ليصبح بذلك عدد المتعثرين وحجم التعثر الحقيقي بطرف بنك السودان. ودعا الزبير الى انشاء مؤسسة لإدارة الدين المتعثر لشراء الدين وإدارته الى جانب إيجاد المخارج القانونية والشرعية التي تسهل قيام هذه المؤسسة.

وعزا الدكتور محمد سر الختم عميد كلية الاقتصاد في جامعة ام درمان الاسلامية حدوث أزمة التعثر في المصارف الى ما سماه ضعف ضمانات التمويل، وقال لـ«الشرق الاوسط» ان بعض المصارف ظلت فترة طويلة تأخذ ضمانات غير حقيقية من العملاء حيث يتم تقييمها بصورة مجافية للواقع، واضاف ان ابتعاد البنوك عن نظام التمويل بالشراكة جعلها بعيدة عن تحمل جزء من مسؤوليات هذا النشاط ما ساهم في تراكم السداد بسبب تعثر المشروعات التي خصص لها التمويل في الاصل. وحسب الدكتور سر الختم فإن اغلب الاموال التي خصصت لبعض الممولين لم تذهب الى الاغراض التي منحت من أجلها، اي انها ذهبت الى مجالات غير حقيقية. ورأى الخبير الاقتصادي السوداني أن الأزمة الحالية من شأنها ان تخلق الكثير من الشك في هذا النشاط مجملا، كما تؤدي الى عجز البنوك عن النهوض بها بشكل اقرب الى التام في المستقبل، ما ينعكس سلبا على النشاط الاستثماري في البلاد. وطبقا للخبير سر الختم فان المخرج يكمن في «اعتبار المماطلة في الدفع جريمة يعاقب عليها ببنود محددة ليس من بينها السجن». وقال «ارى ان من يماطل يجلد»، ونبه الى ان «هناك مادة في القانون السوداني تعتبر المماطلة في سداد التمويل من المصارف جريمة ولكنها ألغيت بضغوط». وحمل اقتصاديون الحكومة مسؤولية ما حدث عندما الزمت البنوك بان يتدخل البنك المركزي في عملية اختيار مديري البنوك، معتبرين ان ذلك يقلل من فاعلية الادارة لدى البنوك ويقلل من درجة المحاسبة المستمرة للأداء. وعزا الاقتصاديون الذين تحدثوا لـ«الشرق الاوسط» ذلك الى ضعف الرقابة من البنك المركزي، والى ما اسموه المبالغات في تسييل الضمانات والرهونات، والى عدم وجود دراسات حول ما يجري حقيقة داخل مثل هذا النشاط. الا ان أحدهم قلل من خطر ان يؤدي التعثر الماثل في العملية الاقتصادية الى تكرار ما يحصل الان في الولايات المتحدة، وعلل ذلك بان الاقتصاد السوداني لم يكن محررا بالمعنى الغربي للتحرر الاقتصادي.