الأزمة الاقتصادية العالمية تزيد من احتمالات نجاح ليفني في تشكيل حكومة إسرائيلية

بسبب خشية الإسرائيليين من تفاقم المشكلة وانعكاسها على بلادهم

TT

في الوقت الذي يعاني فيه السياسيون بالدول الغربية وغيرها من تفاقم تأثير الأزمة الاقتصادية على مستقبلهم السياسي، تبدو وزيرة الخارجية الاسرائيلية، تسيبي ليفني، مستفيدة كبرى حيث ان تبعات هذه الأزمة على اسرائيل تساهم في زيادة احتمالات نجاحها في تشكيل حكومة برئاستها تحل محل حكومة ايهود أولمرت الانتقالية. فالاسرائيليون يخشون من تفاقم الأزمة وآثارها المباشرة على اقتصادهم، القوي ولكن الحساس للغاية والذي يتأثر بكل هزة في الاقتصاد الأميركي والأوروبي. ويريدون حكومة مستقرة ثابتة في أسرع وقت ممكن. ويرفضون التوجه لانتخابات عامة مبكرة، لأن إجراء انتخابات كهذه سيستغرق أربعة شهور من الآن. ولا يمكن لقيادة مسؤولة أن تسمح بخوض معركة انتخابية طويلة كهذه في ظل أزمة اقتصادية خطيرة من هذا القبيل. وبدأت ليفني جهودها لتشكيل حكومة بديلة لحكومة أولمرت في اليوم التالي لانتخابها رئيسة لحزب «كديما» الحاكم، قبل أسبوعين. وواجهت عقبات جمة مع الأحزاب التي يتشكل منها الائتلاف الحالي. وحتى حزب العمل برئاسة ايهود باراك، حاول ابتزازها اقتصادياً طالباً تعديل الموازنة العامة للسنة المقبلة، التي أقرت في الحكومة في سبتمبر (ايلول) الماضي. وراح يهدد بالتوجه الى الانتخابات مع ان جميع استطلاعات الرأي تشير الى أنه سيتحطم تماماً في الانتخابات وسيهبط من 19 الى 12 نائبا. والتقى باراك مع رئيس حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، لـ«تنسيق المواقف»، ملمحا الى امكانية الاتفاق بينهما على حكومة وحدة وطنية بعيد الانتخابات يتقاسمان فيها السلطة. ووضع حزب «المتقاعدين» الذي انشق الى حزبين. وتشير الاستطلاعات الى انه سيختفي بشقيه عن الخريطة الحزبية في أول انتخابات مقبلة، اذ اشترط كل من الشقين عدم اشراك الشق الآخر.

وبدا حزب «شاس» لليهود الشرقيين المتدينين، ميالا الى التوجه لانتخابات مبكرة، لأنه يواجه هو الآخر صراعا داخليا. فالرئيس المؤسس له، أريه درعي، يريد العودة الى قيادة الحزب. ورئيس الحزب الحالي، ايلي يشاي، يحاول منعه. ولا يستطيع درعي الدخول الى السياسة لأنه سجن بعد ادانته بتهمة الاختلاس والاحتيال ونهب أموال الجمهور عندما كان وزيرا للداخلية. وحسب القانون، فإن عليه أن يمضي سبع سنوات بعيدا عن السياسة. وهذه السنوات تنتهي بعد تسعة شهور من الآن. هنا نشأ صراع وتناقض بينهما. درعي يريد ان تجري الانتخابات في موعدها أي أواخر سنة 2010 حتى يستطيع ترؤس الحزب، ولذلك يدعو الى البقاء في الائتلاف. ومنافسه يشاي يريد اجراء انتخابات في أسرع وقت، لكي يضمن بقاء درعي خارج الحلبة. وإزاء هذه المصاعب، توجهت ليفني الى أحزاب أخرى، مثل: «يهدوت هتوراه» (اليهود المتدينون الاشكناز) وحزب «ميرتس» اليساري. وأمضت نصف المدة المعطاة لها لكي تشكل حكومة، من دون أن تبدو في الأفق بشائر النجاح. فكل هذه الأحزاب طرحت مطالب مالية كبيرة. فطلب «شاس» زيادة مخصصات تأمين الاطفال و«ميرتس» يؤيده في المطلب، وحزب العمل يريد رفع نسبة العجز في ميزانية العام المقبل من 1.7% الى 2.5%، و«ميرتس» و«شاس» يؤيدانه في ذلك. و«يهدوت هتوراه» طرح هو الآخر مطالب مالية اضافية. وبدا ان مهمة ليفني تقترب من حدود المستحيل. وإذا بـ«الفرج» يأتي من «وول ستريت». فالأزمة في البورصة والبنوك الأميركية، وتبعاتها على الاقتصاد العالمي وبالتالي أيضا على الاقتصاد الاسرائيلي، جعلت ليفني في موقع أقوى. وقالت: «الأزمة الاقتصادية تجعلنا مضطرين الى إبداء مسؤوليتنا الوطنية وتغليب المصلحة الاقتصادية للدولة على كل المصالح الحزبية والشخصية، ولذلك ليس من مفر أمامنا سوى الاسراع بتشكيل حكومة جديدة تعرف كيف تدير هذه الأزمة بأقل ما يمكن من خسائر».

والمجتمع الاسرائيلي، المبني على أسس الاهتمام بالعامل الاقتصادي ورفع مكانته الى مستوى العامل الأمني، يقبل المنطق الذي طرحته ليفني. فهناك حاجة ماسة لمتابعة تطورات الأزمة في العالم وتأثيرها على الاقتصاد الاسرائيلي واتخاذ قرارات مصيرية بشأنها لتقليص حجم الخسائر الى أدنى حد. وما هي إلا أيام منذ تصريحاتها بهذا الخصوص حتى وجدنا كل وسائل الاعلام تتجند الى جانبها، وتطالب قادة الأحزاب بإبداء روح المسؤولية والاسراع بتشكيل الحكومة. ويلاحظ ان باراك هو أكثر المتفوهين لصالح الانتهاء من مهمة تشكيل الحكومة في أسرع وقت. وصرح، أمس، خلال زيارة للمواقع العسكرية الاسرائيلية في هضبة الجولان بأنه يفضل مصلحة الدولة واستقرارها على المطالب الحزبية الشرعية المتعلقة بالميزانية.