إسرائيل تعيد لروسيا ملكية عقارات عمرها 140 سنة داخل القدس الغربية

موسكو ثمنت الخطوة وتواصل التفاوض حول عقارات أخرى.. وأولمرت يؤكد مناقشة الملفين الإيراني والسوري مع ميدفيديف

TT

فوجئ رئيس الوزراء الإسرائيلي، ايهود أولمرت، بالفرحة العارمة التي قابلت بها موسكو «هديته» الكبيرة، وهي اعادة «ساحة سيرجييه» (المسكوبية) في القدس الغربية. فخرجت وسائل الاعلام الروسية بعناوين صارخة أمس تثمن فيها عاليا القرار الاسرائيلي بإعادة هذا العقار معربة عن آمالها في أن تعيد اسرائيل بقية العقارات الروسية الواقعة تحت سلطتها في عدة مدن أخرى في اسرائيل.

وساحة سيرجييه هي بقعة من الأرض مساحتها 60 دونما مقامة عليها مبان أثرية ثمينة تعود لعام 1872 وتعرف لدى العرب باسم «المسكوبية» ولدى اليهود باسم «ساحة الروس». أطلق عليها الروس اسم «ساحة سيرجييه» نسبة الى الأمير نيكولاي سيرجييه، شقيق القيصر الروسي في ذلك الوقت، الذي قدم الى فلسطين على رأس وفد روسي كبير لافتتاح العمارات التي أقيمت فيها.

ويروي الروس ان القيصر أرسل بعثة الى فلسطين في أواسط القرن التاسع عشر برئاسة مستشاره الأمين، أنطونين كاوفوستين، لامتلاك أراض وعقارات تشكل بيتا للحجاج الروس الى الأراضي المقدسة. وكتب كاوفوستين في مذكراته: «تركت يومها كل أشغالي في الحياة وبكل ما أوتيت من قوة سعيت لتحقيق الهدف.. تثبيت اسم روسيا في الأراضي المقدسة لكي لا نظل فيها ضيوفا بل أصحاب أملاك». ويقول الروس ان كاوفوستين بالغ في اقتناء العقارات لدرجة ان القيصر بعث اليه برسالة يقول له فيها: «توقف واكتف بما عندك، فنشاطك بات يثير الريبة والحسد».

ومن بين الممتلكات الروسية في المنطقة التي أصبحت تحت الادارة الاسرائيلية في 1948، 23 مدرسة في منطقتي القدس والجليل وعشرات الكنائس والأديرة بينها دير كبير وفخم على قمة جبل الكرمل في حيفا ودير ينتشر على 64 دونما على الشاطئ الغربي لبحيرة طبريا ومدرسة ضخمة في الناصرة وكنيسة ذات قيمة فنية عالية في يافا. وكل هذه العمارات والكنائس تحولت إلى مواقع أثرية عالية كونها تبلغ من العمر أكثر من 100 سنة ومعظمها تحافظ على رونقها العمراني.

هذه العقارات مسجلة بمعظمها باسم الكنيسة الروسية ولكن ساحة سيرجييه مسجلة باسم شقيق القيصر. ووضع الانتداب البريطاني يده على هذه العقارات في سنة 1917 ولدى قيام اسرائيل انتقلت السيطرة عليها الى دائرة «أملاك الغائبين». ولكن الحكومات السوفياتية المتعاقبة واصلت المطالبة بها. وفي 7 أكتوبر (تشرين الأول) 1964 وقعت اتفاقية بين وزيرة الخارجية الاسرائيلية، غولدا مئير، ووزير المالية بنحاس سبير وبين السفير الروسي في تل أبيب، بودروف، يقضي ببيع معظم العقارات الروسية الى اسرائيل بمبلغ 4.5 مليون دولار. وسيطرت عليها إسرائيل فعلا.

لكن الصفقة لم تشمل الكنائس ولا ساحة سيرغييه ولا الأديرة. وكان من المفروض ان توضع تحت يد الكنيسة الروسية. ولكن هذه الكنيسة كانت منقسمة على نفسها الى كنيسة حمراء موالية للنظام وكنيسة بيضاء موالية للغرب. ودار بينهما صراع حول ملكية العقارات وبفضله بقيت غالبية الأماكن بأيدي اسرائيل. وفي زمن الرئيس السابق في روسيا، فلاديمير بوتين، جددت روسيا مطالبتها بالعقارات خصوصا في ساحة سيرجييه وقالت ان الخلاف بين الكنيستين هو شأن روسي داخلي لا يحق لإسرائيل أن تبني عليه شيئا وطلبت ان تعاد كل العقارات الى روسيا. ووعد رئيس الحكومة السابق، أرييل شارون، بإعادتها فعلا. ولكن جمعيات يمينية إسرائيلية تدخلت وتوجهت الى القضاء لمنع الخطوة باعتبارها عقارات يهودية. وبعد معركة طويلة قررت الحكومة الإسرائيلية في جلستها الأخيرة إعادة ساحة سيرجييه لروسيا ومواصلة التفاوض حول البقية. وجاء هذا القرار تمهيدا لزيارة أولمرت الى روسيا، على أمل أن يؤدي ذلك الى تحسين الأجواء بين الدولتين، التي تعكرت بسبب الدور الاسرائيلي في مساندة جورجيا وتسليحها.

الى ذلك تعمد اولمرت ان يستهل لقاءه مع الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف على مرأى ومسمع من ممثلي الاوساط الصحافية بالاعراب عن رغبته في مناقشة علاقات اسرائيل مع الدول المجاورة والملف النووي الايراني في اشارة الى ما سبق وقاله حول انه يريد طرح مسألة امداد روسيا لسورية بالاسلحة الحديثة وتزويد ايران بالمنظومات الصاروخية للدفاع الجوي. واشارت مصادر في الكرملين الى ان اللقاء الذي جرى قبيل سفر الرئيس الروسي الى ايفيان الفرنسية، تناول عددا من القضايا الحساسة في مقدمتها الملف النووي الايراني وتزويد روسيا لطهران بمنظومات الدفاع الجوي الصاروخية من طراز اس ـ 300 وتسليح روسيا لسورية الى جانب العلاقات الثنائية ومكافحة الارهاب الدولي ومظاهر التعصب القومي والديني. وقالت مصادر الكرملين ان الجانبين تطرقا في مباحثاتهما الى المسائل المتعلقة بسير عملية السلام في الشرق الأوسط وأولويات الجهود الدولية لتنسيق عملية تحريك هذه العملية بما في ذلك اجتماع ممثلي اللجنة الرباعية في نيويورك دون الإشارة إلى موقف إسرائيل من عقد المؤتمر الدولي للسلام الذي سبق وأعلنت عنه موسكو. وأضافت أن الجانب الروسي يولي اهتمامه ضرورة تحسين الأوضاع الإنسانية في الأراضي الفلسطينية ولا سيما في قطاع غزة. وتقول مصادر الجانب الإسرائيلي ان المباحثات استهدفت ضمنا تنشيط علاقات التعاون ورفع حجم التبادل التجاري الذي بلغ في عام 2007 ما يقترب من 2.7 مليار دولار.