تقرير: القتلى المدنيون الأفغان في غارة أميركية أكثر مما أعلنه الجيش

«الناتو» يدرس للمرة الأولى احتمال التدخل لمكافحة تهريب المخدرات في أفغانستان

TT

قالت مصادر في الجيش الاميركي، نقلا عن تحقيق داخلي، إن حصيلة القتلى المدنيين جراء غارة شنها طائرات اميركية على قرية أفغانية في أغسطس آب الماضي تزيد بنحو أربعة أضعاف على ما أقر به الجيش في بادئ الأمر.

ونسبت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية امس إلى هذه المصادر قولها إن الغارة التي تعرضت لها قرية عزيز آباد بإقليم هيرات أدت لمقتل 30 مدنيا أفغانيا على الأقل. وتتناقض هذه الأرقام مع ما قاله الجيش الاميركي في البداية من أن الغارة أدت لمقتل سبعة مدنيين بالإضافة إلى ما بين 25 و30 مسلحا. وبحسب المصادر الأفغانية وتقرير للأمم المتحدة أسفرت الغارة الاميركية عن مقتل 90 مدنيا بينهم 60 طفلا. وقالت الصحيفة إن مصدر التقرير الذي نشرته امس عن هذه الواقعة هما ممثلان للجيش الاميركي تحدثا عن مجريات تحقيق داخلي في هذا الشأن رأسه جنرال في سلاح الجو الاميركي. وذكرت الصحيفة أن عدد المشتبه في كونهم مسلحين من بين قتلى الغارة يقل عن 20 شخصا وذلك وفقا لتحقيق جديد أمر بإجرائه أوائل سبتمبر أيلول الماضي ديفيد ماكيرنان قائد القوات الاميركية في أفغانستان. من جهة اخرى حاول وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند اول من امس التقليل من أهمية تلميحات القائد العسكري البريطاني في افغانستان بان القوات المتعددة الجنسيات لن تحقق نصرا «حاسما» في البلد المضطرب. وكان البريغادير مارك كارليتون سميث صرح خلال اليومين الماضيين «لن نكسب هذه الحرب» ولن نتمكن سوى من تقليل تمرد طالبان الى مستويات يمكن التعامل معها. الا ان مليباند قال في مدونته الرسمية على الانترنت ان تصريحات كارليتون سميث حرفت. وقال ان النجاح لا يعني «قتل كل فرد من افراد طالبان» ولكن ضمان ان تكون الحكومة الافغانية في السيطرة. واضاف مليباند ان تصريحات القائد «محاولة صادقة لفهم حقيقة كيفية التعامل مع جهود مكافحة التمرد». واضاف ان «احباط محاولة طالبان السيطرة على الحكومة الافغانية هو مشروع مهم وحقق تقدما حقيقيا خلال سبع سنوات». وتابع «لكن ذلك لا يساوي قتل كل عنصر من عناصر طالبان، او ان يتم على حساب حياة البشر». واكد ان قوات طالبان منيت بهزائم عسكرية جسيمة لكنها لا تزال قادرة على شن هجمات «دموية». واضاف ان «النجاح يعني ان يبني الشعب الافغاني مؤسساته التي سيحافظ عليها بنفسه ويحافظ على امنه (وامننا)». وصرح كارليتون سميث لصحيفة «صنداي تايمز» ان على الناس ان لا يتوقعوا «نصرا عسكريا حاسما» واكد انه «من غير الواقعي» الاعتقاد بان القوات المتعددة الجنسيات يمكن ان تخلص افغانستان من العصابات المسلحة.

من جهة اخرى, يناقش وزراء دفاع الدول الاعضاء في حلف شمال الاطلسي اليوم في بودابست للمرة الاولى احتمال اقحام جنودهم المنتشرين في افغانستان بشكل مباشر في مكافحة تهريب الهيرويين الذي يمول حركة طالبان، عدوتهم اللدودة.

وسيدافع زميلاهما، الافغاني عبد الرحيم ورداك، والقائد الاعلى لقوات التحالف في افغانستان الجنرال الاميركي جون كرادوك، عما قد يشكل منعطفا بالنسبة الى القوة الدولية للمساهمة في ارساء الأمن في افغانستان (ايساف) التي تعاني من كثافة هجمات المتمردين.

وافاد دبلوماسي في الحلف الاطلسي، ان ورداك «سيقول لهم صراحة: هذا ما يحتاج اليه الافغان» في مجال دعم مكافحة المخدرات، مصدر الفساد وتمويل طالبان.

أما الجنرال كرادوك فيرى ان مكافحة تهريب المخدرات ـ التي تجعل من افغانستان، حيث 92% من الانتاج العالمي للهيرويين، اول منتج افيون وهيرويين في العالم ـ قد تتحول الى هدف عسكري. ويرى كرادوك ان التدخل ضروري ضد نشاط يمول عمليات طالبان بنحو ستين الى مائة مليون دولار سنويا.

وحذر الجنرال الاميركي اول من امس من انه «سيبذل كل ما في وسعه لاقناع قادة الحلف الاطلسي السياسيين بان حماية جنود ايساف الخمسين الفا عبر تدمير قدرة طالبان على اقنتاء اسلحة ومتفجرات، واجب اخلاقي».

ولم يشأ الحلف حتى الان التدخل مباشرة في عمليات استئصال المخدرات خوفا من اثارة استياء سكان الريف الذين يعيشون من مواردها.

وقال الجنرال كرادوك: ان الامر لا يكمن بالنسبة الى الحلف الاطلسي في تدمير حقول الخشخاش بل في مساعدة وحدة مكافحة المخدرات الافغانية الصغيرة جدا على تفكيك المختبرات ورصد عمليات النقل ومصادرة المواد الكيميائية المستخدمة في انتاج الهيرويين.

ويرى دبلوماسي ان معظم دول الحلف الاطلسي متجاوبة مع هذه الحجج، لكن تكليف الجنود بمثل هذه المهمات يقتضي اولا تعديلا طفيفا في خطة ايساف العملانية، الامر الذي يستدعي اجماع الدول الاعضاء في الحلف الست والعشرين. لكن هناك على الاقل ثلاث دول ـ المانيا واسبانيا وايطاليا ـ التي تنشر قوات في شمال وغرب افغانستان ـ تعارض الفكرة.

وقال مسؤول اميركي في الحلف الاطلسي، ان الدول الاكثر تحفظا والتي لم يذكرها بالاسم، «تريد التأكد من ان مكافحة المخدرات لن تخلق مزيدا من انعدام الأمن بالنسبة لإيساف ومزيدا من الضحايا بين المدنيين».

وترى فرنسا، التي تنشر جنودها في كابل وشرق افغانستان، حيث تنشط كذلك بقوة حركة طالبان وحيث تراجع تهريب المخدرات، ان مسؤولية عمليات مكافحة المخدرات يجب ان تبقى من صلاحيات الافغان انفسهم وان على الحلف الاطلسي ان يتدخل فقط بطلب منهم.

في المقابل، تنتشر قوات الدول المؤيدة لمكافحة المهربين في جنوب افغانستان حيث القسم الاكبر من زراعة الخشخاش وحيث تنفذ طالبان اكثر العمليات عنفا. ويعقد المشاركون في اجتماع بودابست وبينهم وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس امس في حضور نظيرهم الجورجي اول اجتماع وزاري في لجنة الحلف الاطلسي ـ جورجيا التي تشكلت في سياق النزاع المسلح بين جورجيا الراغبة في الانضمام الى الحلف وروسيا في اغسطس (اب).