الأمين العام للأمم المتحدة يتعثر في دوره

بعد قرابة عامين فشل بان في ترك بصمته على الدبلوماسية حول العالم

بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة (أ.ف.ب)
TT

خلال الأيام التي تلت دخول القوات الجورجية والروسية إلى إقليم أوسيتيا الجنوبية الانفصالي، أجرى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الكثير من الاتصالات الهاتفية المحمومة بكبار القادة وعرض تقديم الأمم المتحدة عوناً دبلوماسياً في الحيلولة دون وقوع المزيد من العنف. إلا أن الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف، رفض تلقي اتصالات هاتفية من بان لفترة تجاوزت الأسبوع، حسبما أشار مسؤولون بارزون تابعون للولايات المتحدة والأمم المتحدة. ويسلط ذلك الضوء على السخط الذي تشعر به روسيا إزاء بان، بعد صدامه معها حول استقلال كوسوفو، وعاود إثارة غضبها بإصداره بيانا يساند وحدة أراضي جورجيا. كما شكلت جهود بان خلال الأزمة الجورجية مثالاً جديداً على الجهود المتواضعة التي يبذلها المسؤول الدبلوماسي الأول على مستوى العالم لحث القادة الأجانب على اتباع نهج السلام. وبعد مرور ما يزيد على 20 شهراً في منصبه كأمين عام للأمم المتحدة، ما يزال بان يبذل جهوداً لترك بصمة مميزة كدبلوماسي صانع للسلام، خاصة بعدما مُنيت جهوده لوقف إراقة الدماء في إقليم دارفور بالسودان بالفشل، ورفض العناصر السياسية الرئيسة في بورما لقاء مبعوثه الخاص. وقد تراجع دور الأمم المتحدة إلى مجرد دور داعم في الكثير من الأزمات الدبلوماسية على الصعيد العالمي، بما في ذلك الأزمات التي تعرضت لها كينيا وزيمبابوي. وعقد بان اجتماعاً لعدد من وزراء خارجية عدد من الدول الكبرى السبت الماضي على هامش جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة بهدف تنشيط الجهود الرامية للضغط على جنرالات بورما كي يدعموا الديمقراطية بالبلاد ويطلقوا سراح قرابة الفي سجين سياسي، بينهم أونج سان سو كي الحائز جائزة نوبل. لكن الاجتماع، الذي لم تحضره وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، لم يحقق انفراجة كبيرة. وألغى بان لقاءه بوسائل الإعلام، ليكتفي بإصدار بيان حث فيه بورما على إطلاق سراح السجناء السياسيين. ووراء الكواليس، رفض بان الدعوات التي وجهتها إليه كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وسنغافورة وعدد من الدول الأخرى للسفر إلى بورما ولقاء الحاكم العسكري الجنرال ثان شوي في ديسمبر (كانون الأول)، لخشيته من أن ينتهي اللقاء بالفشل. وقال روبرت أور، المستشار الخاص لبان: «لا يمكن لأحد القول بأننا في خضم انفراجة دبلوماسية كبرى فيما يخص بعض هذه القضايا. لكن في الحقيقة لا يتعلق الأمر بطبيعة هذه القضايا. إن تلك الأمور تتطور بهدوء حتى تخرج إلى العلن. إن الأمين العام يفضل العمل بجد شديد وإصرار خلف الكواليس». ويؤكد أور ومسؤولون آخرون بالأمم المتحدة أن بان أحرز نجاحاً أكبر بكثير في حث بعض الحكومات على التحرك لمعالجة بعض التهديدات طويلة الأمد، مثل التغييرات المناخية وأزمتي الغذاء والطاقة العالميتين، وللمساعدة في توفير مليارات الدولارات لمحاربة الفقر في وقت يواجه العالم أسوأ أزمة مالية يجابهها خلال جيل كامل. ويقول هؤلاء المسؤولون إن الإصرار الذي تميزت به جهود بان آتت ثمارها في أعقاب وقوع إعصار نارجيس في مايو (أيار)، عندما زار رانجون، العاصمة البورمية السابقة، لإقناع ثان شوي السماح بدخول عمال الإغاثة إلى البلاد. لكن فيما يتعلق بأفريقيا، فقد تراجع دور بان، حيث اضطلعت القوى المحلية بدور الريادة في حل وتسوية المشاكل الإقليمية. يذكر أن جنوب أفريقيا تمكنت من إعاقة مبادرة أميركية ـ بريطانية لمنح الأمم المتحدة دوراً محورياً أكبر في جهود الوساطة الرامية لإنهاء أزمة الانتخابات في زيمبابوي، حيث شن الرئيس روبرت موغابي حملة إجراءات صارمة ضد قادة المعارضة لمنع خصمه الأكثر شعبية، مورغان تسفانجيراي، من الفوز في الانتخابات. وفي ذروة الأزمة، أخبر موغابي بان ألا يتدخل في شؤون بلاده، متهماً إياه بالعمل على خدمة أهداف القوى الاستعمارية السابقة بالمنطقة. إلا أنه في نهاية الأمر وافق موغابي على تسوية أعطت للأمم المتحدة دوراً مسانداًً في العملية الدبلوماسية التي تزعمها صديقه ثابو مبكي، الذي كان يتولى حينذاك رئاسة جنوب أفريقيا. ويأتي حرص بان على القيام بالعمل الدبلوماسي بعيداً عن الأضواء متناقضاً مع النشاط الواضح الذي تميز به أسلوب عمل سابقه كوفي أنان، الغاني الذي سعى لتوسيع نطاق سلطات منصب الأمين العام للأمم المتحدة. وخلال فترة مشابهة له في هذا المنصب، أجرى أنان زيارة رفيعة المستوى إلى بغداد، حيث نجح في الحيلولة بصورة مؤقتة دون تعرض العراق لحرب جوية بقيادة الولايات المتحدة من خلال إقناعه الرئيس العراقي السابق صدام حسين بفتح قصوره أمام مفتشي الأمم المتحدة. لكن هذا السلام لم يدم سوى لفترة قصيرة، وشنت الولايات المتحدة وبريطانيا عملية «ثعلب الصحراء»، والتي تمثلت في تنفيذ عمليات قصف جوي ضد العراق بعد عدة شهور من زيارة أنان عام 1998. من جهته، قال جيمس تروب، مؤلف كتاب «النوايا الحسنة: كوفي أنان والأمم المتحدة في عصر الهيمنة الأميركية العالمية»: «من المحتمل أن يكون قرار بان، أياً تكن أسبابه، بالابتعاد عن تلك القضايا ذات الطابع الميلودرامي القوي حكيماً. لكنه يؤدي أيضاً إلى تقليص حجم دوره عالمياً. ولا شك أنه يعد شخصية اقل حجماً من كوفي في أسلوب إدارته لمنصب الأمين العام، وتلك هي الحقيقة». يذكر أنه عندما اندلعت أعمال العنف في كينيا بعد تعطيل الانتخابات الرئاسية، استعان الاتحاد الأفريقي بأنان للمساعدة في استعادة الهدوء. وقام أنان بجمع فريق عمل من مساعديه السابقين وساعد في إقرار اتفاق للتشارك في السلطة. ونوه فريد إيكهارد، الناطق الرسمي السابق باسم الأمم المتحدة الذي استعان به أنان للتعامل مع وسائل الإعلام أثناء الأزمة الكينية، بأن: «بان سأل كوفي عما يحتاج إليه، وأجاب كوفي أنه بحاجة إلى فريق عمل. وأجاب بان بأن باستطاعته الاستعانة بمن يرغب. لقد كانت الجهود جميعها نتاجاً لعمل الأمم المتحدة لكن تولى قيادتها كوفي». وفي دارفور، سيطر بان على الموقف، وقام بتعزيز صلاته بالرئيس السوداني عمر حسن البشير من أجل المساعدة في ضمان دعمه لبعثة حفظ السلام التابعة لكل من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجهود التوصل لتسوية سياسية. لكن أعمال القتال اندلعت من جديد، ما أسفر عن توقف المحادثات السياسية، وتعطل عمليات نشر قوة حفظ السلام. في تلك الأثناء، تقوضت قدرة بان على الدخول في محادثات مع البشير منذ إصدار المدعي العام التابع للمحكمة الجنائية الدولية أمر إلقاء القبض على الرئيس السوداني بناءً على اتهامات بارتكاب أعمال إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية. وقال أحد المسؤولين البارزين بالأمم المتحدة إن المحامين المعاونين لبان نصحوه بتقليص اتصالاته بالبشير بأقصى صورة ممكنة إلا في الحالات الطارئة. وقد بدأت الانتكاسات تتوالى على بان، الذي شن هجوماً حاداً ضد كبار مستشاريه أثناء إجازة قضاها في إيطاليا. في الشهر السابق، شدد بان أمام فريق العمل المعاون له على أن: «مهمتنا هي تغيير الأمم المتحدة ـ ومن خلالها العالم. هذه هي الصورة الكبيرة للأمر. وأنا أشعر بالإحباط إزاء عجزنا، في أغلب الحالات، عن رؤيتها».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»