عائلات سنية مرحلة تعود إلى ديارها في بغداد لكنها تصطدم بعقبات

في منطقة الحرية 325 عائلة فقط استعادت منازلها من أصل 7 آلاف

TT

طرق خالد المشهداني باب منزله. وبالعودة بالذاكرة إلى عامين منصرمين، كان المشهداني واحدًا من بين آلاف السنة الذين طردتهم وأبعدتهم الميليشيات الشيعية من حي الحرية ببغداد في واحدة من أسوأ عمليات تفشي العنف وإراقة الدماء العراقية. وبعد ذلك بفترة قصيرة، اندفعت العائلات الشيعية لاحتلال المنازل السنية. ولكن في نهاية سبتمبر (ايلول)، عاد المشهداني من جديد إلى مسكنه للمرة الأولى منذ مغادرته، ومعه بعض الجنود العراقيين، وعزم على استرداد منزله من جديد. في تلك الأثناء نهض رجل شيعي وزوجته، مرتسمة على وجهيهما علامات الخوف، وأوضحا أنهما يستأجران المنزل. وبنبرة غاضبة أخبرهما المشهداني أنه مالك المنزل، حيث صاح قائلاً: «هذا غير قانوني». حينها أمر الضابط العراقي الأسرة الشيعية بالتوجه إلى أقرب مخفر لشرطة وتقديم بلاغ، وهي الخطوة التي من الممكن أن تؤدي إلى طردهما من المنزل. لكن الزوجة قالت بصورة دفاعية: «ماذا تريدون منا»؟

وعبر ربوع بغداد، بدأ العراقيون في العودة إلى تلك المنطقة التي ضربتها في يوم من الأيام، أسوأ موجات العنف الطائفي، محاولين استعادة منازلهم وحياتهم القديمة. وفي الوقت الذي تشجع فيه الكثير من العراقيين للعودة نظرًا لانحسار موجات العنف الطائفي، وحماية الحكومة لهم، يتساءل الكثير منهم هل يمكنهم فعليًا الوثوق بقوات الأمن التي يهيمن عليها الشيعة، وما إذا كان بإمكانهم العودة إلى الحياة من جديد بين أحياء سعت في يوم من الأيام إلى الانقضاض عليهم وتصفيتهم. ويقول أحد الضباط البارزين في الشرطة العراقية، والذي لم يُعرف نفسه سوى باسم أبو أحمد: «سيستغرق الأمر وقتًا طويلاً للغاية لاستيعاب السنة في حي الحرية، فلكوننا عراقيين، سيكون من الصعب علينا نسيان من قتلوا، لذا فالأمر بحاجة إلى وقت طويل». وفي حي الحرية، حيث فر أكثر من 7000 عائلة سنية بنهاية 2006، استعادت 325 عائلة تقريبًا منازلها، أغلبها خلال الشهر الماضي. ويتسم حي الحرية بأنه منطقة يعيش فيها أبناء الطبقة المتوسطة، وتمتد فيها المنازل المتواضعة والمساجد وواجهات المحلات على نحو عشوائي. وبينما كان المشهداني ـ العضو السابق في البرلمان ـ يمضي من منزله الذي ما زال محتلاً، استقبله جيرانه الشيعة بالابتسامات والمصافحة، وقالت له إحدى الجارات: «إننا ننتظر عودتك إلى المنزل». إلا أن المشهداني يقول: «إنني أعلم أنهم يضمرون لي خلاف ما يظهرون». في الأسبوع الماضي، التقى أكثر من 20 زعيمًا قبليًا من الحرية في قاعدة للجيش العراقي بحي الكاظمية ببغداد. وجلسوا جميعًا على مائدة طويلة جمعت الزعماء السنة على أحد جوانب المائدة بينما يواجههم من الناحية الأخرى زعماء القبائل الشيعية. وحاول هيكمان والعميد سمير العقابي ـ القائد العسكري لمنطقة شرق بغداد ـ إقناع الزعماء بالعودة من المنطقة التي يقطنوها في الوقت الحالي وتدعى تارمية ـ على مسافة 30 ميلاً شمال بغداد ـ إلى حي الحرية. إلا أن زعماء السنة العراقيين كانوا قلقين من أن تعتقل قوات الأمن العراقية العائدين على افتراض الاشتباه فيهم بأنهم متمردون، وفي هذا الصدد، تعهد العقابي بأن أي عملية اعتقال سوف تقوم على أساس الإجراءات القانونية المناسبة. وأراد بعض الزعماء السنة من نظرائهم الشيعة أن يقدموا إليهم الضمانات الخاصة بالحماية، إلا أن الشيعة من جانبهم أوضحوا أنهم ليس بمقدورهم تقديم مثل تلك الضمانات. تجدر الإشارة إلى أنه ومنذ حالات الطرد والإبعاد التي تمت عام 2006، هاجم المتطرفون السنة منازل الشيعة، وقاموا بعمليات اختطاف لأفراد من الشيعة، وزرعوا المتفجرات في شوارع الحرية. وتابع العقابي وعوده قائلاً: «أنا وقواتي سنحمي كل العائدين».

وحذر جليل خريبط ـ أحد الزعماء الشيعة قائلاً: «إذا عاد من ارتكبوا عمليات سفك الدماء، فستكون هناك مشكلة كبيرة. فسوف يحدث الكثير من عمليات إراقة الدماء. فهناك الكثير من الضحايا في الحرية. لذا، يجب ألا نسمح بعودة عائلات القتلة». حينها تعهد العقابي قائلاً: «إذا عادوا، فستتخذ العدالة مجراها». ورد سلمان محمود حمادي ـ أحد الزعماء السنة: «وماذا عن الجانب الآخر؟ ماذا إذا كان هناك قاتل ما زال يعيش هناك؟ فإذا عدت ورأيت رجلاً أنا أعلم أنه هو من قتل ابني، ماذا سيحدث إذًا؟».

دخل زوجان منزلهما في حي الحرية الشهر الماضي حاملين أمتعتهما والخوف يعتصر قلبيهما. حيها وجدا أن أثاثهما غير موجود، والمقابس الكهربائية قد نُزعت من أماكنها، كما وجدوا بندقية قديمة تتدلى من خطاف السقف. ونظر الزوجان إلى هذا الأمر على أنه بمثابة تحذير من الأسرة السنية التي كانت تحتل منزلهما أثناء إخراج الجنود لهم من المنزل بالقوة. إلا أن عبد المهدي، 65 عامًا، وزوجته حميدة علي، 55 عامًا، عادا من جديد للإقامة في منزلهما. ويقولان انهما كانا يعيشان في الطارمية، في منزل صغير للغاية مبني من الطوب اللبن، ويملؤه البق. وكانا يعيشان على الحسنات والمعاش الصغير الخاص بعبد المهدي. وقد سخر منه أقرباؤه لعدم مواجهته الشيعة. وتقول زوجته وهي تجلس على أرضية حجرة المعيشة الاسمنتية الباردة بلا أي أثاث: «إننا خائفون، لكن ليس لدينا خيار آخر». وتابعت بأن اثنين من جيرانهم رحبا بهما وقدما لهما الطعام، بينما أرسل جار آخر إليهما مروحة قديمة، وأرسل لهما آخر تلفازا قديما. إلا أن بقية الجيران مازالوا بعيدين ومنعزلين. وتقول الزوجة باكية: «إن الغالبية لا تحبنا، فنحن سنة ولا أحد يحب السنة». يقول العريف منذر عباس غاضبًا ـ الجندي المكلف حراسة مهدي وزوجته، مشيرًا إلى شقة في إحدى البنايات الكبرى على جانب الطريق: «إن جيش المهدي كله حول تلك البناية، ولا يمكننا الذهاب إلى هناك»، لكن كريم عبد الله ـ القائد البارز في جيش المهدي يقول إنه رحب بـ«العائلات السنية الجيدة» العائدة إلى الحرية. ومنذ أن أعلن مقتدى الصدر وقف إطلاق النار في العام الماضي، اتجهت قوته إلى التخفي والاختباء. ويقول عبد الله إن الكثير قواته، انضم إلى الشرطة المحلية، وأنهم يراقبون العائدين. ويضيف عبد الله ـ الذي يعمل خياطا «بالطبع، سنبقي أعيننا مفتوحة عليهم»، وأشار إلى أنه هو ورجاله قد قتلوا حوالي 20 رجلاً خلال عمليات الترحيل عام 2006، وتابع: «لا يمكننا تكرار أخطاء الماضي مجددًا، فالقتلة لا يمكنهم العودة من جديد».

* خدمة: «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»