وزير الإعلام: المغرب من البلدان القليلة التي لا توجد بها أسرار

خالد الناصري قال إن الصحافيين لديهم سلطة أكبر من السياسيين

TT

قال خالد الناصر، وزير الاتصال (الاعلام) المغربي، والناطق الرسمي باسم الحكومة، ان الصحافيين يمتلكون سلطة استراتيجية جبارة اكثر من السياسيين، والحكومة، والنواب البرلمانيين، وان الصحافة برأيه، ليست السلطة الرابعة، كما هو معروف، بل هي السلطة الثانية او الثالثة.

وأوضح الناصري في محاضرة القاها امس بالمعهد العالي للاعلام والاتصال بالرباط، حول موضوع: «الالتزام الوطني والصحافة»، وهو الموضوع الذي يشكل محور النقاش الدائر حاليا بين الصحافة المغربية المستقلة الي تنادي بمساحة اوسع لحرية التعبير، وبين الحكومة التي تطالبها باحترام ما يسمى بالثوابت، ان الالتزام مسألة محورية وجوهرية، والمغرب دخل مرحلة جديدة في مسار الانضاج الفكري والثقافي والسياسي، ربما تبدو فيه قضية الوطنية والمواطنة امرا متجاوزا، الا ان القول بهذا، خطا كبير، اذ لا توجد أي قيمة اخرى تعوضهما، مشيرا الى ان المجتمع الذي يتعامل باستخفاف مع الالتزام الوطني، مهدد في مرتكزاته ومكوناته ومستقبله.

وفي تعريفه للصحافة، قال الناصري انها ليست مجرد مهنة عادية يسعى من ورائها الى الربح فقط، بل لها قيمة مضافة تختلف عن كل المهن، لان الصحافة هي الوظيفة الوحيدة التي تجعلك في اتصال مع ملايين المواطنين، والتأثير على الرأي العام، وعندما يغيب الالتزام الوطني اثناء ممارسة الصحافة، تفتح ممارسة المهنة على كل المتاهات التي يمكن ان نتصورها، وهو ما لا يمكن ان نقبله، منهجيا وسياسيا، واخلاقيا.

فالصحافة مهمة ترقى، برأيه، الى مستوى الامانة بمفهومها الديني، ويجب ان لا يساء استعمالها.

وقال الناصري، «ان المغرب قطع اشواطا هامة في المسار الديمقراطي، وهذا المسار لا يحق لاحد ان يقفز عليه، او يرتكب ذلك الخطأ المنهجي الذي يرتكبه الصحافيون المبتدئون الذين يجعلون التاريخ يبدأ من اليوم الذي بدأوا يكتبون فيه المقالات». فقد وصلنا بفضل التراكمات السياسية والتضحيات الجسام الى محطة هامة من مسارنا الديمقراطي ولنا الشجاعة الكافية للقول باننا لم نصل بعد الى ما يجب بلوغه من اهداف سامية في البناء الديمقراطي، لكن اكبر خطأ، من وجهة نظره، ان نقول باننا لا نسير على الطريق الديمقراطي.

وانتقد الناصري ممارسة النقد الصحافي من دون مراعاة شروط الاحترام والوقار، وعدم خدش كرامة الاخرين، مشيرا الى ان الصحافي لا هو بمواطن فوق العادة، ولا هو متهم عليه اثبات براءته في كل حين.

واوضح ان هناك نقاشا طويلا في الساحة الاعلامية المغربية، يعتبر الحديث عن الثوابت والاخلاقيات، خطابا رجعيا يمس بحرية التعبير والديمقراطية في الصميم، واننا بحاجة الى ازاحة كل المؤطرات والضوابط، الا انه كلام غير ناضج ويتناقض مع التراكمات الكونية في هذا المجال، لان الفكر الديمقراطي لم تمطر به السماء، بل هو نتاج تراكمات قرون من الانتاج الفكري والسياسي، افضى الى تبني منظومة من القيم التي تساهم فيها كل المجتمعات. «فالتأطير الاخلاقي للحرية ليس بدعة مغربية»، بل هو موجود في كل الدول المتقدمة، واعطى مثالا باميركا وفرنسا.

وقال الناصري ان هناك من يدعي ان المغرب يتجه نحو التقليص من حرية التعبير، وانه يوجد ميل نحو الانقضاض على حرية الصحافة، لكن هذا برأيه، مخالف للحقيقة، متسائلا: ما هو الموضوع الذي لا تتطرق اليه الصحافة المغربية؟ فالصحف تتحدث كما قال، عن الوحدة الترابية، والاسلام، والمؤسسة الملكية، والحكومة، والبرلمان، وفي كثير من الحالات، هناك نوع من الظلم في انتقاد الصحافة لبعض المؤسسات، موضحا اننا نعتز بهذه الحرية، وبجب ان نحافظ عليها، وكل ما نحن بحاجة اليه هو التأطير، لاعطاء صورة لامعة عن البناء السياسي الذي نجتهد جميعا في تشييده.

وخلال النقاش، تطرق طلبة المعهد الى مجموعة من النقاط الهامة المتعلقة بالجانب الاخر من الالتزام، والذي وصفه احد الطلاب بضرورة وجود «التزام وطني حيال الصحافة»، وذلك بتبني قانون للصحافة يمنع العقوبات السالبة للحرية، «حتى لا يظل الصحافي المغربي يمارس عمله، وهو يعرف ان السجن ينتظره في أي وقت»، كما تساءلوا عن مدى توفر الحق للصحافيين في الوصول الى المعلومة، كما انتقدوا الاعلام الحكومي المرئي والمسموع الذي لم يواكب، في نظرهم، التطور الذي تعرف الصحافة المستقلة.

وردا على هذه التساؤلات، نفى الناصري ان يكون الصحافيون المغاربة غير قادرين على الوصول الى مصادر الخبر، فهم «يصلون الى الخبر والى ما وراء الخبر»، حسب تعبيره، معتبرا الحديث عن هذا الموضوع امرا متجاوزا، وفكرة محنطة يحب البعض تكرارها، فـ«المغرب، برأيه، من البلدان القليلة التي ليس فيها اسرار». وبخصوص قانون الصحافة، قال الناصري، انه لا وجود لنظام قانوني واحد في العالم، يتطرق لكل التفاصيل، فما هو مطلوب من القانون ان يكون في مستوى الدقة ويقطع الطريق امام التأويلات المغرضة، وان يتسم بنوع من التعميم، حتى يتسنى من خلال ذلك ايجاد حلول للمواضيع المستجدة التي لم تخطر على بال المشرع اثناء وضع القانون، واعدا بفتح نقاش عميق حول قانون الصحافة المرتقب بمشاركة جميع الاطراف المعنية.

وحول وضعية الاعلام العمومي المرئي والمسموع، قال الناصري انه لا يمكن القول اننا مرتاحون لمستوى الاداء، وتطوير التلفزيون عملية صعبة، غير ان هناك مجهودا ماليا وفكريا للاستجابة الى تطلعات المشاهد المغربي، مشيرا الى ان نسبة المشاهدة توضح بان المغاربة متشبثون بقنواتهم التلفزيونية.

وبخصوص تأخر اطلاق القناة التلفزيونية الامازيغية، قال الناصري ان الامر ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، فجل برامجها ستكون بالامازيغية، وبالتالي فالقناة يجب ان تظهر في اطار من الاحترافية، وفي حلة تليق بالثقافة الامازيغة، وليس صحيحا انه تم تعويضها بقناة الافلام التي لم تتطلب امكانيات بشرية وتقنية كبيرة.