جدران بغداد الكونكريتية تتهاوى مع تحسن الوضع الأمني

سكان العاصمة يعترفون بفضلها لكنهم يعتبرونها الآن عائقا

TT

من سوق لسوق ومن ميدان لميدان، بدأت الجدران الكونكريتية التي شيدت في بغداد للتصدي للتفجيرات تتهاوى. ورغم قبحها، فإنها تميزت بالفعالية وتحولت إلى ملمح أساسي من الملامح المصاحبة لزيادة أعداد الجنود الأميركيين بهدف وقف أعمال القتل بين العراقيين. وعلق عدنان، 39 عاماً، وهو بائع خضروات بحي الدورة الذي كان من الأحياء التي تتعرض لأعمال عنف باستمرار، على وجود هذه الجدران بقوله: «لقد وفرت لنا الحماية من السيارات المفخخة والهجمات العشوائية» وأضاف أن هذه الجدرات أصبحت الآن تعيق عمل الأسواق والتجارة التي تحتاجها بغداد كي تزدهر مجدداً، مؤكداً أن «الوضع أصبح آمناً». ويعتبر هدم الجدران من أقوى المؤشرات على حدوث تغير جوهري داخل العاصمة العراقية. وتقترب استراتيجية زيادة أعداد القوات الأميركية، التي أسهمت في تحقيق الاستقرار، من مرحلتها النهائية، ودخلت البلاد فترة انتقالية نحو تقليص القوات الأميركية بالبلاد عام 2009، وهي خطوة ستقع حتماً. وشرع العراقيون بالفعل في تولي الكثير من المهام التي كان يضطلع بها الأميركيون من قبل، ما أثار آمالاً عريضة في أن يحرز العراق تقدماً اعتماداً على جهود أبنائه، وفي الوقت ذاته تزايدت المخاوف من الفشل. ومن بين الملامح الأخرى المميزة للفترة الانتقالية الراهنة، والتي حظيت باهتمام أقل بكثير عن انتقال حركة الصحوة لقائمة الأجور الحكومية العراقية، الجهود التي يبذلها الجيش العراقي لنقل السيطرة على بعض الأحياء إلى قوات الشرطة الوطنية شبه العسكرية. ومن المقرر أن يتم استبدال ضباط هذه القوة في المستقبل بضباط شرطة نظاميين. إلا ان عشرات اللقاءات التي أجريت في مختلف أحياء بغداد كشفت عن أنه في الوقت الذي تراجعت معدلات القتل العلنية، فإن الكثير من الريبة والشكوك المتبادلة ما تزال كامنة تحت السطح بين السنة والشيعة. ولا تخلو واحدة من خطوات التغيير من جوانب سلبية. فعلى سبيل المثال، من الممكن أن يعاود أعضاء حركة الصحوة الانضمام إلى المتمردين. أيضاً، من الممكن أن يستفيد منفذو التفجيرات من إزالة الجدران الكونكريتية. وربما تستغل الشرطة الوطنية، التي تواجه اتهامات منذ أمد بعيد باتباعها أجندة طائفية، صلاحياتها الجديدة. ومن ناحيتهم، اعترف القادة الأميركيون بالمخاطر، لكنهم أكدوا أن التغييرات الجاري تنفيذها تستحق المجازفة من أجلها، بالنظر إلى الفوائد المحتملة المترتبة عليها. وفي الوقت ذاته، اعترف القادة العسكريون بأن التكاليف المترتبة على الفشل ستكون فادحة. فعلى سبيل المثال، فيما يتعلق بنقل حركة الصحوة تحت مسؤولية الحكومة العراقية، حذر الميجور جنرال جيفري هاموند من أنه: «حال فشل المشروع، سيلجأ هؤلاء الأشخاص إلى الشارع وهم مفعمون بالغضب. وستعمل القاعدة على تجنيدهم». وفيما يتعلق بالجدران الكونكريتية فقد امتدت لعدة أميال وشاركت في إعادة رسم ملامح المدينة. والآن مع إزالتها، يجري تخزين الألواح الضخمة المكونة لها بمناطق تخزين واسعة بانتظار استخدامها بمناطق أخرى أو نقلها إلى مخزن مركزي. إلا أن عملية هدم الجدران لا تجري في جميع، أو حتى معظم، أحياء بغداد، حيث لا تزال تلك الجدران تحيط بالمنطقة الخضراء والمباني الحكومية ونقاط التفتيش وأحياء بأكملها. وعلى الجانب الآخر، تم هدم الجدران في بعض الأجزاء الأخرى من بغداد. يذكر أنه في إطار احتفال أُجري مؤخراً خلال الأيام الأخيرة من رمضان، انضم سنة من سكان منطقة الفضل، الواقعة شرق نهر دجلة، إلى شيعة من حي أبو سيفين للاحتفال بإزالة أجزاء من سور بنته القوات الأميركية منذ 15 شهراً فصل بين الضاحيتين. أما حي الدورة فظل على امتداد سنوات عدة أخطر مناطق العاصمة العراقية. ويضم الحي سنة وشيعة، وإن كانت الغالبية من السنة، وقد سقط فريسة للمتمردين السنة والميليشيات وفرق الموت الشيعية. وفي عام 2007، استعادت الفرق الأميركية السيطرة على قلب حي الدورة بعد قتال شديد انتقل من شارع لآخر عبر معاقل المتطرفين. وقد تم تعزيز هذه المكاسب من خلال بناء الجدران وإسهامات حركة الصحوة التي تولى الأميركيون الإشراف عليها. ورحب الكثير من قاطني الحي بالجدران باعتبارها مصدر حماية ضد فرق الموت والمتمردين. وخلال الشهور الـ11 السابقة، لم يقتل جندي أميركي واحد داخل الحي. لكن مع عودة الهدوء، بدأ الأفراد في النظر إلى الجدران ليس كمصدر حماية للنشاط التجاري، وإنما كعائق أمامه من خلال سد المحال ومنع المرور من حي لآخر. وبدأ الناس في الشكوى من أنهم يعيشون في «سجن كبير». من ناحية أخرى، فإن القضية الكبرى التي تُثار الآن لدى ذكر حركة الصحوة، تتمثل في هل سيعود أعضاؤها إلى العنف؟ يذكر أن الكثير من أعضاء الصحوة كانوا من أنصار حركة التمرد السنية، إما لرغبتهم في الحصول على المال أو لأسباب آيديولوجية، ويشعر الكثيرون منهم بالأسى حيال الوضع الجديد الذي لم يعد للسنة فيه دور القيادة. وقد نجح الأميركيون في استقطاب هؤلاء الأفراد من خلال تجاهل الجرائم التي اقترفوها وتقديم أموال لهم والإغداق على قادتهم. وجاء تعاون الأميركيين مع حركة الصحوة بناءً على اعتقادهم بإمكانية حصول أعضاء الحركة في نهاية الأمر على وظائف في الجيش أو الشرطة العراقية. وأن يحصل من لا ينضم إلى أي من هاتين المؤسستين على وظيفة مدنية. وافترض الأميركيون أيضاً أن الحكومة العراقية لن تقدم على عمليات اعتقال واسعة بحق أعضاء الحركة. إلا أنه مع اقتراب موعد نقل سلطة الإشراف على الحركة إلى الحكومة العراقية في الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، اتضح أن الحكومة العراقية تنوي رفض ضم أعضاء الصحوة إلى جهازها الأمني، في الوقت الذي لا تتوافر وظائف مدنية لهم. علاوة على ذلك، فإن قادة الصحوة، الذين حصل بعضهم على آلاف الدولارات من الأميركيين، لن يكونوا سوى جنود عاديين تحت إمرة الحكومة العراقية. من ناحيتهم، يؤكد الأميركيون الآن أنهم ينوون تعويض بعض هؤلاء القادة عن الخسارة المادية التي سيتعرضون لها جراء هذا التحول.

* خدمة «نيويورك تايمز»