«أم حسن» بحثت في المقابر الجماعية عن ابنها لتجد قطعة (كليجة) بقيت مع ملابسه العسكرية

روت لـ«الشرق الأوسط» قصة ابنها الذي لم تره منذ أن سلم نفسه في «فندق السلام» بالنجف بعد انتفاضة 1991

نساء فقدن أقارب لهن ضحايا للمقابر الجماعية يحملن صورهم خلال مظاهرة بالنجف («الشرق الأوسط»)  
TT

إذا كان المؤتمر الدولي الثاني للمقابر الجماعية في العراق والذي انتهت اعماله امس هدفه تحريك هذا الملف وإظهار مظلومية ضحايا المقابر الجماعية، فانه في الوقت نفسه حرك أحزان وشجون ذوي الضحايا، وما أكثرهم في العراق، وأم حسن واحدة منهم . أم حسن من أهالي النجف 67 سنة فقدت ابنها الوحيد بعد انتفاضة عام 1991عند التحاقه الى فندق السلام «الفندق المشؤوم»، كما يسمى في النجف. تقول لـ «الشرق الأوسط» إن «ابني حسن كان حريصا على إكمال خدمته العسكرية تخوفا من دخول أزلام حزب البعث، وفي مناطقنا الهارب او المتخلف عن الخدمة العسكرية تتبرأ منه كل العشيرة كونه يسبب لنا الكثير من المشاكل مع النظام الحاكم». وتابعت تقول «عندما غزا صدام حسين دولة الكويت الشقيقة لم يشارك ولدي حسن في الغزو وكان حينذاك في مقر لوائه قرب الحدود الإيرانية ومن ثم نقل إلى البصرة قبل هزيمة الجيش من الكويت ومنذ ذلك الوقت لم اعرف عنه شيئا ولم يكن بيدي سوى الدعوات والصلاة لله حتى يرجع لي حسن وبعد مضي عشرين يوما رجع ولدي لكن الدخان الأسود الذي غطا سماء المحافظات الجنوبية من اثر حرق أبار النفط صبغ ملابسه العسكرية ووجهه بالون الأسود فقمت بنثر الحلوى (الجكليت) على رأسه وجاء أهل المنطقة لنا وعبروا عن فرحتهم بإطلاق العيارات النارية وقد ذبحنا اكبر عجل عندنا فداء لسلامة ولدي ودعيت كل أهل المنطقة. وبعد احد عشر يوم انطلقت الانتفاضة في محافظات الوسط والجنوب وسيطروا بشكل تام على هذه المحافظات ولم تدم الفرحة لأهل الانتفاضة حتى جاء صدام بجيش وقوة كبيرة اكتسحت الانتفاضة واغلبهم ذهب خارج العراق وفي ذلك الوقت أراد ابني أن يشارك في الانتفاضة فقلت له «إني اخاف اذا شاركت تتلقى مصيرا مثل والدك الذي استشهد في الحرب مع إيران لا أريد إن أخسرك».   واضافت أم حسن وهي تنظر الى صورة ابنها وقالت «لا اصدق أنت تحت التراب»، قتلوك وأنت لا ذنب لك. وقالت «ان رفاقا في حزب البعث ابلغوا اهل المنطقة بدعوة وجود مسؤول كبير يريد اللقاء بهم في فندق السلام الذي يقع شمال النجف والفندق لم يفارق ذاكرتي يوم زوجت ولدي حسن فيه على بنت الجيران».

صمتت ام حسن والدموع نزلت من عينيها، وقالت «حسن استيقظ مبكرا في ذلك اليوم الذي أراد الذهاب فيه للفندق حيث دخل كل غرف البيت وعمل لنا الشاي وارتدى ملابسه العسكرية وقمت بإعطائه (الكليجة) التي دائما احرص على أن تكون معه عند  التحاقه للجيش وقد ودع زوجته نادية ومن ثم ودعني حينها نزلت دموعه لأول مرة وناشدته أن لا يذهب لفندق السلام (فندق المقابر) لكنه أصر على ذلك وقال: أنا لست جبانا.   وتابعت أم حسن «مر على ذهاب حسن شهران ولم اعرف عنه أي شيء فبدأ الكلام يشاع في المنطقة أن الذين سلموا أنفسهم في الفندق سجنوا وبعضهم اعدم من قبل الحكومة. طفح الصبر عندي وقررت الذهاب للفندق لكن هذه المرة كان منظره مختلفا وكانت تفوح منه رائحة الموت عندها صدقت ما شاع بين الناس فعدت الى البيت وانأ انظر إلى زوجة ابني حسن ماذا أقول لها فكتمت السر بين ضلوعي». واضافت «راجعنا جميع الدوائر الأمنية لم أجد أي أثر او اسم لابني حسن وقام احد اقربائي باعطاء رشوة لرجال الأمن في النجف من خلال وسيط على أثرها بعت مصوغاتي الذهبية وقطعة ارض سكنية حتى استطيع اكمال المبلغ الذي طلب منا لإخراج حسن من السجن اتضح بعد ذلك ان الاشخاص الذين اخذوا مبلغ المال هم من رجال الامن وهددونا بالسجن واعتقال كل من يطالب بالمال فسلمت أمري لله». وتابعت ام حسن «حتى عندما اصدر صدام عفوا للسجناء كنت أترجى أن يعود حسن لكن دون جدوى وسقط نظام صدام من قبل القوات الامريكية ولم يعد ابني فشاع الكلام بين الناس عن ظهور مقابر جماعية في النجف والمحافظات القريبة وقد تم العثور على مقبرة في ناحية الحيدرية فهرعت مع الناس ابحث عن حسن عسى أن أجد له اثرا لكنني لم أجد شيئا ثم وجدت حفرة عمقها متر فبحثت فيها فتبين لي ان هناك رفات تحت التراب «قمت بالبحث في ملابس الرفات وجدت قرصا مكتوب عليه اسم ولكوني لا أقرأ ولا اكتب أعطيته إلى احد الشبان ليقرأه وبقيت أبحث في جيوب الملابس وجدت شيئا آخر وقبل أن أتعرف عليه نادى الشاب هذا القرص باسم حسن علي جواد فحضنت حسن وصرخت بصوت عال: ابني حبيبي حسن رد على أمك يا أعز الناس». واتضح بعد ذلك أن الشيء الثاني الذي وجدته أم حسن في ملابس ابنها هو قطعة من (الكليجة) التي أخذها معه عند التحاقه آخر مرة الى فندق السلام».