السودان: سباق تسلح صامت.. و3 سيناريوهات للحرب تشعلها الانتخابات والاستفتاء وأبيي

شحنة الدبابات في السفينة الأوكرانية تلفت الأنظار إلى جهود تسلح > الناطق السابق باسم الجيش السوداني يؤكد لـ «الشرق الأوسط» أن لا علامات لصراع وشيك

TT

كشفت مصادر عسكرية سودانية مطلعة، لـ«الشرق الاوسط» عن وجود سباق تسلح صامت بين شريكي الحكم في السودان، «المؤتمر الوطني» الذي يقوده الرئيس عمر البشير، والحركة الشعبية التي يتزعمها النائب الاول للرئيس سلفا كير، تحسبا لثلاثة سيناريوهات مطروحة على الساحة يقول محللون انها قد تؤدي جميعها الى عودة الحرب بين الجانبين التي استمرت عقودا في السباق، وانتهت في عام 2005 بتوقيع اتفاق سلام شامل. رغم ان خبراء عسكريين في الخرطوم قللوا من الامر، مشيرين الى عدم وجود أي علامات لصراع وشيك.

وجدد الاعتقاد بوجود تسلح سري عندما تم الكشف أخيرا عن حمولة سفينة أوكرانية اختطفها قراصنة صوماليون، وعلى متنها أكثر من 33 دبابة، وأسلحة ثقيلة، يعتقد كثيرون أنها كانت متجهة الى جنوب السودان، رغم تأكيدات السلطات الاوكرانية والكينية ان هذه الاسلحة تخص الجيش الكيني. وتقول مصادر دبلوماسية وعسكرية سودانية مقربة من الجانبين، ان الجيش الحكومي في الخرطوم، وقوات الحركة الشعبية في الجنوب يعملان على تخزين كميات من الاسلحة خوفا من أن تؤدي أحداث عنف وسيناريوهات في الاعوام المقبلة الى تجدد الصراع، رغم نفي الجهتين رسميا لهذه التقارير.

وقال مصدر سوداني مطلع لـ«الشرق الاوسط»، ان شحنة الاسلحة على السفينة الاوكرانية المختطفة، كانت متجهة فعلا الى جنوب السودان، حسب معلوماته، وقال: «ليست هذه المرة الاولى التي يتم الكشف فيها عن مثل هذه الشحنات فقد سبقتها.. شحنات أخرى ثلاث». وأضاف ان الحركة الشعبية تعتمد على تسلحها من أوكرانيا، وجهات اخرى. وأن الجيش الحكومي هو ايضا يواصل تسلحه، عبر الصين وكوريا الشمالية. وقال اللواء السابق الدكتور محمد العباس الامين، الخبير العسكري، رئيس قسم الدراسات الاستراتيجية بجامعة الزعيم الازهري في الخرطوم، لـ«الشرق الاوسط» ان قضية الاسلحة في السفينة المخطوفة كشفت ستار التسلح.

وكانت هيئة الاذاعة البريطانية «بي.بي.سي»، قد قالت اخيرا انها حصلت على نسخة من بوليصة الشحن للسفينة الاوكرانية التي يحتجزها القراصنة الصوماليون منذ 25 سبتمبر (أيلول)، قبالة سواحل الصومال، وهي تحمل أحرف اولى لزبون سوداني، وهو حكومة جنوب السودان. وتنقل السفينة الاوكرانية «فاينا»، حسب المصادر السودانية، 33 دبابة هجومية من طراز تي ـ 72 سوفياتية الصنع و150 قاذفة صواريخ من طراز آر.بي.جي وبطاريات مضادة للطيران وقاذفات صواريخ مختلفة ونحو 14 ألف قطعة ذخيرة. وتضاربت التصريحات بشأن وجهة شحنة الاسلحة. ففي حين شددت كينيا وأوكرانيا على ان الشحنة مخصصة للجيش الكيني، قال القراصنة وناطق باسم البحرية الاميركية ومسؤول بحري كيني، ودبلوماسيون ومصادر من وكالة بحرية دولية.. والقراصنة الذين استولوا على السفينة، ان الشحنة كانت متجهة الى جنوب السودان عن طريق كينيا. ووجهت السلطات في كينيا الاتهام إلى أندرو موانجورا الناطق باسم البرنامج البحري في كينيا بعد أن صرح بأن الدبابات تتجه إلى جنوب السودان وليس الى كينيا. لكنه نفى التهمة. وسواء كانت الدبابات متجهة الى جنوب السودان ام لا، يقول خبراء عسكريون ان هناك مؤشرات على وصول شحنتين أخريين من الدبابات على الاقل الى الجنوب خلال الاشهر الاخيرة. ويقول فؤاد حكمت مدير ادارة القرن الافريقي بالمجموعة الدولية لمعالجة الازمات لرويترز «انهم يفعلون هذا لأنهم (في الحركة الشعبية) يعلمون أن شمال السودان يعيد تسلحه. الوضع مرشح للاضطراب بشدة». وذكر مصدر أمني أجنبي أن الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي ينتمي الى الجنوب جلب عشر دبابات على الاقل من اثيوبيا الى منطقة الكرمك بولاية النيل الازرق النائية بجنوب السودان في أوائل يوليو (تموز). وصرح مسؤول بمنظمة الامم المتحدة في الخرطوم بأن الجيش الجنوبي أعطى تأكيدات بأنها دبابات قديمة ارسلت للصيانة، لكنه لم يذكر اي أرقام للتسجيل حتى يتسنى التأكد من صحة هذا. وقال توكو كايمي من مؤسسة اكسكلوسيف اناليسيس ومقرها لندن، ان عددا من الدبابات المفككة وصل الى ميناء ممباسا في كينيا في نوفمبر (تشرين الثاني) قبل نقلها الى السودان. ويقول روبرت موجا مدير الابحاث من مؤسسة سمول ارمد سيرفي ومقرها جنيف لرويترز ايضا «من الواضح تماما أن الجانبين يجندان عناصر ويعيدان التسلح. لا شك في هذا». وقالت جيل لاسك من رسالة افريكا كونفيدنشال الاخبارية «الخرطوم تزيد من أسلحتها كثيرا في الآونة الاخيرة. كانت تشتري معداتها من اوكرانيا. وتشتري الكثير من الاسلحة الروسية الاصل». وأضافت «كانت تشتري طائرات مقاتلة في العامين الاخيرين». كما أشارت الى اتفاقيتين للتعاون العسكري وقعتهما الخرطوم مع ايران في العامين الماضيين. ويقول الجيش السوداني ان لديه الآن اكتفاء ذاتيا من الاسلحة التقليدية وبدأ يحشد صواريخ وطائرات مراقبة دون طيار. ويقول مراقبون ان ارتفاع أسعار النفط وزيادة الانتاج ساعد الحكومة في حشد ترسانتها. وتقول جيل لاسك اعتقد ان «الجنوب لا يريد مهاجمة الشمال. لكنهم يتخوفون من مهاجمتهم في مرحلة ما». ومضت تقول «حكومة الشمال لا تريد أن ينفصل الجنوب. انها تريد النفط. تريد نقطة انطلاقها الى افريقيا». وقال مصدر قريب من الحركة الشعبية لتحرير السودان المهيمنة على الجنوب، طلب عدم نشر اسمه «لا أحد يريد بدء حرب». واستطرد قائلا «لكن الجنوب يبني جيشه كاستعراض للقوة ليكون رادعا.. هناك مخاوف كبيرة. معظم الناس في الجنوب يعتقدون أن الشمال سيحاول ايجاد مشاكل.. مسألة الثقة ليست موجودة».

وتحظر بنود اتفاق السلام بين شمال السودان وجنوبه قيام اي من الجانبين بتجديد أسلحته او ذخيرته من دون موافقة مجلس الدفاع المشترك، لكن خبراء يقولون ان هذا امر لا يراعيه احد. وينفي كل من شمال السودان وجنوبه بصفة منتظمة أنهما يبنيان جيوشهما أو يخرقان بنود اتفاق السلام. وظلت العلاقات بين شمال السودان وجنوبه متوترة منذ اتفاق عام 2005، وقد اشتبكت القوات عدة مرات. وكان آخر هذه الاشتباكات في مايو (ايار) بسبب منطقة النزاع حول تبعية منطقة ابيي المنتجة للنفط والتي يزعم كل من الجانبين أحقيته بها. وتقول مصادر سودانية قريبة من الحركة الشعبية، لـ«الشرق الاوسط»، ان هناك 3 سيناريوهات تتحسب لها الحركة الشعبية، اولها ان جهات سودانية شمالية مؤثرة، قد تدعم رئيس الحركة الشعبية سلفا كير الذي سيترشح لرئاسة الجمهورية ضد الرئيس عمر البشير. وإذا ما حدث ذلك فان فوز سلفا كير سيكون مرجحا. وهو امر قد يدعو المؤتمر الوطني للتدخل لحماية البشير، وتعديل النتيجة، في سيناريو قد يكون مطابقا لما حدث في كينيا، وزيمبابوي ابان انتخابات الرئاسة الاخيرة. وهو قد يقود الى اشتباكات وصراع.. وربما يؤدي الى عودة الحرب.

اما السيناريو الثاني، فقد يأتي بعد اجراء الاستفتاء على الجنوب عام 2011، المنصوص عليه في اتفاقية السلام الموقعة عام 2005، فإذا صوت الجنوبيون لصالح الانفصال، فقد يغضب الامر الشماليين، مما يؤدي الى اشتباكات، ايضا وربما عودة الحرب. وحتى ولو وافق الشماليون على الانفصال فان سيناريو ثالثا قد يجيء، بمطالبة مناطق متاخمة للجنوب، بضمها لأحد الجانبين، وهو ما قد يشعل حربا جديدة. ويعد مستقبل منطقة ابيي واحدة من الشرارات التي قد تندلع، عند الفصل في مصيرها. ورغم كل ذلك يؤكد خبراء عسكريون سودانيون انه لا توجد علامات على أن صراعا بين الشمال والجنوب قد بات وشيكا. بل على عكس ذلك فان الجانبين استطاعا تهدئة التوتر بينهما بشأن ابيي، وأظهرا بعض الوحدة حول هجوم شنه متمردو دارفور على ام درمان في مايو وفي معارضة جهود ممثل ادعاء المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الرئيس عمر حسن البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور. ويقول الخبراء في الخرطوم: «ليس هناك سباق للتسلح، بالمعني المعروف، بسبب الفروق الكبيرة في الموارد المتاحة لهذه العملية بين الشمال والجنوب لصالح الشمال». ورجحوا بأن قيام الحركة باستيراد السلاح الهدف منه الاعداد للمرحلة المقبلة من اتفاق السلام وبتطورات داخلية محتملة في جنوب السودان. ويرى الفريق محمد بشير سليمان الناطق السابق للجيش السوداني لـ«الشرق الاوسط» ان توجه الحركة الشعبية لشراء السلاح يرتبط بصراعات محلية داخل الحركة او قبلية. ويقول الخبير الامني اللواء امن متقاعد حسن بيومي، ان فكرة سباق التسلح غير قائمة. وقال لـ«الشرق الاوسط» ان الشمال لديه مصانع لدبابات وطائرات فكيف تتمكن الحركة ان تلحق بكل ذلك. ويعتقد ان لجوء الحركة في هذا الوقت للتسليح من الصعب تفسيره في اطار العمل لخلق توازن مع الشمال. لكن اللواء السابق الدكتور محمد العباس الامين، يقول ان قضية الاسلحة في السفينة المخطوفة تكشف ستار التسلح، وقال لـ«الشرق الاوسط» ان القضايا المعلقة بين الشريكين مثل مسألة الحدود بين الشمال والجنوب والنزاع في ابيي، واحتمالات الوحدة او الانفصال هي التي تبرر لجوء الحركة الشعبية الى تسليح نفسها. ويؤكد الامين ان السلاح المحتجز يتبع لجيش الحركة الذي يعتمد على التسلح من المعسكر الشرقي الساب. ولا علاقة له بالجيش الكيني الذي يستمد عقيدته من الغرب.