عراقيون هجرهم النظام السابق إلى إيران: بلدنا لا يمنحنا الجنسية.. وطهران تخلصت منا

أحدهم لـ «الشرق الأوسط»: بيننا مسؤولون في الحكومة العراقية الحالية استعادوا أسماءهم.. وما زلنا ننتظر

TT

حالة من الضياع وجد نفسه فيها المهندس مهدي مطشر بعد ان اجبر على ترك العراق مطلع الثمانينيات والعيش في ايران على انه عراقي لاجئ داخل مخيمات للاجئين، كونه سجل في سجلات الاحوال المدنية حينها بأنه «تبعية إيرانية».

وقام النظام العراقي السابق بترحيل العشرات من العوائل ممن سجل في هوياتهم بأنهم «تبعية ايرانية» لدى اندلاع الحرب مع الجمهورية الاسلامية.

وخوفا على من تبقى من أهله داخل العراق وجد مطشر نفسه امام حل واحد وهو تغيير اسمه الى «مجتبى محمد حسين»، ودخل سجلات الصليب الأحمر الدولي بهذا الاسم، غير ان اسم «مجتبى» لم ينقذه من دوامة الضياع حيث أجبرته السلطات الايرانية على ترك طهران والعودة للعراق بعد انهيار النظام العراقي السابق. وعاد مطشر الى العراق لكن ليس لوحده، بل رافقته زوجته المدرسة وثلاثة ابناء هم علي وزهراء ومحمد الذين ولدوا في طهران داخل مخيم اللاجئين ولا يعلمون الآن لماذا عليهم ترك بلدهم، فهم ما زالوا يعتقدون انهم ايرانيون بحكم الولادة واللغة والعيش والدراسة مع اقرانهم الايرانيين.

ومشكلة مطشر الآن انه لا يستطيع إثبات نسب أي من أفراد عائلته، فهو الآن ليس بمهدي مطشر ولا يملك هوية مدنية عراقية تشير لذلك كما انه ليس بمجتبى الايراني.

ويقول مطشر إن اسم مجتبى «اسم حركي» أسوة بالكثيرين ممن هاجروا لايران او سفروا مجبرين، وأضاف أنه يعرف الاسماء الحقيقية والحركية لوزراء في الحكومة الحالية استعادوا أوراقهم الأصلية، بعكسه، فهو الآن يدور بين وزارات المهجرين والداخلية والتربية ايضا لاستعادت اســمه دون جدوى، وهمه الوحيد الآن هو إدخال أطفاله في المدارس التي بدأت دوامها وإدارتها ترفضهم لأنهم من دون إثبات هــوية.

ويعاني عشرات الآلاف مثل مطشر، عاد جزء كبير منهم وبقي آخرون بانتظار ماذا سيحصل لمن سبقوهم، واتخذت الحكومة العراقية اجراءات كثيرة لإعادتهم وتسهيل مهمة عودة أملاكهم المصادرة في زمن النظام السابق اليهم وإعادة أوراقهم، لكن الدوائر الحكومية الرسمية متحيرة فليس هناك ما يستندون اليه، بحسب كلام البعض.

وأضاف السوداني أنه رغم امتلاكه لشهادة عالية وهي الهندسة، لكنه كان يعمل كعامل في ايران، واضاف ان «اوهمتنا الامم المتحدة بأننا سنتقاضى مليون دينار وبيتا لدى عودتنا للعراق، لكن كل هذا وجدناه مجرد اكاذيب ولم يوفر لنا أي شيء».

وبشأن معاملة ايران لهم قال السوداني «انها صعبة جدا وحتى لو كنا اسرى حرب لما عوملنا بمثل ما عاملتنا ايران، وأبسط شيء هو انهم يقطعون عن المجمعات الخاصة بالعراقيين الكهرباء بحجة ان الامم المتحدة لم تعطهم أجور الطاقة، وكل عام يؤخر ابناؤنا عن الدراسة شهرا كاملا ولا يسمح لهم إلا بعد ورود قرار الأمم المتحدة».

اما زوجته ازهار فقالت «كنا نرى الاعلام وهي ترافق عودة العوائل العراقية من مصر بالطائرات، لكن كل هذا لم نره حين عودتنا، وحتى ايران عاملتنا مؤخرا معاملة غير جيدة وكأنهم كانوا بانتظار ان نقوم بتسقيط الكارت الابيض، وهو كل ما نملك في ايران»، واضافت بأسى «عندما راجعنا مكتب الاقامة الايراني على الحدود سمعت بأذني الضابط المسؤول ينادي احد حراسه ويقول له بالفارسي (اينها أشغالن بكزربرون بيرن) وتعني بالعربية (هؤلاء قمامة فدعهم يذهبون خارجا) وعند عبورنا للحدود العراقية وجدنا حالة أسوأ من معاملة الايرانين، وكل ما حصلنا عليه 400 دولار من الامم المتحدة لكننا خسرنا ضعف المبلغ في عودتنا، نحن اعتبرنا تبعية رغم اننا لا نملك أي شيء في ايران حتى مولد أبي وأجـدادي في العراق، وهجرنا بأجمعنا والدي كانت لديه خدمه وظيفية في العراق لكننا الآن لا نستطيع إثبات حقوقه».

بسام عبد الزهرة بين انه وأهله يدفعون ثمن غلطة كبيرة ارتكبها أحد أجداده في زمن الحكم العثماني رغم انه كان يتصور انه بتحويل هويات ابنائه الى التبعية سيخلصهم من الموت خلال المعارك الطاحنة التي كانت تدور رحاها بين الامبراطورية العثمانية وامبراطوريات اخرى، ولم يحسب ان اوضاع الدول وإداراتها ستتغير وتصبح اكثر تعقيدا وان احفاده سيرحلون لايران وتسـقط عنهم هويتهــم الاصليــة لكونهــم عربــا وعراقييـن.

من جانبه، قال وزير الهجرة والمهجرين عبد الصمد رحمن سلطان لـ«الشرق الاوسط» عن اسباب عدم حل المشكلة رغم مضي اكثر من خمس سنوات «ناقشنا في آخر اجتماع دوري مع اللجنة الخاصة بتسهيل عودة العراقيين من ايران والمؤلفة من عدة وزارات معنية، أوضاع العراقيين في ايران وهذه اللجنة تختص بمعالجة ملف (الهموم والمعاناة) لشريحة مهمة ظلمت من قبل النظام السابق، وخلال السنين الماضية تابعت الوزارة هذه القضية بكل مشاكلها المتنوعة (كفقدان المستمسكات الرسمية اثناء التهجير او مصادرتها من قبل النظام السابق، وإصدار الجنسية العراقية للمولودين في ايران من أبوين عراقيين هجروا قسراً ومشكلة الاملاك المصادرة وسبل معالجتها من قبل الطرفين (الدولة والمواطن المهجر) والعودة الى الوطن والحصول على الحقوق الادبية والتعويضات المادية والمعنوية، اضافة الى ذلك مسألة شهداء أبناء النازحين في ايران»، وأشار الى ضرورة الحصول على المعلومات والمستمسكات لوضع الحلول.

وأضاف سلطان ان لدى وزارته «قاعدة بيانات خاصة بالشهداء ومنهم الشهداء في ايران وستصرف التعويضات اللازمة حال إكمال الإجراءات المطلوبة»، مشيراً الى ان السبب المهم والأول في معالجة كل هذه الامور هو صعوبة دخول العراقيين الى العراق لمتابعة قضاياهم العالقة منذ زمن النظام السابق، وهذا يشكل عائقاً ًلان بعض الاطراف تستغل هذا الموضوع لأغراض سياسية».

أما وكيل الوزارة القاضي أصغر الموسوي، فقد أكد متابعة الحكومة العراقية لهذا الموضوع من قبل لجنة المهجرين في ديوان الرئاسة، وأكد ان «الزيارة التي ستقوم بها اللجنة خلال الفترة القادمة الى ايران ستحقق نتائج مرضية لأن مهامها كثيرة ومتنوعة في تسجيل الأملاك المصادرة والشهداء والجنسية وحالات اللجوء، اضافة الى الامور الأخرى التي يحتاجها العراقي هناك»، مشيراً الى ان اللجنة ستهيئ قاعدة بيانات متكاملة وآلية عمل لتوثيق ما ستقدمه من خدمات وإجراءات في ايران».

وقد أصدرت اللجنة، وبحسب أصغر عدة توصيات في ختام الاجتماع في مقدمتها وجوب تسهيل اصدار الجنسية العراقية بالاعتماد على إحصاء 1957 مع شهود اثنين او إثبات الرعوية العراقية الصادرة من (الدولة العثمانية)، «وذلك لحل جميع المسائل المتعلقة بالتعويضات وغيرها لأبناء العراق المظلوم والابتعاد عن إجراء معاملات التجنس لأنه لا يعطي الحقوق المدنية والقانونية للمهاجر العائد»، بالإضافة الى فتح خط ساخن مع وزارة المالية بشأن تثبيت عقارات المواطنين المصادرة، وذلك بوضع ممثل من الوزارة هناك.