هجوم آيسلندي لكسب تأييد أعضاء الأمم المتحدة... بالحلوى

تحاول الفوز بمقعد في مجلس الأمن وتتنافس مع فيينا وأنقرة

TT

كُتب بخط أنيق على بطاقة بيضاء صغيرة وضعت أعلى مأدبة حلويات أقيمت بغرفة الطعام الخاصة بمندوبي الدول لدى الأمم المتحدة: «فطير آيسلندي بداخله مربى توت مشكلة وقشدة مخفوقة». وكانت هذه الحلوة ضمن مأدبة اقيمت الاسبوع في إطار الهجوم الجذّاب الذي تشنه ايسلندا ضد منافسيها النمسا وتركيا للفوز بمقعد غير دائم في مجلس الأمن. وقد اكتسبت مساعي آيسلندا لحشد الأصوات، التي تؤهلها للحصول على مقعد مجلس الأمن، أهمية أكبر في ظل ما تتناوله العناوين الرئيسية اليومية حول إفلاس آيسلندا. ولكن هل ستقنع مأدبتا طعام امتلأتا بالأكلات الآيسلندية الشهية المترفة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، البالغ عددها 192 دولة والتي لها الحق في التصويت يوم الجمعة المقبل، بأن آيسلندا تستحق دعمهم؟ يعلق دبلوماسي أوروبي قائلا: «عليهم السعي لإقناع الناس بفطائرهم، لأنه لم يعد لديهم نقود».

أصبح من النادر ظهور حالات استقطاب حول سكرتارية الأمم المتحدة خلال الأعوام الأخيرة، ولكن ما زال التصويت على الدول التي تفوز بمقاعد مجلس الامن يثير الانتباه. وعلى الرغم من أن دول أعضاء تبدي تذمرها بشأن الدور المتراجع للمجلس، المزيد من الدول تسعى للفوز بمقعد على طاولة المجلس لما يحمله من نفوذ. ويقول كولين كيتينغ، السفير السابق لنيوزلندا الذي يدير «تقارير مجلس الأمن»، وهي منظمة غير ربحية: «تلك واحدة من الأهداف الكبرى للسياسة الخارجية لأية دولة. فهذا المكان يتمتع بقوة حقيقية حيث أنه (مجلس الأمن) يمثل المؤسسة الدولية الوحيدة التي لديها السلطة القانونية لإجبار المجتمع الدولي على القيام بشيء من خلال التصويت بالأغلبية».

وتحاول المناطق المختلفة الوصول إلى إجماع حول مرشح واحد، يفوز بالتزكية، لتجنب عملية اقتراع عصيبة. وقد اختيرت أوغندا للمقعد الأفريقي، كما اختيرت المكسيك لمقعد أميركا اللاتينية. وهناك معركة في القارة الآسيوية بين إيران واليابان، وترى إيران أنها تستحق المقعد، فهي لم تدخل مجلس الأمن منذ عام 1956، في حين دخلت اليابان مجلس الأمن تسع مرات، آخرها انتهت مدتها في عام 2006. ولكن يقول دبلوماسيون إنه من المحتمل ألا تفوز إيران بالمقعد ولذا قد تنسحب، وأشاروا إلى العلاقات الفاترة بين إيران ومجلس الأمن بسبب ملفها النووي، وقد فرض مجلس الأمن عقوبات ثلاث مرات عليها. ولا يرغب أحد في تكرار تجربة رواندا في بداية التسعينات من القرن الماضي، عندما استخدمت مقعدها لعرقلة قرارات ضد أعمال العنف هناك. وغالبا ما يتم الإعلان عن الرغبة في الفوز بمقعد داخل مجلس الأمن قبل السعي لذلك بعشرة أعوام. فالأمر يبدو كمحاولة للالتحاق بكلية ذات اعتبار، وعلى الدولة التي تريد الفوز بالمقعد إثبات أن لديها الكثير من الخبرة. ويعني ذلك، أولا: اظهار اهتمام نشط بقضايا السلام والأمن. (وتشارك تركيا في بعثات حفظ السلام في أربع دول). ثانيا: على الدول التي تريد الحصول على مقعد بالمجلس البرهنة على أنها تهتم بالأنشطة البيئية ومحاربة الفقر (وتظهر أدبيات آيسلندا صورا من أطفال بدول العالم الثالث في إطار برنامج تدريب تابع لها). وأخيرا، إقامة حفلة جيدة تساعد الامر ايضاً (وقد أقامت النمسا حفلة خاصة للأمم المتحدة في قاعة كارنيغي عُزفت خلالها أوركسترا فيينا، كما تخطط لحفلة في نادي «ميتروبوليتان» عشية التصويت).

ولكن يمكن للاحداث ان تحدث اضطرابا حتى في أكثر الحملات المنظمة. وآيسلندا، التي انضمت إلى الأمم المتحدة عام 1946، ولكنها قررت فقط في عام 1998 السعي للفوز بالمقعد غير الدائم الذي يخصص لدول شمال أوروبا بمجلس الأمن، مثالاً على ذلك. وفي معرض كلمته التي أعدها خصصيا ليلقيها أمام 181 سفيرا لدى الامم المتحدة، حاول السفير هجالمر هانسون ان يبتعد عن الاشارة الى البنوك المتعثرة. وقال في مقابلة صحافية: «لم ننعم بمثل هذا الأمن الاقتصادي من قبل، وفي الوقت الذي صعدنا فيه على سلم الدول الغنية، انتابنا شعور أكبر بأن هناك التزاما بخدمة الآخرين من خلال مجلس الأمن».

وتقول كريستين أرنادوتير، الدبلوماسية الآيسلندية المكلفة بالترويج لبلادها في مجلس الامن، إن خط التليفون بين مدينة نيويورك والعاصمة الآيسنلدية ريكيافيك كاد يشتعل نارا من كثرة الاتصالات من وزارة الخارجية تسأل خلالها البعثة الآيسلندية ما إذا كانت الفوضى المالية ستؤثر على ترشيح آيسلندا للمقعد. وتضيف: «نناقش مع دول الشمال هل سيكون لتلك (الأزمة المالية) أي تأثير». وما زالوا غير متأكدين ما إذا كان ذلك الأمر سيكون مبعثا للتعاطف أم سببا في الشكوك، فتوضح: «ليست آيسلندا وحدها التي تعاني من مشاكل اقتصادية، فهذا هو الحال في باقي الدول الغربية».

ويرى بعض الدبلوماسيين أن هذا الأمر سيؤثر على عدد قليل من الأصوات الهامشية، ومع ذلك فإن القليل من الأصوات يمكن أن يؤثر على تلك المنافسة الشديدة.

وبالطبع، فإن المرشحين الآخرين لديهم قضايا أخرى. ففي النمسا فازت الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تقف ضد الهجرة بثلث المقاعد في الانتخابات التي عقدت في سبتمبر (أيلول) الماضي. ويحاول السفير النمساوي غرهارد بفانزلتر مواجهة أية شكوك محتملة بالتأكيد على التزام النمسا التاريخي تجاه الأمم المتحدة، فهي تستضيف منظمات مهمة مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتعمل وسيطا بين الكثير من الدول المتناحرة منذ الحرب الباردة. أما تركيا، فقد كانت آخر مرة حصلت فيها على مقعد في مجلس الأمن في عام 1961، وهي تشعر أن النزاع التركي اليوناني على قبرص منذ عام 1974 يمكن أن يعيقها عن الفوز بمقعد. وقد دفعت المناوشات مع الانفصاليين الأكراد تركيا كي تقصف مواقع داخل العراق الأسبوع الماضي. ويقول السفير التركي لدى الأمم المتحدة باكي إلكن إن هذا هو وقت تركيا، وأن موقعها الجغرافي بين منطقة الشرق الأوسط المضطربة ومنطقة القوقاز المضطربة ومنطقة البلقان المضطربة يجعل منها بلد مثالي كي تنقل تلك الحساسيات الإقليمية إلى مداولات مجلس الأمن. وتتمتع كل دولة بتصويت متساو، ولذا فليس هناك بلد صغير. فدول صغيرة مثل جزيرة ناورو وتوفالو وبالاو لها نفس وزن الدول الخمسة الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن: الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا. وأرسلت كل من آيسلندا والنمسا مبعوثين لهما عبر منطقة جنوب المحيط الهادي، كما وجهت تركيا دعوة إلى جزر المحيط الهادي للمشاركة في قمة، كما استضافت قمة أفريقية وأخرى لدور الكاريبي. وتحتاج أي دولة لتأييد ثلثي أصوات الدول الأعضاء الحضور خلال عملية الاقتراع للفوز بالمقعد.

* خدمة «نيويورك تايمز»