بداية العام الدراسي.. أول اختبار للأمن في العراق

مدارس بغداد متهالكة وتستقبل من التلاميذ أكثر من طاقتها وتعاني نقصا في عدد المعلمين

TT

في اليوم الأول من العام الدراسي، بدت التلميذة بسمة أسامة (10 أعوام) واقفة بقلق في طابور الصباح. كانت تستمع هي وعشرات من زملائها في المدرسة إلى حديث أحد معلميهم الحماسي. قالت المعلمة للتلاميذ، الذين يبلغ كثير منهم 5 أعوام: «لقد عاد الأمن إلى بغداد مدينة السلام وأرض العروبة». لم تقتنع والدة بسمة، هند ماجد، والتي عادت لتوها مع ابنتيها بعد أن ظلت عامين في مصر في انتظار استقرار الوضع في العراق، بفكرة عودة الأمن. وقالت: «ما زلت أشعر بالخوف من الوضع، وقد غامرت بعودتي إلى العراق».

بالطبع لم تكن هذه المغامرة مثل المخاطرة بالقدوم منذ عام، حيث يسود الهدوء في مناطق أكبر في العراق الآن. ولكن ما زال هناك الكثير من الأسباب التي تدعو إلى القلق: بعد ساعات قليلة من وصول بسمة، تم إخلاء المدرسة عندما اقتحمت قوات الكوماندوز العراقية المكان، وحذرت من أن هناك امرأتين تخططان لتنفيذ هجمات انتحارية على المدارس في المنطقة. بدا أول يوم دراسي وكأنه بداية جديدة في كل مكان، وعاد تلاميذ العراق البالغ عددهم 6 ملايين إلى المزيد من الأمل والابتعاد عن العنف هذا العام.

ولكن بدء العام الدراسي أيضا يعتبر قياسا لأهم جانب في تحسن الأوضاع الذي يشهده العراق، فقد جاء ليقيس ما إذا كانت الأسر العائدة تشعر بالثقة الكافية، بعد أعوام من الحرب والجريمة والقتال الطائفي، لتعود إلى منازلها ومدارسها في الأحياء القديمة. وعلى أية حال، فإن قليلا من أولياء الأمور ـ إن وجدوا ـ يعرضون أبناءهم للخطر طواعية.

ولكن الرد الذي جاء في حوارات أجريت في عدد من أحياء بغداد يشير إلى شعور أكبر بالأمان. ويؤيد هذا الشعور أرقام المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ففي أغسطس (آب)، ارتفع عدد العراقيين الذين عادوا إلى ديارهم من الخارج أو من نزوح داخلي إلى 37.835، مقارنة بـ20.546 في يوليو (تموز) و16.338 في يونيو (حزيران). وتبلغ نسبة العائدين في بغداد ومحافظة ديالى في الشمال أكثر من 90 في المائة.

ولكن ما زال هناك ملايين النازحين، وفي سبتمبر (أيلول) انخفض العدد بعودة 23.821 إلى منازلهم. ولكن متوسط أعداد العائدين في 10 أشهر تبدأ من أغسطس عام 2007، وفقا لأرقام الأمم المتحدة، يصل إلى 11.000 فقط. وحتى بالنسبة لهؤلاء الذين عادوا إلى العراق من الخارج، ما زال هناك المزيد من التردد في العودة إلى منازلهم إذا كانوا قد فروا هربا من العنف الطائفي، وخاصة في المناطق التي تجمع بين سكان من السنة والشيعة.

لذا يعتبر فتح المدارس، حيث يبدأ العام الدراسي في بغداد في أكتوبر (تشرين الأول)، أيضا قياسا لكيفية إعادة رسم الخريطة الطائفية في المدينة بعد أحداث العنف التي وقعت عامي 2006 و2007. وعلى سبيل المثال، هند ماجد سيدة شيعية متزوجة من رجل سني، وكانت تريد العودة من مصر هذا العام، ولكنها قررت عدم العودة إلى منطقة السيدية جنوب بغداد التي هربت منها والتي كانت إحدى الساحات الرئيسة للقتال الطائفي. وهي الآن تعيش مع والديها في حي العامل وهي منطقة يسودها الشيعة، وكان في الماضي أكثر اختلاطا. ويبدو الشعور الذي يخيم على بغداد الآن مزيجا من الأمل والقلق، وهو ما يظهر في الحسابات التي لا تنتهي والحلول المعقدة، من قبيل: هل تعود الأسرة كلها أو الكبار فقط؟ هل من الحكمة العودة إلى منزل في حي كان مختلطا؟ أو ربما من الأفضل البحث عن منزل جديد في منطقة تغلب عليها طائفة الأسرة، وهل يجرؤ المرء على أن يثق في جيرانه، ليسمح لطفله بالسير وحيدا إلى المدرسة؟

ومما يعقد هذه الاختيارات أن الكثير من المدارس في وسط بغداد مزدحمة بالتلاميذ، وبها عدد غير كاف من العاملين، وتعرضت للهلاك، وتفتقد إلى البنية التحتية الأساسية، مثل المقاعد ومياه الشرب النظيفة.

وفي مدينة البصرة في الجنوب، يختار عدد كبير من أولياء الأمور هذا العام إلحاق أبنائهم بمدارس خاصة أفضل، على الرغم من مصاريفها الباهظة. وقال الميجور توم نيلسون، المهندس العسكري الأميركي في بغداد: «ربما تكون المدارس من أهم المؤسسات التي تحتاج إلى إعادة تأسيس لكي تعود إلى طبيعتها». ويبدو أن الجيش الأميركي يتحمل القدر الأكبر من التكاليف التي تتطلبها إعادة بناء المدارس وتزويدها بالمعدات اللازمة. فقد أنفق أكثر من 85 مليون دولار منذ أكتوبر (تشرين الأول) عام 2006 في بغداد وحدها. وأنفقت وحدة نيلسون في فرقة 101 المحمولة جوا 6.7 مليون دولار في الشهور الأخيرة على المدارس في شمال غربي بغداد، وهو أكثر من ضعف ما تنفقه الحكومة العراقية الذي يصل إلى 2.6 مليون دولار.

وحصلت مدرسة الكفاح الابتدائية في حي الفضل في وسط بغداد، والذي كان من أكثر المناطق خطورة حتى وقت قريب، من الجيش الأميركي على مولد للطاقة ومكيفات للهواء في كل حجرة دراسية وطليت باللون الأزرق الفاتح. ولكن ما زالت حول المبنى بقايا مياه الصرف.

وبغض النظر عن المساعدة الأميركية، قالت مديرة المدرسة عواطف فاضل، إنها لا تستطيع الحصول على أموال من مجلس التعليم في الحي لتشغيل المولد الجديد، ناهيك من تعيين حارس وبواب وبدائل للمدرسين الذين هربوا من الفضل.

وقال وزير التعليم العراقي خضير الخزاعي إن المدارس في العراق تعاني الأوضاع السيئة منذ منتصف الثمانينيات نتيجة للحروب والعقوبات الدولية. وأضاف أنه الآن تحسن الوضع الأمني، وستباشر الحكومة العمل على برنامج لإصلاح وبناء المدارس يتكلف عدة مليارات من الدولارات على مدى الأربعة أعوام المقبلة. وقال: «لا أعتقد أن لدينا مشاكل خطيرة، فأخطر مشكلة هي عندما كانت حياة التلاميذ والمدرسين مهددة». ويقول مسؤولو الأمم المتحدة إنه من المهم أن تتصرف الحكومة العراقية بسرعة لمساعدة عودة اللاجئين، وهذا يشمل توفير التعليم والمدارس الملائمة. ويأمل الخبراء في أن تحسن أوضاع المدارس سيقوي من فكرة زيادة أمان الأحياء، مما يؤدي إلى عودة المزيد من الأفراد. وقال أندرو هاربر، المسؤول عن العراق في مكتب المفوض السامي لشؤون اللاجئين، في إشارة إلى الهدوء الحالي: «لا شيء لا يمكن الرجوع فيه. نحتاج إلى... الضرب على الحديد وهو ساخن».

*خدمة «نيويورك تايمز»