شحنة أسلحة ثالثة للحركة الشعبية على متن طائرة هبطت في جوبا.. وصمت في الخرطوم

الأمم المتحدة فتشت الطائرة وعثرت على الأسلحة ومسؤول جنوبي اعترف بقوله إنها تشارك في معرض للعتاد الحربي

مجموعة من قوات الجيش الشعبي السوداني (أ ب)
TT

طوقت قوة من الجيش الشعبي لتحرير السودان بصورة لافته مطار مدينة «جوبا» عاصمة الجنوب، عندما هبطت فيه بشكل مفاجئ طائرة عسكرية اثيوبية، ليتم الكشف فيما بعد ان الطائرة تحمل كميات من الاسلحة، ما جدد الاتهام للحركة الشعبية بانها تقوم باستيراد اسلحة من الخارج بشكل متواصل. واقر مسؤول عسكري كبير في الجيش الشعبي وهو الجناح العسكري للحركة الشعبية ثاني أكبر شريك في حكومة الوحدة الوطنية في السودان لـ«الشرق الاوسط» بوجود اسلحة على الطائرة الاثيوبية، لكنه نفى بشدة بان تكون تابعة للحركة وقال انها «جاءت في اطار معرض للعتاد الحربي الاثيوبي تقيمه اديس ابابا في جوبا».

وكانت مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أمس عن سباق تسلح صامت بين شمال السودان وجنوبه تحسبا لما قد تتضمنه المرحلة المقبلة من مفاجآت وسيناريوهات قد تقود الى حرب جديدة. وهذه ثالث حادثة تتهم فيها الحركة الشعبية باستيراد اسلحة من الخارج بعد كشف تسرب اسلحة ودبابات في يوينو (حزيران) الماضي لجنوب السودان من أثيوبيا، ضبطت في مدينة الكرمك الحدودية، فضلا عن أزمة الباخرة المحملة بالأسلحة التي يحتجزها القراصنة في المياه الصومالية منذ ثلاثة أسابيع.

وقال شهود عيان إن هبوط الطائرة بصورة مفاجئة في المطار وجد اهتماماً كبيراً من سكان المدينة ومن بعثة الأمم المتحدة. ولاحظت أن السلطات في المطار رفعت من وتيرة الاجراءات الامنية منذ هبوط الطائرة، لكن مصدرا بالحركة نفى لـ«الشرق الأوسط»، بان تكون حركته قد استوردت أية أسلحة حاليا أو في السابق.

ونسب الى مصادر في جوبا ان بعثة لمراقبة اتفاق السلام تتبع للامم المتحدة فتشت الطائرة التي هبطت فجأة في المطار فعثرت على شحنة من الاسلحة بداخلها. وقالت المصادر ان الطائرة العسكرية الاثيوبية من طراز «انتنوف 12» تحمل ما يزيد عن 15 طناً من الأسلحة الثقيلة والمدفعيات والراجمات وذخائر المدفعيات المضادة للطائرات والدروع ومدافع مضادة للدبابات، واخرى للصواريخ.

وحسب المصادر فان تداعيات الحادث يشبه الى حد كبير حادثة السفينة الاوكرانية التي يحتجزها الآن القراصنة الصوماليون وهي تحمل أسلحة للحركة.

وكشفت مصادر طلبت حجب اسمها بان طاقم الطائرة سلم قائمة بالأسلحة إلى سلطات المطار، وقالت إن عناصر تتبع للجيش الشعبي استقبلت الطاقم ومن يرافقونهم، في المطار وتم ترحيلهم إلى المدينة. وقالت إن الطائرة ما زالت ترابط بالمطار. وطبقا للمصادر فان طاقم الطائرة لدى استفسارهم قالوا ان الاسلحة عبارة عن محتويات معرض يقيمه الجيش الاثيوبي بمدينة جوبا. وكشفت مصادر عسكرية إن الطائرة وصلت على متنها 19 خبيرا عسكريا من اثيوبيا، وقالت ان اجتماعا سيعقد في جوبا بين اطراف اتفاق السلام لدراسة امر الطائرة. وقال بيور اسود مسؤول الامداد في الجيش الشعبي لتحرير السودان لـ«الشرق الاوسط» ان الطائرة التي هبطت في مطار جوبا تحمل كميات متنوعة من الاسلحة الاثيوبية الصنع، وصلت بتنسيق مع الحركة الشعبية لاقامة معرض اثيوبي برغبة منها يبدأ اليوم في مدينة جوبا ويستمر لمدة خمسة ايام. واضاف ان الاسلحة وصلت بعلمنا وتم تفتيشها من قبل الامم المتحدة في المطار وستدخل المدينة اليوم الى مكان المعرض وستظل مكشوفة لكل الناس الى ان ينتهي المعرض لتعود على الاثر مرة اخرى بعلم الامم المتحدة الى المطار ثم الى اثيوبيا.

ووجه أسود الدعوة للصحافيين لزيارة المعرض الذي سيفتتح في المدينة، وقال «عليهم ان يأتوا بكاميراتهم لتصوير الاسلحة ولمعرفة الحاصل عن قرب»، وقال ان «اثيوبيا تريد ان تروج لاسلحتها المحلية عبر معرض ونحن وافقنا على ذلك»، وشدد على ان الجيش الشعبي ليس لديه ما يخفيه عن الاخرين. وردا على سؤال حول تعارض ما يحدث مع اتفاق السلام الموقع مع حزب المؤتمر الوطني» قال ان «من حق الجيش الشعبي الحصول على الاسلحة بنص اتفاق السلام والدستور الانتقالي»، واضاف «اتفاق السلام تحدث صراحة عن جيشين في السودان هما الجيش الشعبي والجيش السوداني وهناك قوة مشتركة منهما، وعندما نقول جيش هذا يعني سلاحا وتدريبا وعقيدة عسكرية وتاهيلا، واعادة تاهيل وكل ما يعني الجيش حتى يصبح جيشا»، ولكنه مع ذلك نفى ان تكون الحركة الشعبية قد استوردت في الفترة الماضية اسلحة من الخارج، في رد على سؤال في هذا الخصوص، وقال ان «السبب هو ان الحركة ليست لديها اموال لجلب الاسلحة من الخارج»، ولا يرى المسؤول في الجيش الشعبي اي حرج في ان يحصل على الاسلحة من اية جهة». ومضى الى القول ان الجيش الشعبي هو الذي يحرس الوطن من الناحية الجنوبية فلا بد في مثل هذه الحالة ان يكون مستعدا لكل الاحتمالات.

وقال ان القوات المحلية في الجنوب مثل الشرطة وحرس الصيد في حاجة ماسة للاسلحة الصغيرة لتؤدي دورها المطلوب منها في جنوب السودان، وشدد «من حقها ان تحصل على الاسلحة»، وتساءل القائد في الجيش الشعبي «اذا ما احدث اعتداء على الوطن عبر الجنوب فمن يحمي الجنوب سوى الجيش الشعبي المسلح تسليحا جيدا». وانتهز اسود الفرصة لينفي ان تكون الحركة ادخلت اسلحة جدية الى الجنوب عبر منطقة «الكرمك» على الحدود مع الجارة اثيوبيا في يونيو الماضي، وقال ان الدبابات والاسلحة، التي وصلت عبر الكرمك هي في الاصل اسلحة تتبع للحركة الشعبية ارسلت الى هناك للصيانة وعادت الى الجنوب بعد الصيانة، كما نفي مجددا ان تكون للحركة اية صلة بالاسلحة التي يختطفها القراصنة قبالة المياه الصومالية، وقال «لو كانت تتبع للحركة لقلنا ذلك بدون حرج ولكنها لا تتبع لنا».

ونفى ان تكون الحركة الشعبية تعيش الان مرحلة سباق تسلح مع الشمال، وقال هذا الكلام غير صحيح على الاطلاق، واضاف: نحن نحترم اتفاق السلام الموقع بيننا مع الحكومة في 2005 م والذي اقر بوجود الجيشين وفقا لضوابط منصوصة في الاتفاق والدستور الانتقالي. ورفض ان تكون الحركة تسعى لتسليح نفسها، وان ذلك بمثابة استعداد منها لحرب جديدة مع الشمال. وقال «الشمال ليس ضدنا ولكن الجيش الشعبي مسؤول عن امن الجنوب فلا بد ان يستعد لاية احتمالات في هذا الخصوص.. وهذا لا يتعارض مع اتفاق السلام»، مشدد على ان «جيش الحركة جيش قومي» كما ورد في نص الاتفاق بانهما جيشيان قوميان». وشدد اسود على ان كل الاتهامات التي تلصق بالحركة الشعبية بشان الاسلحة مجرد اقاويل الهدف منها تشويه سمعة الحركة الشعبية وجيشه الشعبي.

من جهته قلل وزير الخارجية السوداني والقيادي في الحركة الشعبية دينق ألور في تصريحات من أهمية وجود الطائرة في جوبا، وقال «ليس لدى الجيش الشعبي أية طائرة محملة بالأسلحة معتبراً ذلك مجرد مؤامرة مربوطة بالسفينة تهدف في مجملها لتشويش صورة الجيش الشعبي وحكومة الجنوب بدعوى امتلاكهم اسلحة غير مشروعة». ووصفه بادعاء لا يستند إلى أية حقائق. وجدد التزام الحركة باتفاق السلام وفق ما حدد في بروتوكول الترتيبات الامنية. وقال «أيضاً إذا الامم المتحدة رصدت ذلك بمطار جوبا كما قيل فعليها اثبات صحة ذلك» .

ونسب لمصادر سودانية ان وزارة الخارجية السودانية ستستدعي السفير الاثيوبي بالخرطوم على خلفية تلك الطائرة، اضافة لرصيفه الكيني للاستفسار عن السفينة المختطفة في خليج عدن. غير أن الناطق باسم الخارجية السودانية نفى في تصريحات صحافية امس لاحقة بان تكون وزارته قد شرعت في خطوة كهذه، ونسب لمصدر أن الخارجية السودانية تجري اتصالات بين الخرطوم والعاصمة الاثيوبية اديس ابابا لمعرفة حقيقة الطائرة والسفينة، فيما نفى السفير الاثيوبي في الخرطوم علمه بهذه الطائرة.

وفي تصريحات قال خالد منصور المتحدث باسم بعثة الامم المتحدة المكلفة بمراقبة اتفاق السلام السوداني بين الجنوب والشمال انه اجرى اتصالات بجوبا حول هذا الموضوع واضاف انه لم تصلهم اية معلومات تثبت صحة ذلك. ويتفادى المسؤولون في الخرطوم الخوض في مسالة تواتر انباء وصول الاسلحة من الخارج الى الحركة الشعبية منذ يونيو الماضي، وظل المسؤولون في حزب المؤتمر الوطني يجنحون الى الصمت حيال مسألة الاسلحة المحتجة قبالة الصومال ووصول طائرة الاسلحة الى جوبا غير انهم يميلون الى التسريبات حيال المسألة عبر وسائل الاعلام المواليه لهم. ويشار الى أن اثيوبيا إحدى دول الإيقاد الراعية للعملية السلمية في دول الايقاد. وقال الخبير العسكري الفريق الفاتح الجيلي المصباح لـ«الشرق الاوسط» ان كل الاحتملات تشير الى ان الحركة الشعبية تعمل على تسليح نفسها، وقال ان دخول الدبابات عبر الكرمك وما دار حولها من تصريحات هنا وهناك وقضية الاسلحة على المياه الصومالية وما يجري من حديث حول صلتها بالحركة الشعبية فضلا عن الطائرة الموجودة الان في جوبا كل هذا يشير الى حدوث شيء غامض في الجنوب، مرجحا بان التسليح يتم في السر، وقال «هناك دلائل بان الامر قد وصل الى طور بعيد ولكننا لا نعلم التفاصيل والحقائق».