عصابتا «الخارجون عن القانون» و«الأطفال الضائعون» تنقل نشاطاتهما من القاهرة إلى الخرطوم وجوبا

وزير السياحة السوداني لـ«الشرق الأوسط»: ممارساتهم ضد عادات الجنوبيين.. الشرطة: تحركاتهم مرصودة

TT

كشفت مصادر مطلعة في حكومة جنوب السودان لـ«الشرق الأوسط» ان حملة الاعتقالات والجلد التي نفذتها الشرطة في مدينة جوبا عاصمة الجنوب، في حق مجموعة من الفتيات بدعوى انهن يعكرن صفو الامن، جاءت في الاصل بامر من القيادة العليا للحركة الشعبية، لكنها تراجعت عنها واغلقت التحقيقات التي جرت معهن بعد ان اكتشفت ان الشرطة في الجنوب نفذتها بدون الارتكاز على القانون.

ونسبت المصادر الظاهرة الى العشرات من الشبان والشابات ينتمون الى عصابتين نشطتا في مصر في الاعوام الماضية، هما «الخارجون عن القانون» و«الاطفال الضائعون»، وارتكب أفرادهما اعمالا اجرامية مما اضطر السلطات المصرية بترحيلهم الى الخرطوم، ثم غادر عدد منهم الى جوبا، بعد ان حصلت الشرطة في الخرطوم منهم على تعهدات بعدم ممارسة الجريمة والاعمال المخلة في البلاد، حسب تعبير المصادر.

وتقول مصادر في الشرطة لـ«الشرق الأوسط» ان السلطات المصرية قامت في مطلع العام الماضي، بترحيل نحو 350 من قيادات وعناصر اخطر عصابتين كونهما سودانيون من جنوب السودان يقيمون في القاهرة في انتظار الهجرة، بترحيلهم الى الخرطوم، وان هناك مجموعات منهم انتقلوا من الخرطوم الى مدن جنوب السودان خاصة العاصمة جوبا. واطلقت احدى العصابات على نفسها اسم «الخارجون عن القانون»، فيما اطلقت الاخرى على نفسها اسم «الاطفال الضائعون».

ويكاد يجمع كل الذين التقتهم «الشرق الأوسط» بان الظاهرة دخيلة على جنوب السودان، ويقول مسؤولون وخبراء اجتماع ان ما يقوم به هؤلاء من اعمال وممارسات تتضارب مع المعتقدات والعادات المحلية لمجتمع جنوب السودان. وقال ضابط شرطة لصيق بهذا الملف ان «كل ممارساتهم ضد التقاليد السودانية في الشمال والجنوب»، واضاف «انهم يرتدون ملابس غريبة تتمرد حتى على ملابس الموسيقيين الغربيين مثل مجموعات الهيب هوب في الولايات المتحدة، وبعضهم يرتدي ازياء اقرب الى ازياء النساء، كما انهم يتعاطون الخمر في كل الاوقات، ويتنقلون في جماعات تتكون من 5 الى 10 اشخاص، ويحملون الاسلحة البيضاء مثل المدي والصواطير، ويتعاملون مع اجهزة الموبايل والاشرطة المدمجة باسراف». ومضى يقول: «ان الفتيات اللائي ينتمين الى هذه المجموعات يرتدين سراويل قصيرة جدا ويتركن صدورهن شبه عارية في كل الامكنة».

ولاحظ انهم «يتميزون بالسير على الشارع بايماءات شبه متطابقة من فرد الى اخر من افرادهم ويرتدون أحذية الرياضة وقبعات البيسبول، وينتمون الى قبائل مختلفة من قبائل جنوب السودان يغلب عليهم قبيلة الدينكا، التي تعتبر من اكبر قبائل السودان».

وشنت الشرطة في مدينة جوبا أخيرا حملة على عشرات النساء يرتدين سراويل ضيقة، وقامت باعتقالهن بحجة تهديد الامن العام، كما قامت، بجلدهن. وقال ضباط ان اختيارهن ارتداء هذه السراويل يثبت أنهن من عصابات الشباب. وتجيء تحركات الشرطة بعدما حظر مفوض جوبا، ألبرت بيتيا ريدينتور ممارسة أي سلوك للعصابات على الملأ مما من شأنه على حد قوله أن يهدد القيم التقليدية. لكن قيادة الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب عادت وقررت ايقاف الحملة، واطلاق سراح المعتقلات، بعد احتجاجات، بتجاوز الشرطة لنصوص القانون ضدهن. وأقالت حكومة الجنوب أمس ريدينتور من منصبه. وقالت ماري كيدن وزيرة الشؤون الاجتماعية بحكومة جنوب السودان ان القبض على الشابات اللاتي ارتدين سراويل ضيقة غير دستوري. ونسبت مصادر في الشرطة في الخرطوم، تحدثت لـ«الشرق الأوسط» مقتل احد الاشخاص في حديقة عامة في العاصمة الخرطوم الى افراد من احدى العصابتين، المذكورتين، وقالت «قاموا بمطاردته داخل الحديقة على مرأى من رواد الحديقة، وسددوا له ضربات اودت بجياته. غير ان الشرطة القت القبض عليهم وقدمتهم الى المحكمة. وفي السياق، قال الفريق محمد نور مدير عام شرطة ولاية الخرطوم في تصريحات ان «الشرطة ترصد اعمالا تخريبية تخل بالامن تقوم بها المجموعات التي جرى ترحيلها من القاهرة. وكشف انهم قاموا بالاعتداء على عدد من المواطنين في بعض الاحياء خاصة حي «الفتيحاب» بام درمان والحقوا بهم الاذى. واضاف ان «الشرطة القت القبض على بعضهم وحققت معهم، كما انها ترصد اعمالهم عن كثب في الاحياء الطرفية للعاصمة»، وقال «نعرفهم.. وجاهزون للتعامل معهم». وقال خبير اجتماعي متابع لاوضاع هؤلاء المجموعات، وقدم بشأنهم دراسات لحكومة الجنوب ومنظمات الامم المتحدة ان «هؤلاء هم بعض من شريحة الجنوبيين الذين جاءوا من خارج السودان بعد السلام، واغلبهم اما انه ذهب الى الدول الافريقية المجاورة مثل مصر وكينيا واوغندا وجنوب افريقيا، وهو صبي، وبعضهم ولد في تلك البلدان». واضاف «انهم يرفضون النظام.. لذلك تجدهم يميلون الى شرب الخمر والاختلاط غير اللائق مع الشباب في اماكن عامة وتعاطي المخدرات». واضاف المصدر طالبا عدم ذكر اسمه، ان طباعهم عنيفة مع اي شخص خارج مجموعاتهم، غير انه لاحظ انهم بعد وصولهم إلى الخرطوم يتفادون الصدام مع سكان الشمال وان اغلب الصدامات التي رصدت لهم بعد وصولهم كانت بين افراد العصابتين او بين عناصر جنوبية اخرى. ويعتقد ان هؤلاء الشباب والشابات لديهم حالة مرضية تستدعي العلاج الاجتماعي والنفسي من قبل حكومة الجنوب.

من جهته قال وزير السياحة السوداني جوزيف ملوال لـ«الشرق الأوسط»، ان الظاهرة مستوردة من جيل ما بعد الحرب، واضاف ملوال وهو من ابناء الجنوب، ان «هؤلاء جاءوا من مصر ومن بعض الدول المجاورة».

ورفض الوزير ممارسات هؤلاء الشابات والشباب، وقال «انها لا تتوافق مع عادات الجنوبيين»، ودعا الى ضرورة اخضاعهم الى الرعاية الاجتماعية من قبل حكومة جوبا.

واعتبر جوزيف اوكيلو رئيس حزب السودان الافريقي المتحد المعروف اختصارا بـ«يوساب» ممارسات بعض الشباب في الجنوب هذه الايام بانها تتعارض مع العادات والتقاليد العامة هناك. وقال «المجتمع الجنوبي يرفض ذلك ليس من منطلق ديني وانما انطلاقا من كونه مجتمعا محافظا ومحترما». واضاف «الاسر الجنوبية في العادة لا تقبل للفتاة ان تختلي بالشاب بطريقة عشوائية»، ويعتقد اوكيلو ان الحل يكمن في رسم برامج ارشادية لهؤلاء الشباب بان ما يقومون به يعارض تقاليد المجتمع المحلي. ونوه الى ان اغلب هؤلاء ربما لا يعرف بان ما يقوم به يقع في باب الممارسات الخاطئة. غير ان السياسي الجنوبي رفض اخضاع الفتيات اللائي ارتكبن المخالفات الى الجلد قبل ارشادهن وسن القوانين واللوائح التي تحظر تعكير صفو الشارع من تلك الممارسات.

ويتفق الدكتور زكريا اوياي، عضو اللجنة العليا للجنة حقوق الانسان (شبه رسمية) مع اوكيلو بان الظاهرة مرفوضة لانها غريبة ودخيلة على مجتمع الجنوب، وقال اوياي وهو متخصص في درء الكوارث ان ما يحدث هو من سلبيات عودة اللاجئين الجنوبيين من الخارج، واضاف في حديثة لـ«الشرق الأوسط» ان الأب الجنوبي لا يقبل بان تقوم ابنته بتدخين السجائر وتعاطي المخدرات.

وبدوره يقول تيانق ملوي وهو احد عناصر عصابة «الاطفال الضائعون»، العائدين من القاهرة لـ«الشرق الأوسط»، انه ترك العصابة منذ ان قام بتوقيع تعهد للشرطة بانه لن ينتمي اليها مجددا. واضاف ملوي، 30 عاما، ويقيم في منطقة سراج بحي الفتيحاب، انه الان يعمل في تجارة اجهزة الموبايل القديمة. واضاف «ابيعها واقوم بارسال بعضها الى الجنوب». وذكر انه ينوي الزواج ولكن غلاء المهور لدى قبيلته الدينكا يحول دون تحقيق حلمه. واعترف بان عصابته التي تركها، تجنح للعنف عندما ترى ان هناك من يستهدفها، واضاف «هم ليسوا لصوصا، ولكنهم يرون ان المجتمع ظلمهم».

وابعدت السلطات المصرية، خلال العامين الماضيين، المئات ممن تسميهم «معتادو الاجرام وعناصر العصابات السودانية» في القاهرة، الى السودان، من جملة نحو اكثر من مليوني سوداني قدموا من جنوب السودان خلال فترة التسعينات من القرون الماضية للحصول على تأشيرات هجرة وحق اللجوء الى دول اوروبا والولايات المتحدة واستراليا، حسب تقديرات الامم المتحدة، فيما يقول المسؤولون في الخرطوم ان عدد اللاجئين من الجنوبيين في دول الجوار نحو 3 ملايين جلهم في اوغندا وكينيا وجنوب افريقيا وتنزانيا.