الاعتداءات على المهاجرين في إيطاليا تغذي النقاشات حول العنصرية

عدد الأجانب المقيمين بصورة قانونية بالبلاد ارتفع بنسبة 17% عن العام السابق

TT

أغلقت النوافذ في مقهى شيننج بيرد القريب من محطة القطارات المركزية، وكتب على واجهته «أنا أفتخر بكوني أسود»، والى جانبه باللون الأحمر «آبا ليفز». وآبا هو لقب عبدول وليام جبير الذي ولد في بوركينا فاسو وتربي في إيطاليا وتعرض للضرب حتى الموت، الشهر الماضي، من قبل صاحب حانة وابنه، وكان فوستو ودانيلي كريستوفوليو قد اتهما جبير، 19 عامًا، بالسرقة وضرباه بقضيب معدني، بحسب السلطات. واتضح بعد ذلك أنه سرق علبة من الحلوى. وقال المحامون من كلا الجانبين إن المعتدين صاحوا خلال المشاجرة: «أيها الزنجي البغيض». وعلى الرغم من أن هناك بعض النقاشات حول ما إذا كانت دوافع القتل عنصرية أم لا، يُعد الاعتداءُ على جبير من أفظع الاعتداءات التي وقعت ضد المهاجرين في إيطاليا. وغذت تلك الهجمات المناقشات التي جرت على المستوى الوطني حول العنصرية والتسامح في دولة حولت نفسها في الآونة الأخيرة من دولة مهاجرين إلى قبلة للمهاجرين.

ويقول جيوفاني جوليو فالتولينا، وهو طبيب الأمراض النفسية والعالم في مؤسسة آي إس إم يو في ميلان، والتي تختص بدراسة المجتمعات المتعددة الأعراق: «قد يكون هناك إنجليزي أو فرنسي أو ألماني أسود، لكن إيطاليًا أسود أمر غريب». خلال الأسابيع القليلة الماضية تعرض شاب غاني يدعى إيمانويل بونسو فوستر، 22 عامًا، للإصابة في بارما في عِرَاكٍ مع الشرطة. كما تعرض شاب صيني يُدعى تونغ هونغ شنغ، 36 عامًا، للضرب على أيدي مجموعة من الشباب في أحد أحياء روما، كما تعرضت سيدة صومالية تدعى أمينة شيخ صالح، 51 عامًا، للتفتيش والتحقيق معها في مطار روما لساعاتٍ. وتعرض ستة مهاجرين أفارقة إلى إطلاق نار في كاستل فولتورنو معقل المافيا النابولية. وكانت المواجهات قد أحدثت أصداء كبيرة على المستوى القومي. ففي الاجتماع الذي عقد مع البابا بيندكت الثالث في كويرينال بلاس في روما الشهر الماضي، طالب الرئيس الإيطالي جورجينو نابوليتانو الكنيسة والدولة بالعمل معًا لـ«التغلب على العنصرية». وذكر الخطاب الأخير الذي أشار فيه البابا «إلى وجود إشارات مثيرة للقلق» من التوتر الاجتماعي. وخلال الأسبوع الماضي، ناقش البرلمانُ ما إذا كانت إيطاليا تواجه ما أشارت إليه العناوين الأخيرة في صفحات الصحف بـ«ظهور العنصرية». وقال وزير الداخلية الإيطالي، روبرتو ماروني، من حزب نورثن ليج المنشق، إن تلك الهجمات تعد عملاً فرديًا، وأن هذا الانزعاج مبالغ فيه. ولم يوافق الكثيرون من أحزاب اليسار على هذا الرأي. وقال جين ليونارد تودي، العضو الأسود في البرلمان: «لا يمكنك القول إن كل الإيطاليين عنصريون، لكن من الخطر أيضًا الاستخفاف بما يحدث. فقد كانت هناك سلسلة من الأحداث المثيرة للقلق، والتي لا يمكن في أي حال من الأحوال تصنيفها على أنها أعمال فردية». وتودي من أصول أفريقية، حيث يعود أصله إلى الكونغو برازافيل. وعمل من قبل نائباً لعمدة روما، ثم انتخب في ابريل (نيسان) عضوا في البرلمان الإيطالي عن حزب إيطالي «أوف فاليوز» الذي يدعم الإصلاحات القضائية. وأفاد بأن الحكومة يجب أن تعمل لخلق فرص للجميع. وقال: «عندما نواجه الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، فإننا نعمد إلى صب جام غضبنا على المهاجرين. يجب ألا نجعل ذلك حربًا بين الفقراء الإيطاليين والمهاجرين الفقراء». وبالفعل فقد اهتز التقليد العميق للتسامح الكاثوليكي الروماني نتيجة للشكوك الاقتصادية، وأن الكنيسة تصعد من هجومها ضد الدولة. وتساءلت مجلة «فامجليا كريستيانا» الكاثوليكية الأسبوعية في تغطيتها الأخيرة التي قامت بها: «هل تغير إيطاليا من جلدها؟»، وقدمت تحقيقًا حول «ارتفاع حوادث عدم التسامح والعنف في إيطاليا». وظهرت على الغلاف صورة لثلاثة شبان من أصول أفريقية في مسيرة ضد العنصرية في ميلان في أعقاب مقتل جبير. وفي الأسبوع الماضي، انتقد أوجستينو مارتشيتو، أحد كبار المسؤولين في الفاتيكان، مشاعر «التمييز ومعاداة الأجانب والعنصرية»، التي يتم إبداؤها إزاء المهاجرين. وقال مارتشيتو، أمين المجلس البابوي لرعاية المهاجرين وأبناء السبيل، إن المهاجرين غالباً ما يجري التعامل معهم «دون إبداء اهتمام بالأسباب التي دفعتهم إلى الفرار». واستطرد موضحاً أن هذا الأمر أسفر بدوره عن «إجراءات ترمي للحيلولة دون دخولهم إلى الدول التي يصلون إليها واتخاذ تدابير تزيد من صعوبة ذلك». وأكد أن مثل تلك الإجراءات نجم عنها «تراجع في المعايير الإنسانية». من ناحية أخرى، دعا التحالف الشمالي في الأسبوع السابق إلى فرض قيود أكبر على المهاجرين في إطار مشروع قانون أمني مطروح حالياً أمام البرلمان، بما في ذلك نظام سيتم طبقاً له ترحيل المهاجرين الشرعيين حال حصولهم على عددٍ معينٍ من النقاط في سجلهم الجنائي. ودفع ذلك «كورييري ديلا سيرا»، الصحيفة اليومية الأولى في إيطاليا، لوضع رسم كاريكاتيري في صدر صفحتها الأولى لسياسيٍّ يطلب من رجل ذي بشرة سمراء إبراز تصريح الإقامة الخاص به. ويشير الرجل إلى عصابة حول رأسه ويقول «سبع نقاط»، وهي بالايطالية كلمة «بونتي»، والتي تعني كلا من نقطة وغرزة. وحزب التحالف الشمالي يعد عضواً حيوياً في الائتلاف المنتمي لتيار يمين الوسط بزعامة رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني. يُذكر أنه في إطار حملته الانتخابية في إبريل، قاد الائتلاف الحملة على أساس الاهتمام بالقضايا الأمنية، الأمر الذي بدا غالباً في صورة خطابات تحمل نبرة معادية للمهاجرين. بيد أن الأمر لا يخلو من المفارقات، ذلك أن منطقة الشمال الإيطالي، التي تتمتع بأكبر قدر من الوظائف وأكبر مستوى من الاندماج من قبل المهاجرين داخل المجتمع الإيطالي، تتسم في الوقت ذاته بأعلى مستويات مشاعر عداء المهاجرين وأقوى مستويات التأييد لحزب التحالف الشمالي. ومن المؤكد أن معدلات الهجرة في تنامٍ، حيث تكشف الإحصاءات أن عدد الأجانب المقيمين بصورة قانونية بالبلاد ارتفع بنسبة 17%، العام السابق، ليصل إلى 3.4 مليون نسمة، أي ما يعادل 6% من السكان، وفقاً للبيانات الصادرة أخيراً عن المعهد الوطني الإيطالي للإحصاءات، وهو وكالة بحثية حكومية. من جانبه، أكد تودي، عضو البرلمان، أن إيطاليا تتحول إلى مجتمع متعدد العرقيات. وأضاف: «لا ينبغي أن ندفن رؤوسنا في الرمال ونستمر في إنكار ذلك، وإنما علينا إدراك أن هذا الأمر يشكل توجهاً جديرا بالدراسة الجادة. علاوة على أنه ليس أمامنا بديل آخر».