خادم الحرمين الشريفين مستقبلا سليمان: نجدد الدعوة لرفع اليد عن لبنان

قال «مستعدون لمساعدة لبنان في كل ما يطلبه».. وأكد أن «أكبر عيب على الإنسان أن يتعاطى مع أخيه بالسلاح».. و«نحن على مسافة محبة من جميع اللبنانيين»

ولي العهد السعودي لدى إستقباله الرئيس سليمان أمس (واس)
TT

جدد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الدعوة الى «رفع اليد عن لبنان»، لافتا الى ان «غالبية العرب يحبون لبنان»، ومتمنيا ان «يحب أهل لبنان وطنهم ويعودوا الى ضميرهم»، ومكررا التأكيد ان «المملكة العربية السعودية هي الى جانب الجميع في لبنان، وعلى مسافة محبة من الجميع». وقال الملك عبد الله «اسمع اننا مع ناس وضد ناس، نحن مع الحق، وان شاء الله يأتي يوم يرجع الجميع الى أصلهم» مشددا على ان «أكبر عيب على الإنسان ان يتعاطى مع أخيه بالسلاح». كلام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله جاء خلال المحادثات الموسعة بين الجانبين اللبناني والسعودي بعد عشاء تكريمي أقامه خادم الحرمين الشريفين على شرف رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والوفد المرافق. وفي بداية المحادثات، رحب الملك عبدالله بالرئيس سليمان «في بلده وبين أهله»، لافتا الى ان «العلاقة التي تربط المملكة بلبنان قديمة ومنذ ما قبل الاستقلال» حسب ما جاء في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية اللبنانية. وإذ أشار الملك عبد الله الى ان «غالبية العرب يحبون لبنان ويعزونه»، تمنى ان «يحب اللبنانيون وطنهم ويعودوا الى ضميرهم لأن لبنان متنفس للعالم العربي». وقال «اسمع اننا مع ناس وضد ناس، نحن مع الحق، وان شاء الله يأتي يوم يرجع الجميع الى أصلهم. نحن مع الجميع وعلى مسافة محبة واحدة، ومحبتنا للبنان لا نبتغي منها أي فائدة او مصلحة، وأكبر عيب على الإنسان ان يتعاطى مع أخيه بالسلاح» لافتا الى ان «المملكة استقبلت اللبنانيين من دون أي تمييز أو تفرقة». وكشف الملك عبد الله كيف انه «كان يلتقي قيادات لبنان مجتمعة من مختلف التوجهات والانتماءات»، مشددا على ان «المطلوب احترام لبنان وعلى الدول كذلك ان تحترم هذا البلد»، ومكررا «استعداد المملكة لمساعدة لبنان في كل ما يطلبه». من جانبه، شكر الرئيس سليمان للملك عبد الله عاطفته، لافتا الى «وقوف المملكة الى جانب لبنان على مر العصور»، ومشيرا الى انه «يحمل الى السعودية محبة جميع اللبنانيين»، وقال: «لن أعود الى التاريخ، بل انطلق من اتفاق الطائف الذي رعته المملكة واصبح دستور لبنان، وأرسى السلام بين اللبنانيين».

وأبدى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان استعداده للقيام بأي خطوة او دور وفي أي وقت من اجل المساعدة في تعزيز التضامن العربي، وشدد على ان مثل هذا التضامن مطلوب اكثر من اي وقت مضى لمواجهة التحديات المفروضة وفي طليعتها موضوع الارهاب.

ولفت رئيس الجمهورية الى ان «لبنان بدأ طريق العودة الى الاستقرار والحوار بين قياداته»، إلا انه أشار الى بعض المشكلات، «وهذا طبيعي لأننا نخرج من مرحلة الى مرحلة، ويهمنا أن تكونوا الى جانبنا». وأوضح رئيس الجمهورية ان «المساعدات السعودية للبنان لا يمكن تعدادها» وتوقف عند موضوع الاحداث الامنية في نهر البارد والمساعدات التي قدمتها المملكة، خصوصا الذخائر للجيش الذي كان يدافع عن كرامة اللبنانيين. وأضاف الرئيس سليمان متوجها الى الملك عبد الله: «لن ننسى قولك المأثور «من يقصر في حق لبنان، يقصر في حق نفسه». وهذا القول كان بعد عدوان تموز العام 2006». وأكد رئيس الجمهورية إن «المواطنين السعوديين في لبنان هم بين أهلهم أيضا وأمانة في أعناقنا». وكرر سليمان الإشارة الى أن «المرحلة المقبلة في لبنان هي مرحلة حوار ومصالحة، وتحتاج الى مبادرات شجاعة من الجميع لتنعكس إيجابا على المسؤولين» قائلاً ان لبنان يحتاج الى متابعة للمواضيع السياسية، وخصوصا موضوع حق العودة للاجئين الفلسطينيين «لأنه لا يستطيع استيعاب هذا العدد من اللاجئين على أرضه على مستوى تأمين الحياة اللائقة والكريمة، وعلى مستوى إيجاد فرص عمل لهم». ووضع رئيس الجمهورية هذا الموضوع في عهدة الملك عبد الله «لبذل الجهود اللازمة لحله»، لافتا، في موازاة ذلك، الى «حاجة بعض المناطق الى الإنماء، بحيث يتم توفير فرص عمل». وشدد على «ضرورة موضوع دعم الكهرباء التي تزيد في أعباء ديون لبنان» طالبا «إعادة العمل بقرض المليار وربع المليار للكهرباء». وبعد إنتهاء المحادثات الموسعة، فاجأ الملك عبد الله الرئيس سليمان بمنحه قلادة الملك عبد العزيز الذهبية، وهي أرفع قلادة عربون محبة وتقدير.

كما عقد الملك عبد الله والرئيس سليمان محادثات ثنائية تم خلالها البحث في الوضع العربي العام، وسبل تعزيز التضامن العربي والخطوات الآيلة الى تعزيز هذا التضامن. وكان الرئيس ميشال سليمان أكد في لقاء مع رجال اعمال لبنانيين في المملكة عدم وجود «مناطق ارهابية» في لبنان مشددا على ان اي مخيم للاجئين الفلسطينيين لن يصبح مثل مخيم نهر البارد في شمال البلاد الذي تحصنت فيه العام الماضي مجموعة فتح الاسلام المتطرفة.

وعقد الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام السعودي، والرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان اجتماعا أمس بقصر ولي العهد في جدة، وأعرب الرئيس سليمان الذي اختتم أمس زيارته الرسمية للسعودية، للأمير سلطان عن شكره وتقديره للمملكة على ما قدمته وتقدمه للبنان، ومن ذلك اتفاق الطائف الذي أنهى سنوات من الحرب الأهلية في لبنان، إضافة إلى دعم المملكة ومساندتها لاتفاق الدوحة. كذلك، استقبل الرئيس سليمان في مقر اقامته في قصر الضيافة في مدينة جدة امس وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل في حضور وزير الخارجية والمغتربين فوزي صلوخ، ووزير الاشغال العامة والنقل غازي العريضي، وسفير لبنان لدى المملكة العربية السعودية اللواء مروان زين، والسفير السعودي لدى لبنان عبد العزيز خوجه.

في بداية اللقاء، رحب الامير سعود الفيصل بالرئيس سليمان في السعودية، وجدد الاشارة الى العلاقات التاريخية التي تربط لبنان بالمملكة، مؤكداً استمرار وقوف بلاده الى جانب لبنان وعلى مسافة واحدة من جميع اللبنانيين. وقال ان «مشكلات السعودية مع بعض الدول سببها لبنان» ملاحظاً انه «اذا سلم لبنان، فلا مشكلة للمملكة مع احد. وجدد التأكيد على ان دعم السعودية للبنان غير مرتبط بأي مصلحة خاصة، ويفترض كذلك ان تكون مساعدات الآخرين له في السياق نفسه».

من جهته، جدد الرئيس سليمان شكره للسعودية ملكاً وحكومة وشعباً على وقوفهم الدائم الى جانب لبنان ودعمهم له، واعتبر ان التضامن العربي هو الرد الصحيح لمواجهة التحديات التي تعترض العرب. واقترح الرئيس سليمان انشاء مرصد للارهاب في الدول العربية والاسلامية «لمصلحة الانسانية لان عمل الارهاب ضاقت رقعته وبات محصوراً تقريباً في عدد من الدول العربية والاسلامية، ومثل هذا المرصد يساعد في القبض على الارهابيين».

وبعد انتهاء اللقاء، تحدث الامير الفيصل الى الصحافيين قائلا «اجواء اللقاء مع الرئيس سليمان ممتازة، واللقاء مع فخامته كان مهماً جداً، وقد غطت محادثات الرئيس سليمان مع خادم الحرمين الشريفين كل مجالات التعاون بين البلدين والقضايا المشتركة. نأمل التوفيق لهذا البلد الشقيق العزيز الذي طالما قاسى من محن هو ليس سبباً فيها. ان شاء الله المستقبل خير من الماضي، ونحن سنقف مع لبنان على طول الطريق».

ورداً على سؤال حول ما اذا كان البحث تطرق الى العلاقات العربية ـ العربية، اجاب: «عندما يجلس العرب مع بعضهم، فدائماً ما يتحدثون عن الشؤون العربية، وهذا شيء طبيعي. ونأمل ان شاء الله انه اذا كان هناك اي مشاكل بالنسبة الى الساحة العربية، ان تحل بشكل يكسب الامن العربي المشترك القوة التي يحتاجها لحفظ مصالحه».

وكان الرئيس سليمان استقبل صباح امس امين عام منظمة المؤتمر الاسلامي اكمال الدين احسان اوغلو الذي هنأ رئيس الجمهورية بانتخابه، وجدد وقوف المنظمة الى جانب لبنان واوضح ان موقف المنظمة هو ضد الارهاب، سائلاً «من اعطى هؤلاء الارهابيين صلاحية النطق باسم الاسلام؟» لافتاً الى ان منظمة المؤتمر الاسلامي هي الجهة الوحيدة المخولة التكلم باسم الاسلام، طالباً في الوقت نفسه من الآخرين عدم قبول ادعاء الارهابيين التحدث باسم الاسلام.

ورد الرئيس سليمان مرحباً بالسيد اوغلو ومثنياً على مواقف المنظمة ونشاطها، ومشيراً الى ان قضية الارهاب عطلت القضية الاسلامية والعربية المحورية التي هي قضية فلسطين، خصوصاً وان اسرائيل تغذي الخلافات العربية لصرف النظر عن القضية الفلسطينية.

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» على هامش لقاءات الرئيس اللبناني والوفد المرافق له، أوضح فوزي صلوخ وزير الخارجية اللبناني أن أبرز ما شهده اجتماع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله والرئيس ميشال سليمان تمثل «في تقدم الرئيس اللبناني باسم جمهورية وشعب لبنان بشكر السعودية على الجهود، وعلى المساعدات المادية والمعنوية التي قدمتها في مختلف المراحل».

وعند سؤاله حول ما إذا كان الرئيس اللبناني قد أثار مع خادم الحرمين الشريفين موضوع العلاقات السعودية ـ السورية بهدف «تصفية الأجواء» بين البلدين، قال صلوخ: «لا أدري، ولكن الزعيمين تناولا جولات أفق واسعة في العلاقات الإقليمية والدولية، وعندما يجتمع زعيمان عربيان فلا بد أن يطرح كل منهما ما في مصلحة العرب».

وأكد وزير الخارجية اللبناني حرص واهتمام بلاده بتوفر جو من الصفاء والنقاء، حسب تعبيره، في العلاقات العربية ـ العربية، معتبراً أن إيجاد هذا الجو بمثابة عامل الدعم والقوة لمواجهة المشاكل التي تعصف بالعالم العربي.

ولم يغب الجانب الاقتصادي من اجتماعات ولقاءات الرئيس اللبناني ميشال سليمان أمس، حيث التقى برجال المال والأعمال السعوديين خلال زيارته لمقر الغرفة التجارية الصناعية في جدة، يرافقه وفد من رجال الأعمال اللبنانيين، وبحضور عبد الله زينل وزير التجارة والصناعة السعودية، والسفير عبد العزيز خوجة سفير المملكة لدى لبنان. وأعلن الرئيس اللبناني خلال لقائه رجال الأعمال السعوديين الذين أثاروا موضوع تأثر بعض الاستثمارات السعودية في لبنان نتيجة الحرب الإسرائيلية في صيف عام 2006، تشكيل لجنة برئاسة محمد الصفدي وزير الاقتصاد والتجارة لحصر خسائر المستثمرين السعوديين خلال الأزمة السياسية والأمنية التي شهدها لبنان في السنوات الماضية. واستهل كلمته، قائلاً: «جئت أحمل كل آيات الشكر والتقدير والعرفان إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز صاحب الأيدي البيضاء في العمل العربي السياسي والاجتماعي والإنساني وصاحب المبادرات الرائدة في كل المجالات والتي باتت الملاذ في المحن لكل بلد شقيق».

وأضاف الرئيس سليمان «أتينا وفي القلب والضمير أصداء خطوات مقدامة على درب لبنان العائد من جديد إلى أمته العربية بأمل حل جميع المشاكل المعقدة».

ودعا الرئيس اللبناني رجال الأعمال السعوديين إلى إعادة استثماراتهم إلى لبنان في ظل الاستقرار الأمني الذي يعيشه في الوقت الحالي، مؤكداً أن المصارف اللبنانية بمنأى عما تشهده الأسواق المالية العالمية منذ أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي. وشدد الرئيس اللبناني على استقرار الوضع المالي في بلاده وأنهم لا يفرضون أية رسوم على دخول وخروج الرساميل إلى لبنان وأنه لم يحدث أن فقد أي مستثمر رأس ماله في لبنان.

كما أكد أن بلاده رغم ما حل بها من أزمات مازالت تختزل الكثير من القوى الاقتصادية الكبيرة ولم يشهد وضعها الاقتصادي أي انهيار طوال الأزمة، وحقق النظام المصرفي استقرارا كبيرا وكذلك القطاع العقاري. وأشار الرئيس سليمان إلى وجود سببين رئيسيين لصمود الاقتصاد اللبناني «الأول يعود إلى حيويته وتنوعه، والثاني لتمتعه باحتضان عربي كبير وسعودي على وجه الخصوص، وهي فرصة لكي نشكر الأشقاء السعوديين على كل ما قدموه ويقدمونه إلى لبنان حكومة وشعبا». وجاءت آخر محطات الرئيس اللبناني للسعودية بلقاء المغتربين اللبنانيين، وكان اللقاء أشبه بـ«المبايعة» منهم لرئيسهم الجديد الذي طالبهم ببذل كل ما في وسعهم للحرص على السعودية، واعداً إياهم بجلب أجهزة إلكترونية جديدة للتصويت خلال الانتخابات عبر مقر السفارة في الرياض، والقنصلية في جدة، والتي رفع الستارة عن حجر الأساس لمبناها الجديد المزمع بناؤه قريبا.