القائد الأميركي في العراق: مساع إيرانية لرشوة نواب عراقيين لتعطيل الاتفاقية الأمنية

الجنرال أوديرنو: إيرانيون جاءوا إلى العراق لهذا الغرض * نائب برلماني: الكلام صحيح ولكن لم يتصل بي أحد إلى الآن

TT

صرح قائد القوات الأميركية الجديد في العراق بأن تقارير الاستخبارات الأميركية تشير إلى أن إيران حاولت رشوة عدد من أعضاء البرلمان العراقي، في محاولة لتعطيل الاتفاقية الثنائية التي تسمح للولايات المتحدة بالبقاء في العراق بعد انقضاء العام الحالي. وقال الجنرال راي أوديرنو ـ في مقابلة معه ـ إن إيران تعمل بصورة سرية وعلنية لتقويض الاتفاقية الأمنية، حيث يشير مسؤولون من الولايات المتحدة والعراق إلى اقتراب التوصل إلى اتفاق يجب أن يصادق عليه البرلمان العراقي. واضاف «من الواضح أنهم يحاولون جاهدين ضمان عدم توقيع الاتفاقية بين الولايات المتحدة والعراق». وقال «نحن نعلم أن إيران تربطها صلات قوية بالعديد من الشخصيات العراقية التي أقامت في إيران سنوات عديدة إبان وجود صدام حسين في السلطة، وأعتقد أنهم يستغلون تلك العلاقات للتأثير على نتائج التصويت النهائي في مجلس النواب العراقي».

وأوضح أوديرنو أنه لا يملك أدلة مؤكدة على وقوع الرشوة، لكنه أضاف أن «لديه العديد من التقارير الاستخباراتية ـ التي لم تنشر بعد ـ تفيد بحضور إيرانيين إلى العراق لرشوة بعض الشخصيات لرفض الاتفاقية».

من الجدير بالذكر أن قرار الأمم المتحدة الذي يعطي الشرعية لبقاء القوات الأميركية في العراق ينتهي في الحادي والثلاثين من ديسمبر (كانون الأول) وأن الفشل في التوصل إلى الاتفاقية يمكن أن يعمل على تسريع الانسحاب الأميركي والسماح لإيران ببسط نفوذها في العراق. ولم تفلح المحاولات للاتصال بالسفير الإيراني في بغداد أو المتحدث باسم السفارة عن طريق هواتفهم الجوالة. من جانبهم أنكر المسؤولون الايرانيون التدخل في الشأن العراقي واتهموا المسؤولين الأميركيين باستغلال طهران ككبش فداء لما وصفوه بفشل السياسة الأميركية في العراق.

ومن المعروف أن عددًا من المسؤولين العراقيين ـ ومن بينهم نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي ـ قضوا فترة في المنفى في إيران خلال حكم صدام حسين، ويميل هؤلاء المسؤولون إلى احترام العلاقات الوثيقة مع أكبر جيرانهم التي تعد الشريك التجاري الأكبر بالنسبة للعراق.

وذكر محمود عثمان النائب الكردي بالبرلمان العراقي أن إيران أجرت خلال الأشهر الأخيرة اتصالات بحلفاء لها داخل البرلمان العراقي. وكان محمود المشهداني، رئيس البرلمان العراقي السني العربي، قد سافر إلى إيران في زيارة رسمية. وأضاف عثمان ـ الذي أعرب عن دعمه للاتفاقية الثنائية ـ أن أحدا لم يتحدث معه بهذا الشأن وقال «إن إيران تبذل تلك المساعي منذ ستة أشهر، وإنهم سيحاولون بذل قصارى جهدهم للتأثير على أكبر عدد من النواب، ليقولوا للعراقيين أن تلك الاتفاقية خطرة وأنها لا تأتي في صالح العراق».

وأشار أوديرنو إلى أن الجهود الإيرانية الرامية إلى إعاقة الاتفاقية يمكن أن تنتج عنها ردود فعل عكسية، وقال «لدي اعتقاد جازم بأن العراقيين وطنيون، وأنهم يرغبون في اختيار الأفضل لما هو في صالح بلادهم، وأنهم لا يرغبون في أن يقرر أحد مصلحتهم نيابة عنهم».

يذكر أن المسؤولين العراقيين ونظراءهم الأميركيين قضوا الشهور الماضية في التفاوض حول الاتفاقية التي تتضمن الحقوق والواجبات التي تلتزم بها القوات الأميركية، وإضفاء الشرعية على وجودهم في العراق عقب انتهاء قرار الأمم المتحدة. وكانت مسألة ما إذا كان سيتم منح القوات الأميركية حصانة كاملة من الخضوع للمحاكمة من قبل القانون العراقي، أو على حصانة محدودة تستثني الاعتداءات التي قد تحدث خارج القاعدة الأميركية في غير الخدمة، من بين أبرز القضايا التي تناولتها النقاشات بين الجانبين. وذكر المالكي أن التوصل إلى الاتفاق أمر هام. لكن المالكي يواجه فقدان الدعم السياسي إذا ما صادق على اتفاقية ينظر إليها الكثير من العراقيين على أنها مد للاحتلال الأميركي لبلادهم، وإطلاق العنان للولايات المتحدة في بلادهم لكي تفعل ما تشاء.

كان أوديرنو الذي يبلغ من العمر 53 عاما قد تولى قيادة القوات الأميركية في العراق خلفا للجنرال ديفيد بترايوس، الذي أشرف على نشر 30.000 جندي أميركي في العراق خلال العام الماضي عندما كان العراق على شفا حرب أهلية، وكان أوديرنو نائبًا لبترايوس خلال تلك الفترة. واعرب أوديرنو في مناسبات عدة عن قلقه من الممارسات والنيات الإيرانية تجاه العراق. ففي يناير (كانون الثاني) 2007 قال إن إيران زودت المتمردين بصواريخ خارقة للدروع وقاذفات قنابل، وهي مزاعم لم تثبت صحتها من عدمها إلى الآن. وأشار في تصريحه إلى صحيفة نيويورك تايمز في أغسطس (آب) إلى أن إيران تدعم الميليشيات الشيعية المتمردة في محاولة للتأثير على النقاشات داخل الكونغرس حول سحب القوات من العراق. كما ذكر في تصريحاته لمراسلي البنتاغون في مارس (آذار) أن إيران مستمرة في دعم المتمردين وأسماها «الخطر طويل المدى، والقلق الأكبر بالنسبة لي».

وخلال المقابلة أوضح أوردينو أن القاعدة في العراق ـ التي تتألف من مجموعات سنية عراقية يقول المسؤولون الأميركيون إن قادتها من خارج العراق ـ والميليشيات الشيعية التي تتلقى الدعم والتدريب من إيران فقدت قدرًا كبيرًا من قوتها ونفوذها في العراق، لكن كلتا المجموعتين لا تزالان تشكلان خطرًا ويمكن أن تعودا إلى سابق عهدهما إذا لم يتمكن السياسيون العراقيون من تسوية خلافاتهم حول القضايا الرئيسية مثل السيطرة على المناطق المتنازع عليها في شمال العراق وتوزيع عائدات البلاد الضخمة من النفط. وأضاف أن الانتخابات المحلية المقرر إقامتها العام المقبل سوف تكون اختبارا لمدى صلابة المكاسب الأمنية التي تحققت. وأشار أوديرنو إلى أن الكثير من العنف الذي شهدته البلاد في الآونة الأخيرة كان السبب الأول وراءه هو الدوافع السياسية، واستشهد على ذلك بمقتل أعضاء مجلس النواب العراقي عن الكتلة الصدرية. وقال «أكثر ما يثير قلقي هو اغتيال المرشحين، حيث يرغب البعض في الحصول على نفوذ أوسع، ويشهد العراق الكثير من المناورات السياسية لمحاولة تدعيم المكاسب لدى السياسيين لكي يتمكنوا من الاستعداد لانتخابات على المستوى الوطني».

وأضاف أوديرنو: «أنا أصفه بأنه صراع طائفي على السلطة. كما أنه متدرج، إذ يبدأ بالصراع على الانتخابات المحلية ثم على مستوى الإقليم ثم على المستوى الوطني حول من سيسيطر على العراق».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط» شارك في هذا التقرير المراسل الخاص قيس مظهر