الشبكة الإرهابية في طرابلس: مطاردات متواصلة وأجواء حذر في مخيم البداوي لتفادي الأسوأ

عائلة المتهم عزام: ابننا كان يغني وصار يصلي فهل في هذا عيب؟

أسلحة وذخائر صادرها الجيش اللبناني من الخلية الإرهابية (دالاتي ونهرا)
TT

ساد قلق في الأوساط الإسلامية الطرابلسية، وكذلك في مخيم البداوي، بعد الإعلان أمس الاول عن القبض على عناصر خلية إرهابية مرتبطة بتنظيم «فتح الإسلام»، متورطة في تفجيري طرابلس اللذين وقعا مؤخراً وتفجير العبدة على النقطة الحدودية اللبنانية مع سورية. وتحدث مصدر مسؤول رفض الكشف عن اسمه، في مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين ( يبعد 5 كلم من طرابلس) لـ«الشرق الأوسط» عن حالة من اليقظة لدى المسؤولين والسكان أنفسهم، لدرء أي خطر يمكن أن يعرض هذا المخيم لما آل إليه حال مخيم «نهر البارد» من تدمير وتشريد بسبب تنظيم فتح الإسلام. كما تحدث المصدر عن اجتماعات أمنية مستمرة وتشديدات على مداخل المخيم ومراقبة لبعض الأشخاص الذين تدور حولهم بعض الشبهات. وقال المصدر: «منذ حوالي عشرة أيام ألقينا القبض على مرافق للشيخ داعي الإسلام الشهال، بعد ان دخل المخيم على دراجة نارية ولفت النظر لأنه مسلح وبحوزته مسدس، والتقى بامرأة سلمها مساعدة مالية وهي متزوجة من أحد مقاتلي فتح الإسلام المعتقلين في سجن رومية ويدعى أبو المعتزّ، وكانت قد عقدت قرانها عليه بعد سجنه». ويضيف المصدر: «لقد عرّف الشخص عن نفسه بمجرد إلقاء القبض عليه بأنه مرافق للشيخ داعي الإسلام الشهال، وسلمناه مباشرة للقوى الأمنية اللبنانية، التي اعتقلته وتجري تحقيقاتها معه. ونحن لا نستطيع ان نسمح بتوالد حالة فتح الإسلام مرة أخرى، لذلك ننسق مع القوى الأمنية اللبنانية باستمرار ونسلمها أي مشتبه فيه ثمة دلائل على تورطه».

مصادر مقربة من الشيخ داعي الإسلام الشهال لم تنكر مسألة القبض على أحد العاملين في محيط الشيخ في مخيم البداوي، لكنها قالت بأنه «ليس مرافقاً شخصياً للشيخ وإنما ممن يعملون في محيطه، ولم يتواجد هذا الشخص في البداوي بتكليف من الجمعية، وإنما بمبادرة فردية منه. ونحن لا نرى في تقديمه أو ايصاله لمساعدة مالية لامرأة محتاجة، أي غضاضة، حتى لو كانت زوجة لسجين من فتح الإسلام. أما إذا كان قد ارتكب خطأ لا نعرف، فهو في عهدة القوى الأمنية».

تعلق مصادر سلفية طرابلسية على هذه الحادثة بالقول: «الداعية الشهال كان على علاقة بتنظيم فتح الإسلام في بدايات تواجده وهو ما لم ينكره، لكنه لم يبق على العلاقة نفسها أثناء المعارك التي خاضها التنظيم ضد الجيش، وعبّر عن مسافة تفصله عن موقف التنظيم المعادي للجيش اللبناني». وتضيف المصادر السلفية «أن الشهال منذ ارتفعت وتيرة العصبية المذهبية السنية في مواجهة حزب الله، وقويت شكيمته بات محاطاً بعديد من الشبّان بعضهم لا يؤتمن جانبه، وقد بات الشهال مخترقاً وهو ليس بالضرورة على علم بخبايا كل من حوله». ويكمل المصدر: «ان الشهال ليس من النوع الذي يمكن أن يتورط في تفجيرات إجرامية او أعمال قتل، بل هو ابعد ما يكون عن هذا التوجه الإجرامي».

وتتحدث هذه الأوساط السلفية التي تعيش تململاً كبيراً، وتتوقع حملات اعتقال جديدة يتم التحضير لها، عن خيط وفره الشخص القريب من الشهال وألقي القبض عليه، أوقع بالخلية الإرهابية التي تم القبض على افراد منها في طرابلس وقرب مخيم البداوي صباح السبت الماضي». وتعلق المصادر: «هذا ما نعرفه، ولا ندري ان كان سيأتي من يخبرنا غداً بأن هذا الشخص اعترف تحت التعذيب أو تراجع عن أقواله». وتؤكد هذه المصادر «ان الحبل على الجرار، وكل معتقل بات يجرّ آخرين، والبحث جارٍ عن مجموعة جديدة في طرابلس أصبحت معروفة لدى القوى الأمنية، والمداهمات في الأيام المقبلة لن تتوقف. وهناك شبهات تحوم حول مجموعة أخرى في مخيم البداوي على رأسها شخص يدعى (حمزة ق) ومعه مجموعة من حوالي خمسة إلى عشرة اشخاص».

وتؤكد هذه المصادر أن هذا الشخص الذي تحوم حوله ضجة كبيرة هو إمام مسجد ولم يقاتل مع فتح الإسلام، وتم توريطه في مواضيع من المفترض ان لا ناقة له فيها ولا جمل». وتتوقع هذه المصادر أن تنسيقا ما يتم بين المسؤولين في مخيم البداوي والجهات الأمنية اللبنانية، بخصوص هذه المجموعة». إلا ان المصدر المسؤول الذي اتصلت به «الشرق الأوسط» في مخيم البداوي نفى ان تكون الجهات الأمنية اللبنانية طالبت بإيقاف المدعو حمزة ق، وأكد بأنه «يغادر المخيم ويعود إليه متى شاء، وبأن الرجل إمام مسجد، وقد أثير موضوعه إعلامياً ورد شخصياً، ومشكلته ان خطبه نارية، لذلك فقد طلب منه أن يلتزم بيته، ويتوقف عن عمليات التحميس في مثل هذه الظروف، واستجاب لطلب المسؤولين في المخيم». وعدا ذلك ينكر المسؤول الفلسطيني وجود أي مطلوبين فلسطينيين في المخيم امتنعت الفصائل عن تسليمهم. وفي جولة قمنا بها في مخيم البداوي بعد ظهر أمس، بدا المخيم هادئاً أكثر من المعتاد، واستغربنا عدم وجود أي تفتيش او مراقبة على المداخل والمخارج ـ كما قيل لنا ـ أو أي حاجز للجيش اللبناني. وقد دخلنا المخيم كما غادرناه دون أن ينتبه احد لوجودنا، أو يسأل عن سبب تواجدنا».

وعلى مشارف البداوي فتشنا عن منزل عائلة عزام الذي تم دهمه صباح السبت الماضي في إطار القبض على الخلية الإرهابية المتهمة بالتفجيرات، واعتقل الوالد محمود (80 عاماً) وابنه محمد الذي لم يتجاوز العشرين وابنيه المهندس المدني زياد العائد من الجزائر ونبيه العائد من المانيا وكلاهما في إجازة لحضور زفاف شقيقتهما الوحيدة. وإذ تم الإفراج عن الشقيقين العائدين من السفر يوم أمس، والوالد بعد ساعات من اعتقاله، إلا ان محمد مايزال قيد الاعتقال. وفي منزلهما الذي يبعد عن مخيم البداوي حوالي 500 متر، جلس الوالد العجوز أبو العز وزوجته وقد اجتمعت عائلة عزام التي تسكن في الجوار لمساندة الوالدين، ولا يبدو على أي من عمي محمد المتهم بالإرهاب أو اقربائه أنهم سلفيون. وتتحدث الوالدة عن ابنه الأصغر محمد الذي نال شهادته من مركز سبلين للتدريب المهني منذ شهرين والخاص باللاجئين الفلسطينيين، ومايزال ينتظر أن يجدوا له عملاً. تقول الوالدة: «كان محمود يغني ويعزف مع فرقة الصمود التي تحيي الأفراح في مخيم البارد إلى ان وقعت الاشتباكات بين الجيش وفتح الإسلام، وفي اليوم الثالث لهذه الحرب وقع أحد أولادي الخمسة شهيداً بينما كان يوزع المعونات. وفي نفس اليوم تركنا البارد وأتينا إلى البداوي. ومحمد يذهب إلى سبلين للدراسة ويأتي يوم السبت والأحد، وهو غالباً ما يقضيهما في إصلاح بيتنا في البارد لنعود اليه». ونسأل الوالدة إن كان محمد قد تغير بعد وفاة اخيه تقول: «كان يغني وصار يصلي، أي انه تحسن. هو يساعد والده العاجز ليذهب إلى المسجد ويصلي». يقاطعنا عم محمد الذي يدعى صالح عزام ويقول: «الصلاة ليست عيباً، الولد كبر وتحسن ونحن سعداء لذلك. عائلتنا كلها تعمل في التجارة وليس عندنا جميعنا اي التزام ديني او سياسي بأي طرف». ويشرح العم بأنه قد طلب من شقيقي محمد اللذين تم الإفراج عنهما أن يذهبا لاستلام حوائجهما وما تمت مصادرته منهما ونرجو ان يعود محمد معهما. و«نحن على ثقة بأن ثمة خطأ وسيصحح». وتروي الوالدة، بأن مداهمة المنزل تمت عند السادسة إلا ربعاً صباح السبت وبعد ان عاد محمد ووالده من صلاة الصبح، وقد كسرت فرقة من الأمنيين يلبسون الأزرق الباب ووجوههم مغطاة لا تظهر سوى الأعين، وصوبت الرشاشات باتجاه الوالد وكل من كان في البيت والقي القبض عليهم». تضيف الوالدة: «عادوا جميعهم وبقي محمد الذي لم يسمح لي برؤيته أمس رغم انني بكيت كثيراً وقيل لي اننا نحتاجه لعدة ايام إضافية». وقال العم: «بقدر ما كانت المعاملة سيئة عند المداهمة تحسنت بعد الاعتقال وهذا أمر جيد ومطمئن».

وجدير بالذكر ان الحركات الإسلامية في طرابلس وبينها جمعيات سلفية، بينها من هو محسوب على 8 آذار وآخرون على 14 آذار كانت قد تداعت يوم أمس وأصدرت بياناً مشتركاً، أكدت فيه على ان «التفجيرات التي وقعت في طرابلس مؤخرا مثلها مثل التفجيرات التي طاولت المناطق المسيحية في لبنان خلال السنتين اللتين تلتا اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومثل الانفجار الذي وقع مؤخرا في دمشق، هي أعمال إجرامية مستنكرة ومرفوضة في شرعنا وقناعاتنا. ان قذف الحركات الاسلامية بكل عمل تخريبي يحصل في البلد دون دليل معتبر يعد تعديا وتطاولا على المسلمين عموما بل وعلى الاسلام نفسه، ونحن لا نرضى بهذا العدوان ولن نسكت عنه بعد اليوم». وأكمل البيان: «لن نكون مضطرين بعد اليوم الى توضيح ما يحاول البعض الصاقه بنا من اكاذيب بل سنعمد الى مقاضاته وفضحه امام الرأي العام». وتقوم الحركات الإسلامية بمزيد من التنسيق في ما بينها، لاتخاذ موقف جامع في الأيام المقبلة، يوضح موقفها الحقيقي من مجمل ما يجري بما في ذلك موقفها من الشبكات الإرهابية التي يتم الكشف عنها.