العاهل المغربي يدشن أكبر مكتبة.. ووزيرة الثقافة تصفها بـ«المولود الثقافي الذي ولد كبيراً»

تقع في قلب الرباط وكلفتها 41 مليون دولار.. وتتضمن مليون منتوج ثقافي

الواجهة الرئيسية للمكتبة الوطنية الجديدة التي دشنها العاهل المغربي الملك محمد السادس أمس في الرباط (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

دشن العاهل المغربي، الملك محمد السادس، أمس المقر الجديد للمكتبة الوطنية في مدينة الرباط، التي دامت الأشغال فيها أربع سنوات لتكون في مستوى تطلعات المثقفين والباحثين. وجاء بناء المغرب لأكبر مكتبة وطنية، وسط مدينة الرباط، لتكون بديلة للمكتبة القديمة التي لم تعد قادرة على تلبية الحاجيات المتزايدة للقراء والباحثين والطلبة الجامعيين. وتبدو بناية المكتبة الجديدة، من بعيد، معلما ثقافيا، ومنارة فكرية، ببرجها المزين بالحروف والكلمات الملونة، والمتعانقة مع بعضها بعضا، في انسجام ووئام، وكأنها تحاول التحليق في الفضاء.

وقالت ثريا جبران، وزيرة الثقافة المغربية، لـ«الشرق الأوسط»: «إن المغرب الحديث انتظر مثل هذه المعلمة عدة عقود قبل الوصول إلى تجسيد هذه الفكرة».

ووصفت جبران، مشروع المكتبة الوطنية الجديدة، بأنه «مولود ثقافي ولد كبيراً، وحدث استثنائي يلفت انتباه المثقفين والباحثين والمبدعين والفنانين، ومحطة في حياتنا الثقافية الوطنية، على طريق التحديث الثقافي، ودمقرطة الثقافة والمعرفة ببلادنا».

وروعيَّ في مكان المكتبة أن يحتل موقعا استراتيجيا، في قلب الرباط، قريبا من الكليات والمعاهد الجامعية والمؤسسات الثقافية، والمعالم التاريخية والثقافية للمدينة، «وهو مشروع جميل وصعب، بأناقته وهيبته، وطريقة تنفيذه، أريد له أن يكون انجازا معماريا أيضا في صالح المدينة، منفتحا عليها، وعلى الشارعين المحاذيين للمكتبة أي شارعي ابن خلدون وابن حزم، وعلى حديقة التجارب الخضراء»، حسبما يقول إدريس خروز، مدير المكتبة الوطنية، الذي أعلن في حديث مع «الشرق الأوسط» إن البناء استغرق أربع سنوات، وفق رؤية هندسية عربية وإسلامية، بأسلوب حداثي منفتح، وبتكلفة مالية قدرت بـ320 مليون درهم (41 مليون دولار)، وذلك على مساحة خمسة هكتارات، تشمل الحديقة والفضاء الخارجي الذي سيكون رهن إشارة النشاط الثقافي للمدينة، علماً أن المساحة المبنية هي 19 ألفاً و600 متر مربع. كما أن سطح المكتبة تمت تهيئته ليكون ملائما للاستغلال الثقافي، ويعلوه برج مزين برسم تتلاقى فيه الحروف العربية والأمازيغية واللاتينية بشكل متجه نحو السماء، «يدل على حرية المعرفة والإبداع، وعلى تمسك المغرب بهويته، وانفتاحه أيضا على ثقافات العالم». وبلغة الأرقام، كما يسردها خروز، فإن المكتبة تحتوي على رصيد فكري، ومخزون تراثي، وأرشيف مهم في مختلف أنماط المعرفة، يتجسد في مليون منتوج ثقافي متنوع، وهناك 400 ألف كتاب، و200 ألف مجلة، وأربعة ملايين جريدة، و73 ألف حامل خاص للخرائط والصور، و34 ألف مخطوط مغربي. وأقدم مخطوط تتوفر عليه المكتبة، نسخة من المصحف الكريم، على رق الغزال، ومكتوب بخط ذهبي أنيق وجميل.

ومنذ سنة 2004، انخرطت المكتبة الوطنية في مجهود جبار قصد رقمنة المخطوطات التراثية، وترتيبها بعد ترميمها، وهي عملية تكتسي أهمية خاصة، اعتباراً لبعدها الديني والتوثيقي والحضاري والثقافي، وحفاظا عليها من الضياع والاندثار، وأصبح في الإمكان تصفحها بطريقة سهلة، ومتيسرة للجميع.

وأوضح خروز أن تعامل المكتبة الوطنية مع التراث، ينبني أساسا على قراءة موضوعية للتاريخ والتراث والتعدد اللغوي والمصالحة مع الذات، وتوظيفه في خدمة المشروع المغربي المعاصر القائم على الحداثة والديمقراطية والانفتاح على العالم، مع التمسك بالهوية المغربية.

وتلبي المكتبة جميع حاجيات القراء في كل ما يتعلق بالثقافة العامة، في اللغات والديانات والتاريخ والفلسفة، وفي العلوم الإنسانية والاجتماعية والتقنيات الحديثة، والعلاقات الدولية والطب إلى غير ذلك من الاهتمامات.

والمكتبة الجديدة مزودة بنظام معلوماتي ورقمي جد متطور، ويسمح بالاستفادة من خدماتها عن بعد، ويتيح للقراء الولوج إلى موقع المكتبة عبر الإنترنت. وقال خروز إن تكلفة هذا النظام غالية، إلا أن مردوديته إيجابية جدا، وهو نظام عالمي، وأصله أميركي، يضع المعرفة رهن إشارة الباحث عنها، ويرفع من قيمة المكتبة الجديدة لتضاهي مستوى المكتبات العالمية.