«تطمينات موثقة» يعلنها البنك المركزي قريبا تؤكد محدودية تأثر لبنان بالأزمة المالية العالمية

لوضع حد لتكاثر الشائعات وتحولها إلى موجة قلق

TT

لم تسلم الاسواق المالية والمصرفية اللبنانية من موجة الشكوك والمخاوف التي تسود اسواق المنطقة والعالم بسبب الازمة المالية الدولية وتداعياتها، اذ سرت في الاوساط العامة والخاصة وحتى الاعلامية شائعات عن وجود ارباكات او خسائر في مؤسسات وشركات ذات حضور او ارتباط خارجي بموازاة معلومات عن توجه الى رفع سعر صرف الليرة مقابل الدولار.

وعلى رغم التطمينات المتتالية الصادرة عن مراجع حكومية واقتصادية منذ بدء الازمة والتأثر المحدود للاقتصاد اللبناني ومؤسساته بانعكاساتها، تتكاثر الاسئلة حول الحجم الحقيقي لهذه التأثيرات المباشرة وكيفية التصرف مع التأثيرات غير المباشرة الناجمة خصوصا عن الحضور اللبناني الخارجي العامل والمغترب الذي يمد الداخل بنحو 5.5 مليارات دولار سنويا، اي ما يزيد على 20 في المائة من الناتج المحلي.

وعلمت «الشرق الأوسط» ان اتصالات مباشرة وزارية ومصرفية جرت في اليومين الماضيين مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الموجود في باريس بعد مشاركته في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، تم خلالها التشاور في اعلان مواقف جدية وصريحة تحدد موقع لبنان في العاصفة المالية وتضع حدا للتأويلات والتكهنات التي تطال مؤسسات بعينها وتثير قلق اصحاب العلاقة من مودعين ومكتتبين في مصارف وشركات تأمين وسواها، فضلا عن تناول موضوع الاستقرار النقدي.

وفي حصيلة هذه الاتصالات علم ان سلامة سيتولى، عبر اطلالة اعلامية الاسبوع المقبل، عرض حقيقة التطمينات الصادرة عنه وعن مراجع اخرى في الدولة والقطاعين المصرفي والمالي، والتركيز على الاستقرار التسليفي وسلامة الوضع المصرفي والنقدي، مع الاقرار بالانعكاسات غير المباشرة التي ستطال كل الاقتصادات العالمية في حال فشل الاجراءات المتخذة لدعم الاسواق والمؤسسات بالسيولة واستعادة الثقة بما يخفف من سرعة الاتجاه نحو الركود ويقلص فترته الزمنية.

وواقع الامر، ان النتائج الايجابية التي يحققها الاقتصاد اللبناني خلال السنة الحالية تدعم تطمينات الحاكم وخصوصا في القطاعين المصرفي والمالي حيث تظهر آخر الاحصاءات استقطاب الجهاز المصرفي ودائع جديدة تزيد على 8.5 مليارات دولار حتى نهاية الفصل الثالث من 2008 وتحقيق نمو قياسي يماثل ضعفي النمو المحقق العام الماضي وثلاثة اضعاف متوسط النمو في الاعوام الخمسة الماضية. فيما يبلغ حجم الاصول (الموجودات) نحو 92 مليار دولار داخل لبنان ويرتفع الاجمالي الى اكثر من 110 مليارات دولار، اي ما يوازي اكثر من اربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي.

وعلى خط مواز، تحقق معظم القطاعات الاقتصادية نموا جيدا في نتائجها وأعمالها، وفي مقدمها القطاع السياحي الذي استعاد رقم المليون سائح حتى نهاية سبتمبر (ايلول) الماضي معوضا جزءا كبيرا من التراجع المسجل في العامين الماضيين. ونما بجانبه قطاع الخدمات وحركة الانفاق الاستهلاكي، ومن مظاهره ارتفاع مبيع السيارات الجديدة بنسبة 100 في المائة فضلا عن النمو القياسي ايضا الذي شهده قطاع العقارات. وبفعل هذا الاداء ارتفعت تقديرات النمو الاقتصادي لهذا العام من 4 الى 6 في المائة وفق صندوق النقد الدولي مع ترقب نمو بنسبة 5 في المائة خلال السنة 2009. كما سجل ميزان المدفوعات فائضا كبيرا زاد على ملياري دولار حتى نهاية اغسطس (آب) الماضي. وهو ثاني اعلى رقم منذ العام 2000.

وبحسب مسؤول مصرفي كبير فان اعلان التطمينات، وهي ذات مضمون جدي تعززه الاحصاءات والمعطيات، لا ينفي بالمطلق امكانية تعرض استثمارات لبنانية لافراد ومؤسسات لخسائر مباشرة أو تقديرية مربوطة بمحافظ استثمارية في الاسهم والاوراق المالية في بورصات المنطقة والعالم. كذلك الامر بالنسبة الى اللبنانيين العاملين في الخارج أو المغتربين.

ويصعب على أي جهة حصر هذه الخسائر والفصل بين ما هو محقق فعلاً وما هو دفتري معلق على المسار المستقبلي للاسواق. لكن مجمل هذه الخسائر أو الانعكاسات تبقى محدودة للغاية بالنسبة الى المؤسسات. ولن تؤثر كثيراً على النمو غير المسبوق لارباح القطاع المصرفي التي تجاوزت 810 ملايين دولار في 8 أشهر، بزيادة تتجاوز 50 في المائة قياساً بالعام الماضي.

اما على المستوى النقدي، فلا يجد المسؤول المصرفي مصلحة للبنان في ادخال أي تعديل على سعر صرف الليرة حالياً. ويرى ان من الضروري انتظار هدوء العاصفة ورصد نتائجها. يشار إلى أن البنك المركزي يحوز حالياً على ميزاينة قياسية، خصوصاً لجهة حجم الاحتياط من العملات الصعبة الذي يتجاوز 18 مليار دولار، يدعمه احتياط من الذهب يزيد على 10 ملايين أونصة. وهذا ما يجعله في موقع أقوى وأشد فاعلية في التعامل مع التداعيات المحتملة للازمة المالية الدولية على الصعد الاقتصادية والنقدية والمصرفية. وقد أثبت خلال المحطات الطارئة، ومنها ما هو جسيم كجريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، قدرته على الامساك بالاسواق ومنع المضاربات وتوفير السيولة المطلوبة. وتكرر هذا الانجاز خلال العدوان الاسرائيلي التدميري صيف العام 2006 .

وقد أكد سلامة أمام المئات من المسؤولين الماليين والمصرفيين في العالم خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي في واشنطن إن «لبنان وقطاعه المصرفي لم ولن يتأثرا بالأزمة المالية العالمية ولن تكون هناك أي نتائج سلبية على الاستقرار التسليفي. وهذا الامر جاء نتيجة سلسلة من التدابير اتخذها مصرف لبنان خلال سنوات عديدة كان هدفها تحصين رسملة المصارف وترشيد عملها وإبعاد القطاع ككل عن الممارسات التي كادت ان تطيح النظام المصرفي العالمي».