أوغلي: نأمل ألا تعود الإدارتان الأميركية والإسرائيلية الجديدتان بعملية السلام إلى نقطة الصفر

الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي قال لـ«الشرق الأوسط» إن الميثاق ومجمع الفقه ووكالة الأنباء وصندوق الفقر أبرز ما نفذ من مقررات قمة مكة

البروفيسور أوغلي يتحدث لـ«الشرق الأوسط» في مكتبه بجدة («الشرق الأوسط»)
TT

دعا البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلي، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، في حوار مع «الشرق الأوسط»، في جدة الى رأب الصدع، الذي نتج مؤخرا حول الخلافات المذهبية، مؤكدا أن «الاختلاف المذهبي واقع تاريخي ومقبول منذ صدر الإسلام حتى هذا الوقت، ويجب ألا يتحول هذا الاختلاف أو بمعنى أصح هذا الخلاف إلى خلاف سياسي». وأوضح الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أنهم يعتزمون تنظيم أضخم مؤتمر يجمع علماء الإسلام من كافة المذاهب في المرحلة المقبلة. وأطلق الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والتي تحتفل في ديسمبر (كانون الأول) القادم بمرور 60 عاما على إنشائها على يد الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز، تحذيراً للمجتمع الدولي والمؤسسات الثقافية بضرورة التحرك لإيقاف المحاولات الإسرائيلية المعتدية على الحرمة الدينية والتاريخية لمدينة القدس، مؤكداً رصد تقارير فنية متوفرة لديهم في المنظمة بأن هناك تشويها تتعمد إسرائيل القيام به عند صحن الصخرة في المسجد الأقصى. وهنا نص الحوار:

* ماذا لو بدأنا من الجدل الكبير الدائر في الساحة بين علماء سنة وشيعة.. كيف تنظرون إليه؟

ـ نحن نعمل من أجل رأب الصدع، والاختلاف المذهبي واقع تاريخي ومقبول منذ صدر الإسلام حتى هذا الوقت، ويجب ألا يتحول هذا الاختلاف، أو بمعنى أصح هذا الخلاف، عن الخلاف في الآراء والمدارس الدينية والمواضيع الفقهية والعقائدية إلى خلاف سياسي، وأن يتحول بعد ذلك إلى نزاع كما حدث في العراق، فلا بد أن يتوقف أي خلاف قبل نقطة النزاع والاضطراب.

نحن سعينا من خلال المجمع الفقهي في العام 2006، من أجل جمع شمل قادة مسلمين من كبار علماء السنة والشيعة في رحاب بيت الله لتوحيد كلمتهم، واتفقوا على عشرة بنود ندعو الجميع إلى قراءاتها، وهي وثيقة دعمها الشيخ يوسف القرضاوي، وآية الله السيستاني، وشيخ الأزهر الشريف، وآية الله خامئني المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، وجميع من حضر هذا الاجتماع.

* أليس من المفترض أن يكون النقاش ظاهرة صحية بدلاً من الصمت والاحتقان؟ ـ نحن نرى أن يكون النقاش هادئا وفي المسائل الفقهية، وألا يتحول إلى خطاب سياسي، ونحن نعمل في المنظمة من أجل عقد اجتماع كبير يجمع كافة علماء الأمة على كلمة سواء.

* خلال انعقاد الجمعية العمومية في نيويورك أواخر سبتمبر الماضي، اجتمعت مع بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة الذي أشار خلال زيارته الأخيرة للسعودية الى عزمه على التعاون مع المنظمة في العديد من المواضيع، كيف كان اللقاء؟

ـ طبعاً اللقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة هو لقاء أساسي ومهم، وأنا منذ تولي منصب الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي حرصت على تجديد مثل هذه اللقاءات، ليس فقط خلال حضورنا لمناسبات الجمعية العمومية، بل من خلال الكثير من الاجتماعات. وقد وجدت من السيد بان كي مون ترحابا كبيرا واستعدادا للتعاون معنا، كما لاحظت أن لديه إدراكا كبيرا لدور المنظمة، ولرسالتها التاريخية، وللروح الجديدة للمنظمة الساعية إلى رفع مستويات التعاون مع المجتمع الدولي ومنظماته.

وهناك أيضاً الكثير من التعاون في المواضيع التي تهم على مستوى المنظمات التابعة لكلا الجانبين (الأمم المتحدة والمنظمة)، وسوف تعقد اجتماعات دورية لاستكمال هذا التعاون، وتوسيع آفاقه سواء في المجال السياسي أو في المجالات الاقتصادية والإنسانية.

* وما هي الملفات التي بحثت خلال الاجتماع؟ ـ تحدثنا في الكثير من الأمور وعلى رأسها القضية الأساسية للمنظمة، ألا وهي قضية فلسطين والتطورات الأخيرة في عملية «أنابوليس»، حيث أنها قاربت على الختام دون جديد، وكذلك بحثنا سبل التعاون البناء القائم في ما بيننا حول موضوع الصومال الذي أكدنا مواصلة الجهد فيه، إضافة لمسألة دارفور التي يوجد تفاهم كبير بيننا وبين الأمين العام للأمم المتحدة حولها.

* بخصوص مباحثات عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هل خرجت برؤية تحقق قيام الدولة الفلسطينية وفق للموعد المتفق عليه في اجتماع «أنابوليس»، أم أن الموضوع سيتم بالفعل تجميده حتى موعد وصول رئيس جديد للولايات المتحدة؟

ـ الجزء الثاني من سؤالك هو الوضع الحالي للأسف، ولكن نحن نرى في منظمة المؤتمر الإسلامي أوضحنا للأمين العام أن ما تم تحقيقه حتى وقتنا الحالي من نتائج لعملية التفاوض بين الحكومتين الفلسطينية والإسرائيلية وبرعاية أميركية يجب أن تكون بداية أي مفاوضات جديدة في المستقبل، ولا بد من الاستمرار في ما تم التوقف عنده من قبل الإدارتين الأميركية المنتظر انتخابها، والإدارة الإسرائيلية الجديدة، وذلك لضمان عدم ضياع المكتسبات التي تحققت من عملية السلام، وأن يكون لها معنى، وإلا فإنها ستطوى في صفحات النسيان.

* هل لمست توفر أي ضمانات لدى الأمين العام للأمم المتحدة بعدم عودة المفاوضات إلى نقطة الصفر؟

ـ مثلما ذكرت تفاهمنا مع السيد بان كي مون في هذا المجال، ولكن خلال اجتماعي الموسع مع كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية، نقلت لها رأي المنظمة في هذا الأمر، وهي بدورها أبدت موافقتها وقالت: «نحن نعمل من أجل هذا»، في إشارة منها لسعيهم في الحفاظ على المكتسبات التي تم تحقيقها.

* بمناسبة لقائكم كوندوليزا رايس، هل دار الحديث حول انتقادها الذي تضمنه تقرير وزارة الخارجية الأميركية الأخير المتعلق بالحريات الذي ندد فيه «بمحاولات منظمة المؤتمر الإسلامي لتجريم الإساءة إلى الديانات ولا سيما بتصوير النبي محمد صلى الله عليه وسلم» بحسب نص التقرير؟

نعم تم الحديث في هذا الصدد مع السيدة رايس، كما سبق لقاءنا مباحثات جمعت زملائي في المنظمة ومعاونيها، والتي أكدنا خلالها موقف المنظمة من هذا الأمر، فنحن لا نريد أن يسيء الناس إلى نبينا وديننا وقيمنا، وأن يحترموها. لا نريد أكثر من هذا. ونحن بكل حال من الأحوال لسنا ضد أي ديانة أخرى، فنحن نعترف بالرموز الدينية من اليهودية والنصرانية، ونصلي على سيدنا موسى وسيدنا عيسى كما نصلي على رسولنا صلى الله عليه وسلم، كون هذا من صميم معتقداتنا وإيماننا.

كما أوضحنا لهم أن قرارات ومواقف المنظمة تلاقي توفيقا وقبولا كبيرين عبر الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وكذلك عن طريق جمعية حقوق الإنسان في جنيف، وأن هذه القرارات ليست ضد أحد.

* منذ أكثر من عام، وأنتم من حين لآخر تصدرون تصريحات تحذير وتنديد بما تقوم به الحكومة الإسرائيلية من أعمال حفريات قد تؤدي إلى انهيار للمسجد الأقصى، من خلال اللجان المتابعة ضمن إدارات المنظمة. فكيف تصف الوضع الحالي للمسجد؟

ـ من خلال متابعتنا للتقارير الفنية التي وصلتنا من جهات محل ثقة لدينا، عن وضع المسجد الأقصى توضح أن الحفريات التي تمت إلى عهد قريب هي بعيدة عن أساسات المسجد، ولكن المشكلة ليست في هذا الأمر فقط، بل المشكلة تكمن في أطماع تحاول الاستيلاء على صحن الصخرة في قلب المسجد الأقصى، وإنشاء مؤسسات جديدة هناك. كما علمنا أيضاً، أن هناك أفكارا أخرى لإنشاء أشياء تشوه وتعتدي على الحرمة الدينية والتاريخية لمدينة القدس، ونحن نطالب المجتمع الدولي بضرورة التحرك لإيقاف ما يجري، وسنواصل جهودنا لإيقاف هذه المحاولات سواء عن طريق« اليونسكو» وهي المسؤول الأول عن التراث الحضاري الإنساني، ودولنا كلها أعضاء في اليونسكو، أو عن طريق الرباعية التي لها مسؤولية خاصة في القضية الفلسطينية، وعن طريق الأمم المتحدة، والأمين العام الذي، بالمناسبة، يؤيدنا في هذا الأمر.

* هل وجدتم إشادة أميركية بخطوتكم المتمثلة في فتح مكتب دبلوماسي للمنظمة العراق؟ ـ في الواقع افتتاح مكتب دبلوماسي لنا في بغداد نعتبره خطوة استراتيجية مهمة، وقد شجعت هذه الخطوة العديد من الدول الأعضاء في المنظمة في افتتاح سفارات أدت إلى نشاط دبلوماسي على مستوى واسع في العراق. وأعتقد أن هذا الأمر يلقى تقديراً من المجتمع الدولي.

* أعلنت المنظمة عزمها إقامة مؤتمر دولي لدعم دارفور في مدينة جدة (غرب السعودية) خلال بداية العام 2009 القادم، ما هي أبرز الاستعدادات الجارية للمؤتمر ومتى يكون موعد انعقاده بالضبط؟

ـ الموعد حدد في نهاية يناير من العام القادم، وسيكون المؤتمر بمقر المنظمة في جدة، ولقد شكلت لجنة عليا للمؤتمر تضم بالإضافة لنا البنك الإسلامي للتنمية ووزارة الخارجية السعودية والغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة. وفي الوقت الحالي هناك لجنة أخرى تعمل في السودان، وهي اللجنة الوطنية برئاسة وزير الدولة للشؤون الخارجية السوداني، وتتمثل مهام اللجنة في إعداد المعلومات الأساسية حول دارفور التي سيركز المؤتمر جهوده على أعمال التنمية فيها. فالمؤتمر سوف يبحث مشروعات قصيرة ومتوسطة المدى في منطقة دارفور، أي أنه يختلف عن المؤتمرات الأخرى التي تهدف لتقديم مساعدات عاجلة، وستوجه أعمال التنمية لكل الإقليم بمكوناته المختلفة وأجزائه المختلفة.

* إذن سيقتصر المؤتمر على مشاركة الدول الإسلامية؟

ـ للمؤتمر ثلاثة شركاء، أولاً: الدول الأعضاء في المنظمة، وثانياً: مؤسسات المجتمع المدني في الدول الأعضاء، خاصة العاملة منها في مجال العمل الإنساني، وثالثاً: جهات خارجية كبعض الدول المانحة الكبرى مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا التي شاركت في مؤتمرات مماثلة في السابق، إضافة إلى مؤسسات الأمم المتحدة. وسوف تتم دعوة الدول والمؤسسات والدول المانحة بعد اجتماع اللجنة العليا المنظمة للمؤتمر مع اللجنة الوطنية السودانية التي ربما تنعقد أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الجاري في مدينة جدة، وذلك لاعتماد الشكل النهائي للمشروعات التي يحتاجها الإقليم والمقدمة من الجانب السوداني.

* بالنسبة للحضور هل سيتم على مستوى القادة أم وزراء المالية والاقتصاد، أم عبر سفراء ممثلين لبلدانهم؟ وما هو السقف المادي المحدد توفيره من المؤتمر لتنفيذ المشاريع في الإقليم؟

ـ أتوقع أن يكون الحضور على مستوى كبير، بدليل الاهتمام الكبير والواسع لقضية دارفور في العالم، وربما يكون على مستوى وزراء الخارجية أو الاقتصاد والجهات الاستثمارية في البلدان المشاركة. أما بالنسبة للمبلغ المنتظر توفيره من المؤتمر فهو 1.3 مليار دولار أميركي، وهذا المبلغ وضعناه كسقف أعلى، خاصة أن دارفور بحاجة لهذا الدعم للظروف الصعبة التي يعاني منها أهالي وسكان الإقليم.

* لو عدنا لقرارات قمة مكة الاستثنائية في العام 2005، والتي تضمنت خطة عمل عشرية تضمنت كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.. في يوليو (تموز) الماضي كشف نائبكم السفير عطا المنان بخيت لـ«الشرق الأوسط» عن إنجاز المنظمة لأكثر من 30 في المائة من قرارات القمة. ما أبرز هذه القرارات؟

ـ أهم ما تحقق هو الميثاق، أعني ميثاق المنظمة الذي تم تعديله، وهو في الواقع ليس معدلا فقط، بل هو جديد تماماً وفي مدة زمنية تقل عن عامين ونصف العام من تاريخ صدور قرار قمة مكة باعتماد تغيره، وأعتقد أن هذا الوقت يعد قياسيا، إضافة إلى موافقة بالإجماع من الدول الأعضاء عليه، وهذا غير مسبوق لا في تاريخ منظمة المؤتمر أو أي منظمة أخرى في العالم. وهنا دلالة على تفهم القيادات السياسية في دولنا الإسلامية للدور الجديد الذي تضطلع به المنظمة في خدمة الأمة الإسلامية وتمثيل العالم الإسلامي في الإطار الدولي.

الجانب الثاني يتمثل في إصلاح مجمع الفقه الإسلامي الذي استكمل حالياً، وبدأ في دخول طور جديد يعتمد على نظام أساسي جديد ومتكامل، ويكتسب صبغة دولية. والنقطة الثالثة التي تم الانتهاء من تنفيذها من قرارات القمة هي وكالة الأنباء الإسلامية والتي ستظهر في شكلها الجديد مع نهاية العام الحالي إن شاء الله.

ولا أنسى كذلك انتهاءنا من إنشاء صندوق مكافحة الفقر، ولقد تم عمل البرنامج فعليا في أفريقيا، إضافة إلى مرصد «إسلاموفوبيا» الذي جاءت إشارات إيجابية كثيرة جداً على تقريره الأول، كما قابلتها إشارات سلبية من أدعياء كراهية الإسلام وهي رغم أنها تزعجنا إلا أننا نقوم بالواجب المناط بنا في الرد عليها.

* ماذا عن رفع حجم التجارة البينية بين دول العالم الإسلامي من 12 إلى 20 في المائة، وفقا للخطة العشرية؟

ـ حجم التجارة البينية بين الدول الأعضاء في المنظمة بلغ حتى وقتنا الحاضر 16 في المائة، وهناك تعاون كبير وممتاز يقوم في هذا الشأن.