مصر: خسائر البورصة قللت من صخب «الشريفين» وزادت اكتئاب المضاربين

انتحار مصريين.. وموت متعامل في البورصة بالسكتة القلبية لخسارته أمواله

TT

«كان زبائني من سماسرة البورصة هم الأكثر إثارة للصخب في المقهى، ودائما ما يتناقشون في أسعار الأسهم أو التوقعات بارتفاع أو انخفاض بعضها، أما الآن فالسماسرة القليلون الذين يأتون فيلوذ أغلبهم بالصمت وترتسم على وجوههم علامات الاكتئاب والذهن الشارد».. بهذه الكلمات لخص أحمد علي، النادل بمقهى شعبي مجاور لمبنى البورصة المصرية بمنطقة الشريفين في وسط القاهرة، حال زبائنه منذ أن انهارت أسعار الأسهم في البورصة قبل نحو أسبوعين تأثرا بالأزمة المالية العالمية.

وتعتبر منطقة الشريفين التي تضم مبنى البورصة من أشهر المناطق التجارية في وسط القاهرة، إذ يقع بها شارع «قصر النيل» وشارع «طلعت حرب»، ويضمان مئات المحال التجارية ودور السينما ويعجان بالحركة على مدار اليوم، إلا أنه عندما تدلف إلى شارع «علوي» الذي يقع به مقر البورصة المصرية، تشعر أنك دخلت عالما جديدا، فتجد تجمعا من الأشخاص يقفون أمام باب البورصة. وتحت لوحة رقمية تتابع أسعار الأسهم على الواجهة الخارجية، تجد من وضع كفيه فوق رأسه من صدمة الخسارة، وآخرون جلسوا على الأرض بعدما خارت قواهم، فيما تكسو علامات الذهول ملامح آخرين. وجاءت خسائر البورصة لتكمل حلقات مسلسل الاكتئاب الذي عانى منه المصريون طوال الفترة الماضية، بعد الحرائق التي التهمت مبنيين تاريخيين مهمين بوسط العاصمة «مجلس الشورى» و«المسرح القومي»، ثم «انهيار صخري بمنطقة الدويقة أودى بحياة نحو 110 أشخاص»، هكذا قال النادل «علي»، والذي أضاف: «قبل شهرين (أي قبل اتساع الأزمة المالية العالمية) كنت طوال اليوم أجد زبائن المقهى يتحدثون بصوت عال حول أسعار الأسهم قد يصل إلى حد الشجار، وفي الليل يأتون في شكل مجموعات يدرسون التوقعات بشأن الأسهم، أما الآن فيجلسون صامتين معظم الوقت حزنا على أنفسهم أو على ذويهم.

ويضيف «كل المقاهي تزدحم بزبائنها في المساء والليل، إلا المقاهي الواقعة في شارع البورصة، فزبائنها يكثرون طول فترة الصباح وحتى بعد الظهر، لأن أغلبهم من السماسرة والمضاربين في البورصة، وهو ما جعلنا نتأثر بانهيار البورصة».

ومنذ عدة سنوات لم يقتنع «علي» بنصائح زملائه وزبائنه بأن يضع مدخراته القليلة في أسهم بالبورصة، وقال: «عرض علي كثيرون أن أشتري أسهما في البورصة إلا أني رفضت والآن اقتنعت أني كنت على حق، فالخسارة دفعت بالبعض إلى البكاء بعد أن وصلوا إلى حد الإفلاس، وما أصعب أن ترى رجلا يبكي».

أما فتحي إبراهيم ماسح أحذية عجوز في الرابعة والستين من عمره، فاعتاد الجلوس بصندوقه أمام مقر البورصة منذ الثامنة صباحا حتى السادسة مساء طيلة عشر سنوات. وضرب كفا بكف وهو يقول «منه لله اللي كان السبب .. زعل الناس على اللي حصل في البورصة خلاهم ما بيفكروش يلمعوا جزمهم» وقال أيضاً إنه أصبح يضطر إلى الجلوس حتى العاشرة مساء ليستطيع توفير أموال إضافية تعينه على مصاريف تعليم أولاده الأربعة. وهو يتذكر أنه «منذ عام ونصف العام تقريبا انهارت البورصة المصرية تماما ورغم أن الأمر كان ليوم واحد فقط في تلك السنة (2006)، لكن في هذه المرة (الأزمة المالية العالمية الراهنة) خسر السماسرة واللي عندهم أسهم كثيرا من أموالهم.. ربنا يكون في عونهم وعوننا».

وبحسب محللين نفسيين واجتماعيين فإن الاكتئاب يودي أحيانا بحياة البعض، مثلما انتحر مصريان شنقا الأسبوع الماضي لخسارة أموالهما في البورصة، وكذلك موت متعامل بالبورصة بالسكتة القلبية لخسارته أمواله، وأضاف محللون نفسيون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» أمس إن الاكتئاب قد يؤدي أيضاً إلى ارتكاب جرائم وحشية، مثلما فعل معلمٌ خسر كل أمواله في البورصة، وهو من محافظة المنيا (45 عاما) فذبح زوجته وابنته وأشعل فيهما النيران، قبل أن يشعل النيران في نفسه وينتحر. ونصحت الدكتورة عزة كريم أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث المتعاملين في البورصة بتنويع مصادر استثمار أموالهم، «حتى لا يضعوا كل البيض في سلة واحدة لأن الأوضاع الاقتصادية أصبحت صعبة ولا تحتاج لمزيد من المغامرة غير المحسوبة». وأكدت خطورة الاكتئاب على حياة الأشخاص، معتبرة أنه في ظل تزايد ضغوط الحياة يصبح من السهل أن يصل الإنسان إلى قرار إنهاء حياته. وقالت إن للقريبين وللمحيطين بالشخص الذي يخسر أمواله بالبورصة دورا مهما في إعادة التوازن النفسي له عن طريق عدم تعميق شعوره بالفشل ومساعدته في تجاوز المحنة التي يتعرض لها، والتأقلم مع الحالة الاقتصادية الجديدة التي طرأت بعد الخسارة».